العدد : ١٧٣١٦ - الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٦ - الأربعاء ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ صفر ١٤٤٧هـ

مقالات

الجزائر تعبد طريق الطموح الإفريقي

بقلم: المستشار عمر حرفون

الثلاثاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

من‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬سبتمبر‭ ‬تتحول‭ ‬العاصمة‭ ‬الجزائرية‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬حيوي‭ ‬للتجارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬فالطبعة‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬المعرض‭ ‬التجاري‭ ‬الإفريقي‭ ‬البيني‭ (‬IATF‭) ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬حدث‭ ‬اقتصادي‭ ‬عابر،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬تجسيد‭ ‬طموح‭ ‬قاري‭ ‬تلتزم‭ ‬به‭ ‬الجزائر‭.‬

عمل‭ ‬استشرافي‭ ‬ورصد‭ ‬تحليلي‭.. ‬هكذا‭ ‬وصف‭ ‬الجهد‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭ ‬عقب‭ ‬مشاورات‭ ‬تناولت‭ ‬تقييم‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬والتوصيات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬تكثيف‭ ‬التحضيرات‭ ‬للنسخة‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬المعرض‭ ‬التجاري‭ ‬الإفريقي‭ ‬البيني،‭ ‬المقرر‭ ‬تنظيمه‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬سبتمبر‭ ‬المقبل‭ ‬بالجزائر‭ ‬العاصمة‭. ‬وهو‭ ‬حدث‭ ‬يتجاوز‭ ‬بكثير‭ ‬حدود‭ ‬مجرد‭ ‬تظاهرة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وإنما‭ ‬يشكل‭ ‬محطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التكامل‭ ‬الإفريقي‭.‬

 

في‭ ‬سياق‭ ‬دائم‭ ‬التحول،‭ ‬حيث‭ ‬تعاد‭ ‬صياغة‭ ‬التوازنات‭ ‬والرهانات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬أولويات‭ ‬إفريقيا،‭ ‬يأتي‭ ‬تنظيم‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬بالجزائر‭ ‬كمشروع‭ ‬واسع‭ ‬النطاق،‭ ‬ولحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬القارة،‭ ‬وهو‭ ‬يشكل‭ ‬فرصة‭ ‬فريدة‭ ‬للجزائر‭ ‬لإبراز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الطموحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والخبرة‭ ‬اللوجستية،‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الاستباقية‭.‬

وبعد‭ ‬معرض‭ ‬2025‭ ‬IATF‭ ‬فرصة‭ ‬استراتيجية‭ ‬للجزائر،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬مكانتها‭ ‬داخل‭ ‬الفضاء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وتقديم‭ ‬صورة‭ ‬متجددة‭ ‬عن‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬ويهدف‭ ‬الحدث‭ ‬إلى‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالتعاون‭ ‬الإفريقي‭ ‬البيني‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬بنيوي‭ ‬وتحقيق‭ ‬آثار‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬ترقية‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬اندماج‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الديناميكية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القارية‭. ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬تبقى‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرة‭ ‬القارية‭ ‬متجاوزة‭ ‬لإطار‭ ‬معرض‭ ‬تجاري،‭ ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬لحظة‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬منطقة‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬القارية‭ ‬الإفريقية‭ (‬زليكاف‭)‬،‭ ‬وتوفر‭ ‬للجزائر‭ ‬نافذة‭ ‬فريدة‭ ‬لإبراز‭ ‬قدراتها‭ ‬التصديرية‭.‬

إن‭ ‬الالتزام‭ ‬السياسي‭ ‬المحيط‭ ‬بهذا‭ ‬الحدث،‭ ‬يعكس‭ ‬رغبة‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬المعرض‭ ‬التجاري‭ ‬الإفريقي‭ ‬البيني‭ (‬IATF‭) ‬نجاحا‭ ‬هيكليا‭ ‬يخدم‭ ‬الاندماج‭ ‬الإقليمي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬تحقيق‭ ‬الحضور‭ ‬والظهور،‭ ‬فالهدف‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬التظاهرة‭ ‬إلى‭ ‬رافعة‭ ‬حقيقية‭ ‬لتنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بشكل‭ ‬مستدام،‭ ‬وإعادة‭ ‬التموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القارة‭.‬

وتندرج‭ ‬هذه‭ ‬الديناميكية‭ ‬ضمن‭ ‬استمرارية‭ ‬الالتزام‭ ‬التاريخي‭ ‬للجزائر‭ ‬تجاه‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية؛‭ ‬فمنذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬كانت‭ ‬الجزائر‭ ‬حاضرة‭ ‬بدعمها‭ ‬لحركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬وبمواقفها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الثابتة‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬القارية‭.. ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الريادي‭ ‬يُفسر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬انتخاب‭ ‬الجزائر‭ ‬لرئاسة‭ ‬عدة‭ ‬هيئات‭ ‬تابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬شرعية‭ ‬اختيارها‭ ‬كبلد‭ ‬مضيف‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستثمرين‭ ‬والخبراء‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬الأفارقة‭.‬

تسخير‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬طموح‭ ‬الجزائر‭ ‬الإفريقي‭.. ‬هو‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬الجزائر‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬صورتها‭ ‬ونفوذها،‭ ‬ويمنحها‭ ‬القدرات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بالبروز‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مجالات‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الفضاءات،‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬والإجراءات‭ ‬الإدارية‭ ‬والبروتوكول،‭ ‬والتمويل،‭ ‬والجمارك،‭ ‬والنقل،‭ ‬والإيواء‭ ‬والسياحة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الاتصال‭ ‬والتسويق‭.‬

إن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬السيد‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬الوفيّ‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه‭ ‬الإفريقي‭ ‬للجزائر،‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬التقارب‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظرة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬التضامن‭ ‬الفعّال،‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المشتركة‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إطلاق‭ ‬رؤية‭ ‬اقتصادية‭ ‬واضحة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬القدرات‭ ‬الذاتية‭ ‬للقارة،‭ ‬وتستند‭ ‬إلى‭ ‬تنشيط‭ ‬التجارة‭ ‬البيئية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وشعار‭ ‬‮«‬إفريقيا‭ ‬للأفارقة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬إحدى‭ ‬ركائز‭ ‬الفكر‭ ‬الوحدوي‭ ‬الإفريقي‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬انطلق‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الصدقة‭ ‬أن‭ ‬يُبنى‭ ‬اليوم‭ ‬مشروع‭ ‬النهضة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للقارة،‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬كفاح‭ ‬التحرر‭ ‬ومقاومة‭ ‬الاستعمار‭.‬

إن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬الرئيس‭ ‬تبون‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬تنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬تعميق‭ ‬الشراكات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬أنماط‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭.. ‬وهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬الطموحة‭ ‬تجد‭ ‬تجسيدها‭ ‬العملي‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬الإفريقي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبره‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬رافعة‭ ‬أساسية‭ ‬لترقية‭ ‬المبادلات‭ ‬التجارية‭ ‬داخل‭ ‬القارة،‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬سوق‭ ‬تقدر‭ ‬قيمتها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬3000‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

وتحسبا‭ ‬لهذا‭ ‬الموعد‭ ‬المهم،‭ ‬تسخر‭ ‬الجزائر‭ ‬جميع‭ ‬إمكاناتها‭ ‬لإنجاح‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرة،‭ ‬وجعلها‭ ‬محطة‭ ‬مرجعية،‭ ‬ومنعطفا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬في‭ ‬انطلاقتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بما‭ ‬يلبي‭ ‬تطلعات‭ ‬شعوب‭ ‬القارة،‭ ‬ويترجم‭ -‬على‭ ‬الأرض‭- ‬رؤيتها‭ ‬لمستقبل‭ ‬مشترك،‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬روابط‭ ‬تجارية‭ ‬قوية‭ ‬ودائمة‭.‬

لن‭ ‬يكون‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬المقبل‭ ‬مجرد‭ ‬حدث‭ ‬اقتصادي،‭ ‬ولا‭ ‬مناسبة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬رمزية،‭ ‬فالجزائر‭ ‬ستجسد‭ ‬فيه‭ ‬إرادة‭ ‬مشتركة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬تدعمها‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬عبّر‭ ‬عنها‭ ‬بشكل‭ ‬صريح‭ ‬السيد‭ ‬أولوسيغون‭ ‬أو‭ ‬باسانجو،‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬لجمهورية‭ ‬نيجيريا،‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬أسبوع‭ ‬كامل‭ ‬ستستعيد‭ ‬الجزائر‭ ‬دورها‭ ‬كعاصمة‭ ‬إفريقية‭ ‬محمّلة‭ ‬بزخم‭ ‬تاريخي‭ ‬عميق‭ ‬يستحضر‭ ‬أمجاد‭ ‬ماض‭ ‬قريب،‭ ‬صاغته‭ ‬الآمال‭ ‬الإفريقية‭.‬

وفي‭ ‬وقت‭ ‬تبحث‭ ‬إفريقيا‭ ‬عن‭ ‬معالم‭ ‬جديدة‭ ‬تأتي‭ ‬الطبعة‭ ‬الرابعة‭ ‬للمعرض‭ ‬التجاري‭ ‬الإفريقي‭ ‬البيني‭ ‬بالجزائر،‭ ‬لتكون‭ ‬نموذجا‭ ‬للتبادل،‭ ‬والطموح،‭ ‬والتكامل‭ ‬القاري‭.‬

 

القائم‭ ‬بأعمال‭ ‬سفارة‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬البحرين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا