تعد القصص من أمتع أساليب التعبير التعليمية للأطفال وإن كتابة (القصة للأطفال ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي أداة تعليمية وتربوية تسهم في شخصية الطفل وتنمية قدراته المختلفة) كما سطرت ذلك على الغلاف الخلفي لكتاب الكاتبة والساردة العراقية (شيماء حسين) في مجموعتها (حكايات صوفيا وماريا) وبعنوان فرعي (قصص مشوقة للأطفال) والصادر عن دار الإبداع للطباعة والنشر والتوزيع عام 2024، في العنوان ثمة إيقاع متجانس (صوفيا/ ماريا) وهما حفيدتا المؤلفة وكذلك الملمس اللطيف لورق الكتاب وحجم الكتاب وألوان الصور التي ترافق القصص في متن الكتاب كلها اختيرت بعناية كبيرة ودقة سيكولوجية تتواءم مع رغبة المتلقي في مرحلته العمرية المستهدفة لكي يتفاعل بشغف مع هذه القصص، تحاول القاصة في قصصها فضلاً عن زج الجوانب التربوية والتعليمية أن تصهر معهما روح الأمل والتفاؤل والحياة والإشراقة لدى الأطفال من خلال إظهار الحياة مفعمة بالمسارات الإيجابية وحث الأطفال على السلوك الإيجابي المنتج وهذا هو المقصد الدال في تأسيس هذه القصص وتعامل شخوصها داخل متن القصص: (دخل الضيوف إلى المنزل وأخذوا يستمتعون بالديكور الجميل والرائحة الزكية التي تملأ المكان. جلسوا في غرفة المعيشة وبدأوا يتحدثون ويضحكون/ قصة ماريا وصوفيا ص11). إن الكاتبة من خلال قصصها كانت تحاول أن تؤسس لكل البيئات الإيجابية لنمو الطفل بصورة صحيحة وسليمة ومنها المدرسة من خلال قصة (ماريا وصوفيا والعام الدراسي الجديد) ومن خلال تلك القصص تقدم ثيما صغيرة تتلاحم مع الثيمة المركزية لقيمة الدرس التربوي والتعليمي (حب العلوم، حب الرسم، حب الغابات والنباتات والحيوانات، حب المساعدة....إلخ) وتستمر المؤلفة في دروسها التعليمية وهذه المرة من خلال مفاهيم احترام الكبير ومساعدته من خلال قصة (ماريا وصوفيا ومساعدة الجدة العجوز/ص17) وكيف تحقق المساعدة لكبار السن السعادة والبهجة في قلوبهم إذ تتفق ماريا وصوفيا من خلال هذه القصة أن «أفعال الخير والمساعدة لا تجعل الآخرين سعداء فحسب بل تمنحهما أيضًا شعورًا عظيمًا بالرضا والسرور/ص20) . ولا بد من الإشارة إلى أن الصور التي اختارتها المؤلفة بحركيتها الكارتونية إنما تناغم حركية الأطفال في واقعنا الذي تقرأه شيماء بدقة وذكاء فهي (أي الصور) كلها حيوية وطاقة إيجابية وإشراقة تسهم بتوضيح القصص ومعانيها من خلال تلك الرموز الأيقونية كما في (الفراشة والوهم/ لؤلؤة والإخوة الثلاثة...) إذ تنشغل سردياتها بمفردات مشرقة وإيجابية (النباتات، الخضار، حميمية القرية، الماء، الجمال، الابتسامة، الفراشات، السعادة، بالون أبيض، الحلم الجميل، النجوم) وكلها مفردات تدل على انطلاق بؤرة السرد من ذات ساعية للتعليم والتربية للأطفال من خلال أسلوب التعبير السردي هذا، كما أن شيماء حسين من خلال بعض الرمزيات في قصصها هذه تحاول أن تحث الأطفال على متعة الاكتشاف والمغامرة والبحث عن السعادة والحقيقة من خلال الفضول الإيجابي الذي يوصل للحقيقة ومتعة التعلم باكتشاف هذه الحقيقة، إذ إن أكثر ما يهيمن على هذه القصص المشوقة هو مفهوم السعادة فتحاول الكاتبة أن تؤسس لمفهوم السعادة من خلال تعدد أوجه هذه السعادة بالنسبة إلى الأطفال فمفهوم السعادة ليس قاراً مطلقاً بل هو يتغاير وفقاً لأحلام الأطفال وتطلعاتهم وبساطة محيطهم وحياتهم وهي ذكية جيداً بهذا الإطار بالتحديد إذ تتوزع هذه السعادة بصورها المختلفة على أغلب قصص هذه المجموعة فأحياناً تكون السعادة (بالسلوك) (تعلمت ماريا أن العناية بالأسنان ليست مجرد واجب، بل يمكن أن تكون مغامرة ممتعة مليئة بالخيال والأبطال وعاشت هي وأسنانها سعداء في صحة وجمال دائمين/ ص100 من قصة فرشة الأسنان تتكلم مع ماريا) وأحياناً في (رحلة البحث/ رمزية الخارطة والمغامرة) وتارة في سحرية وشاعرية (المكان/هذه الزهرة الزرقاء هي زهرة السعادة إنها زهرة سحرية يمكن أن تمنح الفراشات الطاقة والفرح وتجعلها تشعر بالسعادة/ص81) فإن البحث عن المتعة والتشويق في هذا المكان يمثل أحد وسائل السعادة وأخرى تتعلق بطريقة تعامل الأطفال مع الأشياء من حولهم (الألعاب، البيت، الأصدقاء) وهكذا فإن مفهوم السعادة يعد من أبطال ثيم شيماء في جميع القصص وهي أن يترسخ كقيمة معرفية في المعنى السردي المرسل (للطفل المستقبل لتلك الفكرة) إن المؤلفة تحاول أن تخلق بيئة مادية إيجابية للأطفال من خلال كمية المفردات المدورة في القصص ( الغابات الخضراء، النخيل، الزهور، حدائق سعيدة، ألعاب ملونة ومشوقة، الغيوم، أوراق العنب، تلال التوت الأحمر، المناظر الطبيعية الجميلة، قوس قزح، القمر) وهي بهذا تدرك أهمية البيئة المادية وانعكاسها السيكولوجي على سعادة وتعلم الأطفال وهذا الاستخدام الذكي الآخر في تأسيس كل قصص هذه المجموعة وهو يدل على تجربة دقيقة وعميقة بالتعامل مع الأطفال وفقاً للاحتياج العمري الذي يرتبط بالناحية السيكولوجية للفئات العمرية التي تبعث لهم المؤلفة رسائلها في مجمل هذه القصص السردية.
ولأن للحيوانات ألفة خاصة مع الأطفال فإن الكاتبة لم تغفل ذلك في متون سردها وبخاصة (العصافير/ الفيل الطيب، الفأر الذكي، الفراشات) فإن علاقة الأطفال بالحيوانات من خلال السرد تنمي العديد من المهارات والصفات الإيجابية للأطفال وبخاصة المهارات الاجتماعية والعقلية وتنمية مشاعرهم في التعامل مع الصعوبات والتحديات وتعطيهم معنى القيمة بالتعامل مع هذه الكائنات ففي (كتاب حديقة الحيوانات الثقافية) أشارا الكاتبان ديفيد دبليو. كروجر ولورين ن. كروجر إلى أن الحيوانات في قصص الأطفال قد تنمي في المقام الأول الحياة العاطفية للطفل، لأنها توفر له تجارب شعورية تستفز عقله الواعي واللاواعي في الوقت نفسه. فضلاَ عن تنمية السلوكيات المقبولة ورفض السلوكيات غير المقبولة. إن المؤلفة في قصصها هذه تحيل كل الدروس التربوية والتعليمية التي ممكن أن يتلقاها الطفل في المدرسة والمنزل إلى سرد مشوق يمكن أن يتعلم من خلاله الأطفال الصفات الإيجابية التي تنمي قدراتها وتنشئهم بصورة صحيحة وفقاً لنظريات التربية والتنشئة الصحيحة من الناحية السيكولوجية والسيسولوجية التي يرغبها كل الآباء والأمهات. إنها دعوة صادقة لقراءة هذه المجموعة وتقديمها للأطفال بطرق شتى.
ناقد وأكاديمي عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك