العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

مشروع استراتيجي يعمق التكامل العربي

بقلم: د. عبد المنعم سعيد

السبت ٠٥ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الأخبار‭ ‬السارة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية‭ ‬باتت‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أجواء‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب،‭ ‬واللافت‭ ‬للنظر‭ ‬ان‭ ‬الاعلام‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يسلط‭ ‬الأضواء‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬تستحقه‭ ‬فعلا‭.‬

‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬فيه‭ ‬أوضاع‭ ‬الإقليم‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬مكافأة‭ ‬لأحد‭ ‬لأنه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التدهور،‭ ‬وبقايا‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬المغدور؛‭ ‬وحالة‭ ‬من‭ ‬التمزق‭ ‬والقلق‭ ‬والحروب‭ ‬الأبدية‭ ‬وتعرض‭ ‬الدول‭ ‬لأشباح‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬الدول‭ ‬وتبدد‭ ‬الموارد‭. ‬

‮«‬الخبر‭ ‬السار‮»‬‭ ‬وسط‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬الاتفاق‭ ‬المصري‭- ‬السعودي‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬خط‭ ‬‮«‬القطار‭ ‬السريع‮»‬‭ ‬من‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الشيخ‭ ‬حامد‭ ‬السعودية‭ ‬مارا‭ ‬بجزيرة‭ ‬تيران‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جسر‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وما‭ ‬يربطهما‭ ‬من‭ ‬عرب‭.‬

من‭ ‬الناحيتين‭ ‬‮«‬الجيوسياسية‮»‬‭ ‬و«الجيو‭ ‬اقتصادية‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬المشروع‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬نفق‭ ‬المانش‮»‬‭ ‬أسفل‭ ‬القناة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬رابطا‭ ‬بريا‭ ‬بين‭ ‬إنجلترا‭ ‬وفرنسا‭.‬

كان‭ ‬النفق‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المشروع‭ ‬الأوروبي‭ ‬للتكامل‭ ‬والاندماج‭ ‬والتواصل‭ ‬الجغرافي‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬بوسائل‭ ‬كثيرة‭ ‬رغم‭ ‬الخروج‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬

ان‭ ‬القطار‭ ‬السريع‭ ‬والجسر‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬جسر‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬كما‭ ‬سمي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إبان‭ ‬حزمة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬التي‭ ‬اتفق‭ ‬عليها‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬العاهل‭ ‬السعودي‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬لمصر‭ ‬عام‭ ‬2017‭. ‬تكلفة‭ ‬المشروع‭ ‬تبلغ‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬ويغطي‭ ‬الجسر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬7‭ ‬و10‭ ‬كيلومترات‭.‬

الخبر‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬اهتماما‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬أدمنت‭ ‬اعتبار‭ ‬الأخبار‭ ‬الاقتصادية‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬‮«‬السياسات‭ ‬الدنيا‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأخبار‭ ‬والتعليقات؛‭ ‬وهي‭ ‬أقل‭ ‬شأنا‭ ‬من‭ ‬‮«‬السياسات‭ ‬العليا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬المذابح‭ ‬دائرة‭ ‬والاهتمامات‭ ‬بحركة‭ ‬المعارك‭ ‬جارية‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬تهافت‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬‮«‬جيو‭ ‬اقتصادي‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يعني‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬‮«‬جيو‭ ‬سياسي‮»‬‭ ‬و«جيو‭ ‬استراتيجي‮»‬‭ ‬أيضا‭. ‬

‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬وحدها‭ ‬في‭ ‬الساحة،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬ولا‭ ‬تفكك،‭ ‬وتكمل‭ ‬ولا‭ ‬تقسم،‭ ‬ومنها‭ ‬الشبكة‭ ‬الكهربائية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬الدوام‭ ‬الكهربائي‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬فروق‭ ‬التوقيت‭. ‬

ان‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬المتقدمة‭ ‬هي‭ ‬المعبرة‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬ثورة‭ ‬القطارات‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬تحت‭ ‬الإنشاء‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬شبكة‭ ‬قطارات‭ ‬كهربائية‭ ‬سريعة‭ ‬بطول‭ ‬2000‭ ‬كيلومتر‭ ‬و60‭ ‬محطة‭ ‬تربط‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬طابا‭ ‬والعريش،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬العلمين‭ ‬والعين‭ ‬السخنة‭. ‬

وفي‭ ‬داخل‭ ‬السعودية‭ ‬يمتد‭ ‬قطار‭ ‬الحرمين‭ ‬السريع‭ ‬بين‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬ويعمل‭ ‬بسرعة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬300‭ ‬كم‭/ ‬ساعة‭. ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬سياسة‭ ‬ربط‭ ‬الشبكات‭ ‬أولا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المسار‭ ‬الإيجابي‭ ‬الذي‭ ‬تسير‭ ‬فيه‭ ‬رؤي‭ ‬2030‭ ‬المصرية‭ ‬والسعودية‭ ‬وما‭ ‬يقدمه‭ ‬الإعمار‭ ‬السعودي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬خاصة‭ ‬منطقة‭ ‬الشمال‭ ‬الغربي‭ ‬ومحافظة‭ ‬العلا‭ ‬التي‭ ‬تتلامس‭ ‬مع‭ ‬التوجه‭ ‬التنموي‭ ‬المصري‭ ‬تجاه‭ ‬سيناء‭ ‬والشمال‭ ‬الشرقي‭.‬

ان‭ ‬الحركة‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقل‭ ‬والمواصلات‭ ‬وبناء‭ ‬المدن‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬الصحراوات‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬تنقل‭ ‬البشر‭ ‬وتقرب‭ ‬المصالح‭ ‬وتخلق‭ ‬الدوافع‭ ‬نحو‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العروبة‭ ‬الجديدة‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنتاجية‭.‬

‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬التقارب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬له‭ ‬عوائده‭ ‬ووعوده‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحركة‭ ‬السياحية‭ ‬والتجارية‭ ‬والإنتاجية‭ ‬عامة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وإنما‭ ‬بما‭ ‬يبشر‭ ‬به‭ ‬فور‭ ‬استقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬تدفقات‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭. ‬

وبينما‭ ‬التجارة‭ ‬المصرية‭ ‬السعودية‭ ‬قد‭ ‬زادت‭ ‬بنسبة‭ ‬29%‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬فإن‭ ‬امتداد‭ ‬الخطوط‭ ‬السريعة‭ ‬بين‭ ‬طابا‭ ‬والإسكندرية‭ ‬يدخل‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬

‭ ‬كذلك‭ ‬فان‭ ‬حركة‭ ‬القطارات‭ ‬السريعة‭ ‬تكمل‭ ‬شبكات‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬خط‭ ‬‮«‬سوميد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬ينقل‭ ‬البترول‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط؛‭ ‬ويكمل‭ ‬ستة‭ ‬أنفاق‭ ‬عظمى‭ ‬أسفل‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬لا‭ ‬تكفل‭ ‬فقط‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬الدلتا‭ ‬وسيناء‭ ‬في‭ ‬مصر؛‭ ‬وإنما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تفتح‭ ‬بابا‭ ‬واسعا‭ ‬للصادرات‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬أسواق‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬النيل‭. ‬

ويظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬البشر‭ ‬والمنتجات،‭ ‬ويؤثر‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬المناخ‭ ‬الاستثماري‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬كلها،‭ ‬والسعودية‭ ‬وأوروبا‭ ‬أيضا‭. ‬والواقع‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬الاستثمارات‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬قيمة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬نحو‭ ‬26‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بعدد‭ ‬تجاوز‭ ‬الـ8‭ ‬آلاف‭ ‬شركة‭ ‬سعودية‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المصرية،‭ ‬فيما‭ ‬بلغت‭ ‬قيمة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬بعدد‭ ‬فاق‭ ‬الـ3‭ ‬آلاف‭ ‬شركة‭ ‬مصرية‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السوق‭ ‬السعودية‭. ‬

‭ ‬ان‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬القدرة‭ ‬الاستثمارية‭ ‬السعودية‭ ‬والقدرة‭ ‬السوقية‭ ‬المصرية‭ ‬يشكل‭ ‬سوقا‭ ‬أوسع‭ ‬للاستهلاك‭ ‬والتكامل‭ ‬الصناعي‭ ‬والسياحي،‭ ‬وبابا‭ ‬واسعا‭ ‬نحو‭ ‬السيطرة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬إفريقي‭ ‬واسع‭. ‬

‭ ‬والسؤال‭ ‬المطروح‭ ‬الآن‭: ‬هل‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬للإعلام‭ ‬العربي،‭ ‬خاصة‭ ‬المصري‭ ‬والسعودي،‭ ‬لكي‭ ‬يبدأ‭ ‬طريقا‭ ‬آخر‭ ‬ينظر‭ ‬بتركيز‭ ‬واهتمام‭ ‬أكبر‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار‭ ‬السعيدة‭ ‬ونتائجها‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬ومفكر‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا