يبدو أن الأخبار السارة في بلادنا العربية باتت قليلة في ظل أجواء الصراعات والحروب، واللافت للنظر ان الاعلام العربي لا يسلط الأضواء عليها بما تستحقه فعلا.
يحدث ذلك في وقت لم تعد فيه أوضاع الإقليم في منطقتنا العربية مكافأة لأحد لأنه يعبر عن حالة من التدهور، وبقايا «الربيع العربي» المغدور؛ وحالة من التمزق والقلق والحروب الأبدية وتعرض الدول لأشباح المليشيات التي تهدد الدول وتبدد الموارد.
«الخبر السار» وسط ذلك كله هو الاتفاق المصري- السعودي على إنشاء خط «القطار السريع» من شرم الشيخ المصرية إلى رأس الشيخ حامد السعودية مارا بجزيرة تيران من خلال جسر يربط بين آسيا وإفريقيا وما يربطهما من عرب.
من الناحيتين «الجيوسياسية» و«الجيو اقتصادية» لا يختلف المشروع عن إنشاء «نفق المانش» أسفل القناة الإنجليزية رابطا بريا بين إنجلترا وفرنسا.
كان النفق جزءا من المشروع الأوروبي للتكامل والاندماج والتواصل الجغرافي الذي استمر بوسائل كثيرة رغم الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
ان القطار السريع والجسر العربي أو جسر الملك سلمان كما سمي من قبل إبان حزمة كبيرة من المشروعات التي اتفق عليها أثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان لمصر عام 2017. تكلفة المشروع تبلغ 4 مليارات دولار، ويغطي الجسر ما بين 7 و10 كيلومترات.
الخبر لم يلق اهتماما كبيرا من وسائل إعلامية أدمنت اعتبار الأخبار الاقتصادية جزءا من «السياسات الدنيا» في الأخبار والتعليقات؛ وهي أقل شأنا من «السياسات العليا»، حيث المذابح دائرة والاهتمامات بحركة المعارك جارية.
ومع ذلك، فإن ما يحدث داخل الدول العربية مهما كان تهافت التغطية الإعلامية لكل ما هو «جيو اقتصادي»، بينما هو في النهاية ما سوف يعني التأثير في كل ما هو «جيو سياسي» و«جيو استراتيجي» أيضا.
ان هذه الخطوة لا تقف وحدها في الساحة، وإنما هي شبكة من السياسات التي تربط ولا تفكك، وتكمل ولا تقسم، ومنها الشبكة الكهربائية التي تضمن الدوام الكهربائي مهما كانت فروق التوقيت.
ان هذه الخطوة المتقدمة هي المعبرة أيضا عن ثورة القطارات السريعة في البلدين التي تشمل تحت الإنشاء في مصر شبكة قطارات كهربائية سريعة بطول 2000 كيلومتر و60 محطة تربط ما بين طابا والعريش، وما بين العلمين والعين السخنة.
وفي داخل السعودية يمتد قطار الحرمين السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ويعمل بسرعة تصل إلى 300 كم/ ساعة. وهكذا فإن سياسة ربط الشبكات أولا تعبر عن المسار الإيجابي الذي تسير فيه رؤي 2030 المصرية والسعودية وما يقدمه الإعمار السعودي في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية خاصة منطقة الشمال الغربي ومحافظة العلا التي تتلامس مع التوجه التنموي المصري تجاه سيناء والشمال الشرقي.
ان الحركة الجارية في مجال النقل والمواصلات وبناء المدن لا تعبر الصحراوات فحسب، وإنما تنقل البشر وتقرب المصالح وتخلق الدوافع نحو شكل من أشكال العروبة الجديدة ذات الطبيعة الإنتاجية.
كذلك فإن التقارب على هذا النحو له عوائده ووعوده بالنسبة للحركة السياحية والتجارية والإنتاجية عامة ليس فقط بين البلدين، وإنما بما يبشر به فور استقرار الأوضاع السياسية في المشرق العربي من تدفقات في اتجاه الشرق والغرب.
وبينما التجارة المصرية السعودية قد زادت بنسبة 29% خلال عام 2024، فإن امتداد الخطوط السريعة بين طابا والإسكندرية يدخل السعودية إلى قلب البحر الأبيض المتوسط.
كذلك فان حركة القطارات السريعة تكمل شبكات أخرى منها خط «سوميد» الذي ينقل البترول من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط؛ ويكمل ستة أنفاق عظمى أسفل قناة السويس لا تكفل فقط التكامل بين الدلتا وسيناء في مصر؛ وإنما أكثر من ذلك تفتح بابا واسعا للصادرات السعودية إلى أكبر أسواق العالم العربي في وادي النيل.
ويظهر ذلك في حركة البشر والمنتجات، ويؤثر بشدة في المناخ الاستثماري بين البلدين وأكثر من ذلك بين مصر ومنطقة الخليج العربي كلها، والسعودية وأوروبا أيضا. والواقع الآن أن الاستثمارات تعد من الجوانب الحيوية في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية في مصر نحو 26 مليار دولار بعدد تجاوز الـ8 آلاف شركة سعودية تنشط في السوق المصرية، فيما بلغت قيمة الاستثمارات المصرية في السعودية نحو 4 مليارات دولار بعدد فاق الـ3 آلاف شركة مصرية تعمل في إطار السوق السعودية.
ان التكامل بين القدرة الاستثمارية السعودية والقدرة السوقية المصرية يشكل سوقا أوسع للاستهلاك والتكامل الصناعي والسياحي، وبابا واسعا نحو السيطرة العربية في البحر الأحمر والدخول إلى عالم إفريقي واسع.
والسؤال المطروح الآن: هل آن الأوان للإعلام العربي، خاصة المصري والسعودي، لكي يبدأ طريقا آخر ينظر بتركيز واهتمام أكبر لمثل هذه الأخبار السعيدة ونتائجها.
{ كاتب ومفكر مصري
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك