العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٨ - الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

غموض البرنامج النووي للكيان الصهيوني

بقلم: د. زكريا الخنجي

الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

ربما‭ ‬فتحت‭ ‬لنا‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬والجمهورية‭ ‬الإيرانية‭ ‬سؤالا‭ ‬مهما،‭ ‬هل‭ ‬تمتلك‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬نسمع‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك؟‭ ‬فإن‭ ‬كانت،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬الحقائق‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية؟‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل‭ ‬عنها؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬تقارير‭ ‬واضحة‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع؟

ذهبت‭ ‬أبحث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬البحث،‭ ‬ولكن‭ ‬واجهتني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العراقيل‭ ‬وقلة‭ ‬المصادر‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬يتميز‭ ‬بالتالي‭:‬

{‭ ‬السرية‭ ‬والغموض؛‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لم‭ ‬تعترف‭ ‬رسميًّا‭ ‬بامتلاكها‭ ‬للسلاح‭ ‬النووي،‭ ‬لكنها‭ ‬تتبع‭ ‬سياسة‭ (‬الغموض‭ ‬النووي‭ ‬Nuclear‭ ‬Ambiguity‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تؤكد‭ ‬ولا‭ ‬تنفي‭ ‬امتلاكها‭ ‬لهذا‭ ‬السلاح‭.‬

{‭ ‬الترسانة‭ ‬النووية‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال؛‭ ‬التقديرات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬يمتلك‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬80‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬رأس‭ ‬نووي،‭ ‬ويمكنها‭ ‬إطلاقها‭ ‬عبر‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية،‭ ‬غواصات،‭ ‬وطائرات‭.‬‮ ‬

ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬في‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬الغموض‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬السرية،‭ ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬على‭ ‬البدايات‭ ‬الأولية‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬النووي‭.‬

تقول‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية،‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ (‬العشرين‭) ‬أطلق‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬برنامجه‭ ‬النووي،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1949،‭ ‬وقبل‭ ‬مضي‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬الكيان،‭ ‬قام‭ (‬دافيد‭ ‬بن‭ ‬غوريون‭)‬،‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة،‭ ‬بتشكيل‭ ‬مجلس‭ ‬علمي‭ ‬بإدارة‭ (‬أرنست‭ ‬دافيد‭ ‬برغمان‭) ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬أبحاث‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭. ‬وقد‭ ‬تبع‭ ‬المجلس‭ ‬مباشرة‭ ‬لمكتب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بهدف‭ ‬إبعاده‭ ‬عن‭ ‬الروتين‭ ‬الإداري،‭ ‬وإعطائه‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬التسهيلات‭ ‬والإمكانيات‭. ‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬قسم‭ ‬الأبحاث‭ ‬للنظائر‭ ‬المشعّة‭ ‬في‭ ‬مـعهد‭ ‬وايزمان‭ ‬في‭ ‬رامابون،‭ ‬وكان‭ ‬يضم‭ ‬أربعة‭ ‬مختبرات‭ ‬تبحث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفيزياء‭ ‬النووية‭ ‬والتحليل‭ ‬الطيفي‭ ‬والإلكترونيات‭ ‬والرنين‭ ‬المغناطيسي‭. ‬شارك‭ ‬كل‭ ‬من‭ (‬حاييم‭ ‬وايزمن‭) ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للكيان‭ ‬و‭(‬دافيد‭ ‬بن‭ ‬غوريون‭) ‬في‭ ‬إحضار‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬للإسهام‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إنماء‭ ‬وتطوير‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إرسال‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬والدارسين‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬للتحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬وإكمال‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬الهدف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الكبير،‭ ‬وهو‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭.‬

{‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬أنشأ‭ ‬برغمان‭ ‬لجنة‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬

{‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬وقّعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬اتفاق‭ ‬تعاون‭ ‬نووي‭ ‬مع‭ ‬فرنسا،‭ ‬وشاركت‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬الفرنسية‭. ‬

{‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بناء‭ ‬أول‭ ‬مفاعل‭ ‬نووي‭ ‬بمساعدة‭ ‬خبراء‭ ‬وشركات‭ ‬أمريكية،‭ ‬أقيم‭ ‬المفاعل‭ ‬شمال‭ ‬مستوطنة‭ ‬ريشون‭ ‬ليشيون،‭ ‬وبلغت‭ ‬قوته‭ ‬8‭ ‬ميغاوات‭. ‬وكان‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬وقود‭ ‬اليورانيوم‭ ‬ويستخدم‭ ‬في‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية،‭ ‬وإنتاج‭ ‬النظائر‭ ‬المشعة‭.‬

{‭ ‬بعد‭ ‬أعوام‭ ‬قليلة‭ ‬زوّدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الكيان‭ ‬بمفاعل‭ ‬صغير‭ ‬قوته‭ ‬5‭ ‬ميغاوات‭ ‬للأبحاث‭ ‬النووية،‭ ‬تم‭ ‬تركيبه‭ ‬في‭ ‬ناحال‭ ‬سوريك‭ ‬غربي‭ ‬مستوطنة‭ ‬حوفوت،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المخصّب،‭ ‬وأجهزة‭ ‬تحكّم‭ ‬ومراقبة،‭ ‬ومئات‭ ‬الكريتونز‭ (‬وهي‭ ‬مفاتيح‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬القنابل‭ ‬النووية‭).‬

{‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1963‭ ‬أنشئ‭ ‬مفاعل‭ ‬ديمونا‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬النقب،‭ ‬بمساعدة‭ ‬تقنية‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وبتمويل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬تم‭ ‬اختيار‭ ‬الموقع‭ ‬بعناية،‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الخاضعة‭ ‬للسلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭. ‬أما‭ ‬المفاعل‭ ‬فكان‭ ‬بقوة‭ ‬24‭ ‬ميغاوات،‭ ‬يستخدم‭ ‬اليورانيوم‭ ‬كوقود‭ ‬وينتج‭ ‬النظائر‭ ‬المشعة‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القنابل‭ ‬النووية‭. ‬بدأ‭ ‬مفاعل‭ ‬ديمونا‭ ‬مرحلة‭ ‬إنتاج‭ ‬الماء‭ ‬الثقيل‭ ‬واليورانيوم‭ ‬المخصّب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬وبعدها‭ ‬بقليل‭ ‬بدأت‭ ‬مرحلة‭ ‬إعادة‭ ‬معالجة‭ ‬البلوتينيوم‭. ‬

{‭ ‬وفي‭ ‬2‭ ‬نوفمبر‭ ‬1966‭ ‬نفّذت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬النقب‭. ‬

{‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬أجرت‭ ‬تجربة‭ ‬ثانية‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭. ‬

{‭ ‬ولقد‭ ‬واجه‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬مشكلة‭ ‬تأمين‭ ‬مادة‭ ‬اليورانيوم‭ ‬لمفاعلها‭ ‬النووي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الكميات‭ ‬المتوفرة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬النقب،‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬لتلبية‭ ‬حاجة‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الذي‭ ‬تطوّر‭ ‬بسرعة‭. ‬ولذلك‭ ‬تعاونت‭ ‬سرًا‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الكميات‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬أمنية‭ ‬مشبوهة،‭ ‬جرى‭ ‬التعتيم‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬وتمكنت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬باتفاق‭ ‬تعاون‭ ‬مع‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬يقضي‭ ‬بأن‭ ‬تقدم‭ ‬إسرائيل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والخبرة‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬اليورانيوم‭. ‬

{‭ ‬ومنذ‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬أصبحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تنتج‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬حاجتها‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم‭ ‬كناتج‭ ‬ثانوي‭ ‬من‭ ‬الفوسفات‭. ‬

{‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1966‭ ‬أنشأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مفاعل‭ (‬روبين‭) ‬لإنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬وتحلية‭ ‬المياه،‭. ‬طوّرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قدرة‭ ‬مفاعل‭ ‬ديمونا‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬عدة،‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬150‭ ‬ميغاوات‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬وأنشأت‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1981‭-‬1983‭ ‬وحدات‭ ‬لإنتاج‭ ‬الليثيوم‭ ‬والدوتريوم‭ ‬والتريتيوم،‭ ‬وذلك‭ ‬بدعم‭ ‬مادي‭ ‬وتقني‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

{‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬عملية‭ ‬نقل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحديثة‭ ‬الى‭ ‬إسرائيل‭ ‬مستمرة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬قيود‭. ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تنتج‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬المشعة‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لصناعة‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭ ‬سنويًا،‭ ‬وهي‭ ‬تسعى‭ ‬حاليًا‭ ‬لإنشاء‭ ‬مفاعل‭ ‬نووي‭ ‬جديد‭.‬

{‭ ‬وتشير‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬يمتلك‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬80‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬رأس‭ ‬نووي،‭ ‬وأما‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬الغربية‭ ‬تقدر‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إنتاج ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬100‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭ ‬إضافية بفضل‭ ‬مخزونها‭ ‬من‭ ‬البلوتونيوم‭ ‬واليورانيوم‭.‬‮ ‬

سياسة‭ ‬الغموض‭ ‬النووي

منذ‭ ‬نشأة‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬تبنّت‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬سياسة‭ ‬تُعرف‭ ‬بـ‭(‬الغموض‭ ‬النووي‭) ‬أو‭ (‬الردع‭ ‬الغامض‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬سياسة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬تأكيد‭ ‬أو‭ ‬نفي‭ ‬امتلاكها‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭. ‬وهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬أثارت‭ ‬جدلاً‭ ‬واسعًا،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬

تقوم‭ ‬فلسفة‭ ‬الردع‭ ‬بالشك‭ ‬أو‭ ‬الغموض،‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬المحتمل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬نووية‭ ‬مدمرة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تأكيد‭ ‬رسمي‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الردع‭ ‬يُبقي‭ ‬الخصوم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحذر‭ ‬الدائم،‭ ‬ويمنح‭ ‬إسرائيل‭ ‬هامشًا‭ ‬واسعًا‭ ‬من‭ ‬المناورة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬الردع‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات،‭ ‬أبرزها‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬حين‭ ‬أشارت‭ ‬تقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وضعت‭ ‬قواتها‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تأهب‭ ‬قصوى،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬السريع‭.‬

وهذا‭ ‬الشك‭ ‬المتعمد،‭ ‬ينشئ‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الفهم‭ ‬أو‭ ‬الإدراك،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والترقب،‭ ‬وسياسة‭ ‬الغموض‭ ‬هذه‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬بعض‭ ‬الاستراتيجيات،‭ ‬منها‭:‬

{‭ ‬تحقيق‭ ‬الردع‭ ‬دون‭ ‬استفزاز؛‭ ‬الغموض‭ ‬يسمح‭ ‬بتحقيق‭ ‬الردع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشك،‭ ‬دون‭ ‬إثارة‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬إقليمي‭.‬

{‭ ‬تجنب‭ ‬الضغوط‭ ‬الدولية؛‭ ‬الإعلان‭ ‬الرسمي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬أو‭ ‬ضغوط‭ ‬دبلوماسية،‭ ‬ولكن‭ ‬الغموض‭ ‬ينهي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭.‬

{‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬النوعي؛‭ ‬إبقاء‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬خارج‭ ‬النقاش‭ ‬العلني‭ ‬يُبقي‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬متفوق‭ ‬استراتيجيًّا‭.‬

{‭ ‬المرونة‭ ‬السياسية؛‭ ‬الغموض‭ ‬يمنح‭ ‬إسرائيل‭ ‬هامشًا‭ ‬واسعًا‭ ‬للمناورة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬وهذا‭ ‬التكتم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اكتشفت‭ ‬حسب‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬حقيقة‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الستينيات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صور‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬وتقارير‭ ‬استخباراتية‭. ‬وقد‭ ‬أثار‭ ‬ذلك‭ ‬قلقًا‭ ‬لدى‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كينيدي،‭ ‬الذي‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬للسماح‭ ‬بتفتيش‭ ‬دولي‭ ‬للمفاعل‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬رفضت‭ ‬ذلك،‭ ‬وتمسكت‭ ‬بسياسة‭ ‬الغموض‭ ‬النووي‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى تفاهم‭ ‬غير‭ ‬مكتوب‭ ‬بين‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬غولدا‭ ‬مائير‭ ‬والرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون،‭ ‬يقضي‭ ‬بعدم‭ ‬إعلان‭ ‬إسرائيل‭ ‬قدراتها‭ ‬النووية،‭ ‬مقابل‭ ‬عدم‭ ‬الضغط‭ ‬الأمريكي‭ ‬عليها‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬معاهدة‭ ‬عدم‭ ‬الانتشار‭ ‬النووي‭ (‬NPT‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬التفاهم‭ ‬أسس‭ ‬لما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭(‬الاستثناء‭ ‬النووي‭ ‬الإسرائيلي‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الاستثناء،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬يدرك‭ ‬تمامًا‭ ‬امتلاك‭ ‬إسرائيل‭ ‬لترسانة‭ ‬نووية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬تغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭. ‬ويُعزى‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭:‬

{‭ ‬التحالف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب،

{‭ ‬الخشية‭ ‬من‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬الرسمي‭ ‬بالقدرات‭ ‬النووية‭ ‬الإسرائيلية،

{‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬نووي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،

وقد‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬التواطؤ‭ ‬الضمني‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ (‬الاستثناء‭ ‬النووي‭) ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تُفرض‭ ‬ضغوط‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭.‬

‮ ‬قال‭ (‬إسرائيل‭ ‬شاحاك‭) ‬[أحد‭ ‬كبار‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬الإسرائيليين]‭: ‬‮«‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السلام،‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬دائمًا‭ ‬بأنها‭ ‬الهدف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬برأيي‭ ‬أساس‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬سيطرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ونفوذها‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭. ‬إسرائيل‭ ‬تحضّر‭ ‬لخوض‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر،‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تفادي‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬ديموغرافي‭ ‬قد‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لمصلحتها،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬تحضّر‭ ‬نفسها‭ ‬علنًا‭ ‬لتحقيق‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬متاحة‭ ‬أمامها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الغرض،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‮»‬‭. ‬أما‭ (‬شيمون‭ ‬بيريز‭) ‬[عرّاب‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬الإسرائيلية]‭ ‬فقد‭ ‬صرح‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬إن‭ ‬امتلاك‭ ‬نظام‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬متفوّق‭ ‬يعني‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬أغراض‭ ‬ملزمة،‭ ‬بما‭ ‬معناه‭ ‬إكراه‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬بالمطالب‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬معرض‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬قال‭ ‬روبرت‭ ‬تاكر‭: ‬‮«‬ما‭ ‬المانع‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬اتباع‭ ‬سياسة‭ ‬الصقور،‭ ‬باستخدام‭ ‬الدرع‭ ‬النووي،‭ ‬فامتلاكها‭ ‬لتفوق‭ ‬نووي‭ ‬كاسح‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بأن‭ ‬تتصرف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬العواقب،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معارضة‭ ‬عالمية‮»‬‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬المهم؛‭ ‬من‭ ‬أعطى‭ ‬الغرب‭ ‬ودولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬وأسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬ويمنع‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى؟‭!‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا