ربما فتحت لنا الحرب بين دولة الاحتلال الصهيوني والجمهورية الإيرانية سؤالا مهما، هل تمتلك دولة الاحتلال كل تلك القدرات النووية التي نسمع عنها من هنا وهناك؟ فإن كانت، فلماذا لم نسمع الحقائق عبر السنوات الماضية؟ لا توجد أي تفاصيل عنها؟ لماذا لا توجد تقارير واضحة بشأن هذا الموضوع؟
ذهبت أبحث في بعض وسائل البحث، ولكن واجهتني الكثير من العراقيل وقلة المصادر وذلك بسبب أن البرنامج النووي لدولة الاحتلال يتميز بالتالي:
{ السرية والغموض؛ دولة الاحتلال لم تعترف رسميًّا بامتلاكها للسلاح النووي، لكنها تتبع سياسة (الغموض النووي Nuclear Ambiguity)، ما يعني أنها لا تؤكد ولا تنفي امتلاكها لهذا السلاح.
{ الترسانة النووية لدولة الاحتلال؛ التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن الكيان يمتلك ما بين 80 إلى 200 رأس نووي، ويمكنها إطلاقها عبر صواريخ باليستية، غواصات، وطائرات.
ولكن قبل أن نبدأ في التحدث عن أسباب الغموض وكل تلك السرية، لنحاول أن نتعرف على البدايات الأولية لهذا المشروع النووي.
تقول بعض المصادر التاريخية، إنه في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي (العشرين) أطلق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة برنامجه النووي، ففي عام 1949، وقبل مضي عام واحد على إنشاء الكيان، قام (دافيد بن غوريون)، أول رئيس وزراء لهذه الدولة، بتشكيل مجلس علمي بإدارة (أرنست دافيد برغمان) للإشراف على أبحاث الطاقة النووية. وقد تبع المجلس مباشرة لمكتب رئيس الوزراء بهدف إبعاده عن الروتين الإداري، وإعطائه أقصى قدر ممكن من التسهيلات والإمكانيات.
وفي العام نفسه تم إنشاء قسم الأبحاث للنظائر المشعّة في مـعهد وايزمان في رامابون، وكان يضم أربعة مختبرات تبحث في مجال الفيزياء النووية والتحليل الطيفي والإلكترونيات والرنين المغناطيسي. شارك كل من (حاييم وايزمن) أول رئيس للكيان و(دافيد بن غوريون) في إحضار عدد كبير من العلماء اليهود من الدول الغربية إلى إسرائيل، للإسهام في عملية إنماء وتطوير البحث العلمي في مجال الطاقة النووية. كما تم إرسال عدد كبير من الطلبة والدارسين إلى مختلف الدول المتقدمة للتحصيل العلمي وإكمال الدراسات التي تخدم الهدف الإسرائيلي الكبير، وهو السلاح النووي.
{ في عام 1952 أنشأ برغمان لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية.
{ وفي عام 1955 وقّعت إسرائيل اتفاق تعاون نووي مع فرنسا، وشاركت بفعالية في برنامج الأسلحة النووية الفرنسية.
{ في عام 1957 بدأت إسرائيل بناء أول مفاعل نووي بمساعدة خبراء وشركات أمريكية، أقيم المفاعل شمال مستوطنة ريشون ليشيون، وبلغت قوته 8 ميغاوات. وكان يعمل على وقود اليورانيوم ويستخدم في الأبحاث العلمية، وإنتاج النظائر المشعة.
{ بعد أعوام قليلة زوّدت الولايات المتحدة الأمريكية الكيان بمفاعل صغير قوته 5 ميغاوات للأبحاث النووية، تم تركيبه في ناحال سوريك غربي مستوطنة حوفوت، بالإضافة إلى كميات من اليورانيوم المخصّب، وأجهزة تحكّم ومراقبة، ومئات الكريتونز (وهي مفاتيح فائقة السرعة تستعمل في تطوير القنابل النووية).
{ وفي عام 1963 أنشئ مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، بمساعدة تقنية من فرنسا وبتمويل من الولايات المتحدة الأمريكية. تم اختيار الموقع بعناية، بين مصر والأردن والأراضي الفلسطينية الخاضعة للسلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما المفاعل فكان بقوة 24 ميغاوات، يستخدم اليورانيوم كوقود وينتج النظائر المشعة التي تستعمل في صناعة القنابل النووية. بدأ مفاعل ديمونا مرحلة إنتاج الماء الثقيل واليورانيوم المخصّب في عام 1964، وبعدها بقليل بدأت مرحلة إعادة معالجة البلوتينيوم.
{ وفي 2 نوفمبر 1966 نفّذت إسرائيل أول تجربة نووية في صحراء النقب.
{ وفي عام 1979 أجرت تجربة ثانية بالاشتراك مع جنوب إفريقيا في المحيط الهندي.
{ ولقد واجه الكيان المحتل في البداية مشكلة تأمين مادة اليورانيوم لمفاعلها النووي، حيث كانت الكميات المتوفرة منها في صحراء النقب، غير كافية لتلبية حاجة البرنامج النووي الذي تطوّر بسرعة. ولذلك تعاونت سرًا مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة للحصول على الكميات المطلوبة من اليورانيوم، من خلال عمليات أمنية مشبوهة، جرى التعتيم عليها في هذه البلدان. وتمكنت دولة الاحتلال من حل هذه المشكلة باتفاق تعاون مع جنوب إفريقيا، يقضي بأن تقدم إسرائيل التكنولوجيا والخبرة مقابل الحصول على مادة اليورانيوم.
{ ومنذ عام 1971 أصبحت إسرائيل تنتج ما يكفي حاجتها من اليورانيوم كناتج ثانوي من الفوسفات.
{ في عام 1966 أنشأت إسرائيل مفاعل (روبين) لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه،. طوّرت إسرائيل قدرة مفاعل ديمونا على مراحل عدة، حتى بلغت 150 ميغاوات عام 1985، وأنشأت في الفترة الممتدة ما بين 1981-1983 وحدات لإنتاج الليثيوم والدوتريوم والتريتيوم، وذلك بدعم مادي وتقني من الولايات المتحدة الأمريكية.
{ ولا تزال عملية نقل التكنولوجيا الأمريكية الحديثة الى إسرائيل مستمرة حتى الآن ومن دون أية قيود. وقد أصبحت إسرائيل تنتج حاليًا من المواد المشعة ما يكفي لصناعة من 10 إلى 12 قنبلة نووية سنويًا، وهي تسعى حاليًا لإنشاء مفاعل نووي جديد.
{ وتشير بعض التقديرات إلى أن الكيان يمتلك ما بين 80 إلى 200 رأس نووي، وأما بعض المصادر الغربية تقدر أن لدى دولة الاحتلال القدرة على إنتاج ما يصل إلى 100 قنبلة نووية إضافية بفضل مخزونها من البلوتونيوم واليورانيوم.
سياسة الغموض النووي
منذ نشأة البرنامج النووي الإسرائيلي، تبنّت تل أبيب سياسة تُعرف بـ(الغموض النووي) أو (الردع الغامض)، وهي سياسة تقوم على الامتناع عن تأكيد أو نفي امتلاكها السلاح النووي. وهذه المقاربة الفريدة من نوعها في العلاقات الدولية أثارت جدلاً واسعًا، لما لها من تأثيرات استراتيجية في الأمن الإقليمي والدولي.
تقوم فلسفة الردع بالشك أو الغموض، على مبدأ أن العدو المحتمل يجب أن يفترض أن إسرائيل تمتلك القدرة على توجيه ضربة نووية مدمرة، دون أن يكون هناك تأكيد رسمي على ذلك. هذا النوع من الردع يُبقي الخصوم في حالة من الحذر الدائم، ويمنح إسرائيل هامشًا واسعًا من المناورة السياسية والعسكرية، وقد تجلى هذا الردع في عدة مناسبات، أبرزها خلال حرب أكتوبر 1973، حين أشارت تقارير إلى أن إسرائيل وضعت قواتها النووية في حالة تأهب قصوى، مما دفع الولايات المتحدة إلى التدخل السريع.
وهذا الشك المتعمد، ينشئ حالة من عدم الفهم أو الإدراك، مما يؤدي كل هذا الى حالة من الخوف والترقب، وسياسة الغموض هذه تبنى على اعتبار بعض الاستراتيجيات، منها:
{ تحقيق الردع دون استفزاز؛ الغموض يسمح بتحقيق الردع من خلال الشك، دون إثارة سباق تسلح إقليمي.
{ تجنب الضغوط الدولية؛ الإعلان الرسمي قد يؤدي إلى فرض عقوبات أو ضغوط دبلوماسية، ولكن الغموض ينهي كل هذا.
{ الحفاظ على التفوق النوعي؛ إبقاء القدرات النووية خارج النقاش العلني يُبقي إسرائيل في موقع متفوق استراتيجيًّا.
{ المرونة السياسية؛ الغموض يمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للمناورة في المحافل الدولية.
وعلى الرغم من كل هذا الغموض وهذا التكتم إلا أن الولايات المتحدة اكتشفت –حسب بعض التقارير– حقيقة البرنامج النووي الإسرائيلي في أوائل الستينيات، من خلال صور الأقمار الصناعية وتقارير استخباراتية. وقد أثار ذلك قلقًا لدى إدارة الرئيس جون كينيدي، الذي ضغط على إسرائيل للسماح بتفتيش دولي للمفاعل. إلا أن إسرائيل رفضت ذلك، وتمسكت بسياسة الغموض النووي.
وفي عام 1969، تم التوصل إلى تفاهم غير مكتوب بين رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، يقضي بعدم إعلان إسرائيل قدراتها النووية، مقابل عدم الضغط الأمريكي عليها للانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، هذا التفاهم أسس لما يُعرف بـ(الاستثناء النووي الإسرائيلي)، ولكن لماذا هذا الاستثناء، لا أحد يعرف.
وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي يدرك تمامًا امتلاك إسرائيل لترسانة نووية، إلا أن القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تغض الطرف عن ذلك. ويُعزى هذا الموقف إلى عدة عوامل:
{ التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب،
{ الخشية من زعزعة استقرار المنطقة في حال تم الاعتراف الرسمي بالقدرات النووية الإسرائيلية،
{ الرغبة في منع سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط،
وقد أدى هذا التواطؤ الضمني إلى خلق حالة من (الاستثناء النووي) لدولة الاحتلال، في حين تُفرض ضغوط شديدة على دول أخرى.
قال (إسرائيل شاحاك) [أحد كبار الاستراتيجيين الإسرائيليين]: «الرغبة في السلام، التي يفترض دائمًا بأنها الهدف الإسرائيلي، هي ليست برأيي أساس السياسة الإسرائيلية، بل إن الرغبة في توسيع سيطرة إسرائيل ونفوذها هي الأساس. إسرائيل تحضّر لخوض حرب نووية إذا لزم الأمر، في سبيل تفادي أي تغيير ديموغرافي قد يحصل في أية دولة أو بعض دول الشرق الأوسط، ولا يكون لمصلحتها، وإسرائيل تحضّر نفسها علنًا لتحقيق السيطرة على كامل منطقة الشرق الأوسط، من دون أن تتردد في استعمال أية وسيلة متاحة أمامها للوصول إلى هذا الغرض، بما فيها استخدام الأسلحة النووية». أما (شيمون بيريز) [عرّاب الأسلحة النووية الإسرائيلية] فقد صرح قائلاً: «إن امتلاك نظام أسلحة نووية متفوّق يعني إمكانية تحقيق أغراض ملزمة، بما معناه إكراه الجانب الآخر على القبول بالمطالب السياسية الإسرائيلية». وفي معرض الدفاع عن السياسة الإسرائيلية، قال روبرت تاكر: «ما المانع لدى إسرائيل من اتباع سياسة الصقور، باستخدام الدرع النووي، فامتلاكها لتفوق نووي كاسح يسمح لها بأن تتصرف من دون النظر إلى العواقب، حتى في ظل معارضة عالمية».
ويبقى السؤال المهم؛ من أعطى الغرب ودولة الاحتلال الحق في امتلاك كل تلك الأسلحة وأسلحة الدمار الشامل، ويمنع هذا الحق عن الدول الأخرى؟!
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك