العدد : ١٧٢٥٩ - الثلاثاء ٢٤ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٩ - الثلاثاء ٢٤ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سلاح الوعي في مواجهة الرسائل والأخبار المضللة

بقلم: نبيلة رجب

الاثنين ٢٣ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

ليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نقرأه‭ ‬يُطمئن،‭ ‬ولا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬يُبنى‭ ‬على‭ ‬معلومة‭ ‬دقيقة‭. ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬تغمرنا‭ ‬فيها‭ ‬التفسيرات،‭ ‬ويقل‭ ‬فيها‭ ‬التثبت،‭ ‬يصبح‭ ‬التمييز‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬أمرا‭ ‬هامشيا‭.‬

انقلبت‭ ‬المعادلة؛‭ ‬تُتداول‭ ‬الرسائل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تُعرف‭ ‬الحقائق،‭ ‬وتُصاغ‭ ‬التحليلات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬البيانات،‭ ‬وصرنا‭ ‬نُصادف،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬الهاتف،‭ ‬رأيا‭ ‬أو‭ ‬تحذيرا‭ ‬أو‭ ‬استنتاجا‭ ‬يُقال‭ ‬وكأنه‭ ‬مؤكد‭. ‬ومع‭ ‬الوقت،‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نعرف‭: ‬هل‭ ‬نشعر‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬حقا؟‭ ‬أم‭ ‬بما‭ ‬يُراد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬به؟

هذه‭ ‬الضوضاء‭ ‬المستمرة‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬إنها‭ ‬نتيجة‭ ‬تدفق‭ ‬غير‭ ‬منضبط‭ ‬للكلام،‭ ‬للصور،‭ ‬للمقاطع‭ ‬التي‭ ‬تتناقلها‭ ‬الهواتف‭ ‬وكأنها‭ ‬رسائل‭ ‬رسمية‭. ‬وكلما‭ ‬ارتفع‭ ‬منسوب‭ ‬هذا‭ ‬التداخل،‭ ‬ازدادت‭ ‬حاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يُعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات‭: ‬من‭ ‬نُصغي‭ ‬له؟‭ ‬ماذا‭ ‬نُصدق؟‭ ‬وكيف‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬الهدوء‭ ‬الداخلي‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬التوقعات‭ ‬والتهويلات؟

في‭ ‬البحرين،‭ ‬لله‭ ‬الحمد،‭ ‬لدينا‭ ‬مؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬نثق‭ ‬بها،‭ ‬ونعرف‭ ‬من‭ ‬يمثلها،‭ ‬ونعرف‭ ‬كيف‭ ‬نتلقى‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يلزمنا‭ ‬دون‭ ‬ضجيج‭. ‬فلماذا‭ ‬نمنح‭ ‬الرسائل‭ ‬المجهولة‭ ‬التي‭ ‬تهول‭ ‬الحدث‭ ‬سلطة‭ ‬لا‭ ‬تملكها،‭ ‬ونرفع‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬أصوات‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬خلفها؟‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬وصلت‭ ‬من‭ ‬صديق،‭ ‬لا‭ ‬تُصبح‭ ‬أكثر‭ ‬صدقا،‭ ‬ولا‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭.‬

المقلق‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل،‭ ‬بل‭ ‬استعداد‭ ‬البعض‭ ‬لتداولها‭ ‬بسرعة،‭ ‬دون‭ ‬تفكير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تخلفه‭ ‬من‭ ‬قلق‭ ‬أو‭ ‬ارتباك‭. ‬وكأن‭ ‬المشاركة‭ ‬أصبحت‭ ‬دليل‭ ‬حرص،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬سوى‭ ‬نشر‭ ‬القلق‭ ‬والذعر،‭ ‬وإشغال‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الأولويات‭.‬

شاهدنا‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬رسائل‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭. ‬توقع‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬تهرع‭ ‬الناس‭ ‬للتخزين،‭ ‬وأن‭ ‬تُصبح‭ ‬الأرفف‭ ‬فارغة‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭. ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬تنجر‭ ‬وراء‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬الخادعة،‭ ‬والأسواق‭ ‬بقيت‭ ‬طبيعية،‭ ‬والمصادر‭ ‬الرسمية‭ ‬أوضحت‭ ‬‭ ‬بهدوء‭ ‬أن‭ ‬المخزون‭ ‬متوفر‭ ‬ويكفي‭ ‬لأشهر‭. ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صدفة،‭ ‬بل‭ ‬نتيجة‭ ‬ثقة‭ ‬تشكلت‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬ووعي‭ ‬بدأ‭ ‬يترسخ‭ ‬في‭ ‬الناس،‭ ‬بأن‭ ‬الرسائل‭ ‬الهاتفية‭ ‬لا‭ ‬تُؤخذ‭ ‬على‭ ‬عواهنها،‭ ‬وأن‭ ‬الذعر‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬أبدا‭ ‬حلا‭.‬

من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬ننشغل‭ ‬بهذا‭ ‬السيل‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬والرسائل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭. ‬نُريد‭ ‬أن‭ ‬نتابع،‭ ‬أن‭ ‬نفهم،‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬دراية‭.. ‬لكن‭ ‬أحيانا،‭ ‬نُرهق‭ ‬أنفسنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ندري‭.‬

أقول‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬بسيط‭ ‬أعيشه‭. ‬فأنا‭ ‬مثل‭ ‬كثيرين‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬مجموعات‭ ‬واتساب‭ ‬عائلية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬تضم‭ ‬أصدقاء‭ ‬ومقربين‭. ‬وخلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية،‭ ‬لاحظت‭ ‬كيف‭ ‬تحولت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات،‭ ‬بحسن‭ ‬نية،‭ ‬إلى‭ ‬منصات‭ ‬تحليل‭ ‬ومتابعة‭ ‬وتعليق‭ ‬دائم‭. ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬يُشارك‭ ‬بما‭ ‬وصله‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬يظن‭ ‬أنه‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭. ‬ولأنني‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المشاركات‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الحرص،‭ ‬لم‭ ‬أجادل‭ ‬أحدا،‭ ‬لكنني‭ ‬شعرت‭ ‬أن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُكتب‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬قلقي‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬وضوحي‭. ‬فاخترت‭ ‬أن‭ ‬أبتعد‭ ‬قليلا،‭ ‬وأترك‭ ‬لنفسي‭ ‬مساحة‭ ‬هادئة‭ ‬أستطيع‭ ‬فيها‭ ‬التمييز‭ ‬بهدوء،‭ ‬دون‭ ‬تشويش‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬الإنسان‭ ‬بالقلق‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬توتر‭. ‬فالقلق‭ ‬غريزة‭ ‬إنسانية،‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬آلية‭ ‬الحذر‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬التنبه‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬الفطري‭ ‬إلى‭ ‬الذعر‭ ‬الجماعي،‭ ‬الذي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬نتيجة‭ ‬تضخيم‭ ‬أو‭ ‬تكرار‭ ‬مفرط‭ ‬لصورة‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭. ‬وهكذا‭ ‬يتحول‭ ‬الإعلام‭ ‬المجهول‭ ‬إلى‭ ‬صانع‭ ‬للهواجس،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ناقلا‭ ‬للمعلومة‭. ‬والوعي‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬إنكار‭ ‬القلق،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬حدوده‭ ‬ومنع‭ ‬تضاعفه‭.‬

ليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يشارك‭ ‬حاضرا،‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يُعلق‭ ‬مساهما‭. ‬التأثير‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بكثرة‭ ‬التفاعل،‭ ‬بل‭ ‬بجودته‭. ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬ما‭ ‬نعلمه،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬نتصوره‭. ‬وأن‭ ‬نمتنع‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الامتناع‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬حكمة‭.‬

البيان‭ ‬الرسمي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الأسرع‭ ‬في‭ ‬الظهور،‭ ‬لكنه‭ ‬حين‭ ‬يُنشر،‭ ‬يُبنى‭ ‬على‭ ‬مسؤولية،‭ ‬ويتحمل‭ ‬نتائجه‭ ‬من‭ ‬يصدره‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يميزه‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬رأي‭ ‬متداول‭ ‬أو‭ ‬تحليل‭ ‬غير‭ ‬محسوب‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر،‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬للآراء،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬منافسة‭ ‬لنقل‭ ‬الأخبار‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نُحافظ‭ ‬على‭ ‬طمأنينة‭ ‬الناس،‭ ‬لا‭ ‬بمثالية،‭ ‬بل‭ ‬بحكمة‭. ‬أن‭ ‬نختار‭ ‬ما‭ ‬نُشارك‭ ‬به،‭ ‬وما‭ ‬نتجاوزه،‭ ‬وأن‭ ‬نُبقي‭ ‬الأعين‭ ‬على‭ ‬المصدر‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬العناوين‭ ‬المتطايرة‭. ‬لأن‭ ‬الاستقرار‭ ‬لا‭ ‬تصنعه‭ ‬الرسائل‭ ‬المتداولة،‭ ‬بل‭ ‬يصنعه‭ ‬وعي‭ ‬الناس،‭ ‬حين‭ ‬يُحسنون‭ ‬استقبال‭ ‬المعلومة،‭ ‬وتقدير‭ ‬أثرها،‭ ‬واختيار‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬يُبقيهم‭ ‬متماسكين‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬متقلب‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا