العدد : ١٧٢٥٦ - السبت ٢١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٥٦ - السبت ٢١ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٥ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

الثقافي

نبض: منازل موحشة!

بقلم: علي الستراوي

السبت ٢١ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

شهدت‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬تحولات‭ ‬ملحوظة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جلّها‭ ‬نابعًا‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬الذائقة‭ ‬أو‭ ‬تجديد‭ ‬في‭ ‬الأدوات،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسلوكيات‭ ‬انتهازية‭ ‬أبرزها‭ ‬‮«‬الشللية‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تُقصي‭ ‬المبدعين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬لحساب‭ ‬أسماء‭ ‬برزت‭ ‬بفضل‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬لا‭ ‬بسبب‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬أو‭ ‬الأدبية‭ ‬لما‭ ‬يقدمونه‭. ‬فهل‭ ‬أصبح‭ ‬الأدب‭ ‬رهينة‭ ‬شبكات‭ ‬النفوذ؟‭ ‬وهل‭ ‬أُقصي‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬الموهبة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لحساب‭ ‬دخلاء‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬سوى‭ ‬العنوان،‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬منازل‭ ‬موحشة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للمبدع‭ ‬الحقيقي‭ ‬السكن‭ ‬بداخلها‭ ‬أو‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬مثالبها؟

هذا‭ ‬التحزّب‭ ‬القائم‭ ‬ضمن‭ ‬دوائر‭ ‬ضيقة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تبادل‭ ‬الدعم‭ ‬والترويج‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجموعة‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬العمل‭ ‬الأدبي‭ ‬الرصين،‭ ‬فالتصفيق‭ ‬لبعض‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬سلوكاً‭ ‬ادبياً‭ ‬سليماً،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تجاهل‭ ‬المبدعين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ابسط‭ ‬الأشياء،‭ ‬كصدور‭ ‬كتاب‭ ‬للمبدع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬الى‭ ‬شلة‭ ‬المجموعة‭ (‬مباركته‭) ‬أو‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بجديده‭.‬

ومن‭ ‬المؤلم‭ ‬والمحزن،‭ ‬أن‭ ‬آفة‭ ‬الشللية‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬النوافذ‭ ‬الإبداعية‭ ‬مثل‭ ‬المهرجانات‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬كتكريم‭ ‬المبدعين،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬وجوه‭ ‬دون‭ ‬أخرى‭. ‬

فيحرم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواهب‭ ‬فلا‭ ‬تجد‭ ‬منفذًا‭ ‬للظهور‭ ‬لأنها‭ ‬خارج‭ (‬الدائرة‭) ‬مما‭ ‬يقتل‭ ‬لديهم‭ ‬موهبتهم،‭ ‬فيبتعدون‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬والأدباء‭ ‬وينغلقون‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬مظلم،‭ ‬سببه‭ ‬الشللية‭ ‬المريضة،‭ ‬أو‭ ‬التهميش‭ ‬الممنهج‭ ‬لأصحاب‭ ‬المواقف‭ ‬المستقلة،‭ ‬وممن‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يرضخون‭ ‬للمجاملات‭.‬

قد‭ ‬يقول‭ ‬آخرون‭: ‬ان‭ ‬ظاهرة‭ ‬المحاباة‭ ‬والشلليلة‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬الساعة،‭ ‬اتفق‭ ‬معهم،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬السلم‭ ‬آمناً‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬مقبول،‭ ‬ويجب‭ ‬مسايرته،‭ ‬إذاً‭ ‬لماذا‭ ‬وجد‭ ‬النقد‭ ‬البناء،‭ ‬اليس‭ ‬لتصحيح‭ ‬مثالب‭ ‬كل‭ ‬مائل‭. ‬

ظهرت‭ ‬أسماء‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الفنية،‭ ‬لكنها‭ ‬تتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬بسبب‭ ‬الانتماء‭ ‬للشللية‭ ‬أو‭ ‬النفوذ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإعلامي‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬السائد‭ ‬المعوج،‭ ‬ما‭ ‬الحل‭ ‬لمجابهة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬السلبية؟

أرى‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الأكبر‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تقف‭ ‬سداً‭ ‬منيعاً‭ ‬ولا‭ ‬تكرس‭ ‬وتشجع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفيد‭ ‬الأديب‭ ‬ولا‭ ‬ترفع‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الأدب‭ ‬والثقافة‭.‬

وأن‭ ‬تكون‭ ‬أمينة‭ ‬ولا‭ ‬تغيب‭ ‬المعايير‭ ‬الموضوعية‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يستحق‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بصاحبها‭ ‬واعطائه‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬يستحقها‭.‬

وألا‭ ‬نتسيد‭ ‬اللجان‭ ‬التحكيمية‭ ‬بروح‭ ‬شللية‭ ‬كسيطرة‭ ‬بعض‭ ‬الأسماء‭ ‬على‭ ‬لجان‭ ‬التحكيم‭ ‬والنشر،‭ ‬في‭ ‬اقصاء‭ ‬الآخرين‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭.‬

وألا‭ ‬نجعل‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬والذائقة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والفن‭ ‬صورة‭ ‬نضعف‭ ‬فيها‭ ‬المبدعين،‭ ‬وتحول‭ ‬النشاط‭ ‬الأدبي‭ ‬أو‭ ‬الثقافي‭ ‬إلى‭ ‬نشاط‭ ‬علاقاتي،‭ ‬يفسد‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬ويؤلم‭ ‬المبدعين‭.‬

ولا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬تضليل‭ ‬القارئ‭ ‬وافراغ‭ ‬الساحة‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬النوعية‭ ‬المتميزة،‭ ‬بل‭ ‬علينا‭ ‬الدفع‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نقودها‭ ‬الى‭ ‬الشللية‭.‬

وعطفاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الحديث،‭ ‬أؤكد‭ ‬أن‭ ‬الشللية‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬ليست‭ ‬ظاهرة‭ ‬جديدة،‭ ‬لكنها‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬حضورًا‭ ‬وخطورة‭ ‬بسبب‭ ‬هيمنة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬وسرعة‭ ‬انتشار‭ ‬الأسماء‭ ‬الضعيفة‭ ‬التي‭ ‬تدول‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬دائرة‭ ‬المحاباة‭.‬

إن‭ ‬إنقاذ‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبية‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬‭ ‬كتابًا،‭ ‬ونقادًا،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬معيار‭ ‬الجودة‭ ‬لا‭ ‬العلاقة،‭ ‬وفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الأصوات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬ما‭ ‬يُغني‭ ‬الثقافة‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يُزين‭ ‬الواجهة‭ ‬ويلغي‭ ‬المبدعين‭ ‬ويركنهم‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬النسيان‭.‬

ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة،‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬الكتابة‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬شللية‭ ‬العميان‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬وحش‭ ‬قاس‭ ‬ألغى‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬واغفل‭ ‬دورهم‭ ‬الإبداعي،‭ ‬فكان‭ ‬نصيبهم‭ ‬أن‭ ‬برزوا‭ ‬كمبدعين‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬جغرافية‭ ‬اوطانهم،‭ ‬والسبب‭ ‬احتكار‭ ‬ومغالاة‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬والأدبية‭.‬

فالقليل،‭ ‬القليل‭ ‬ممن‭ ‬يحظى‭ ‬بالاحتضان‭ ‬ويذكر‭ ‬بين‭ ‬المحافل‭ ‬القائمة‭ ‬كمبدع‭ ‬وهو‭ ‬خارج‭ ‬الدائرة‭ ‬المذكورة،‭ ‬فلا‭ ‬تخرجوننا‭ ‬من‭ ‬منازلنا،‭ ‬فدعونا‭ ‬نراه‭ ‬منازل‭ ‬مفرحة‭ ‬لا‭ ‬منازل‭ ‬موحشة‭!‬

 

a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا