وقت مستقطع

علي ميرزا
خفايا الوجوه
قبل أيام، تلقينا اتصالا من رياضي نعرفه حق المعرفة، عرفناه بأدبه الجم وسمته الهادئ، وتعودنا منه على اللياقة والاحترام في كل مناسبة، لم يكن الاتصال عاديا هذه المرة، بل كان محملا بشيء من الحزن والضيق، طلب منا، بكل لباقة، أن يفضفض قليلا، إن كان وقتنا يسمح، وأن نكون له مستمعين، لا أكثر، فكان ردنا: «الوقت كله لك، وقل ما تشاء، فنحن آذان صاغية وقلوب مفتوحة».
ومضت ساعة كاملة ونحن نشاركه أحاديثه، حكايات ومواقف، بعضها مؤلم، وبعضها لا يصدق، كلها دارت في أروقة الوسط الرياضي، إذ يفترض أن تجمعنا المنافسة الشريفة، ويقوينا العمل الجماعي، لكن الواقع كما وصفه كان شيئا آخر.
تحدث عن أشخاص يعملون معه من قرب، يظهرون له التقدير والاحترام في العلن، يقابلونه بابتسامة ودية وكلمات طيبة، لكنهم، كما اكتشف، يتصرفون من خلفه بشكل مختلف تماما؛ طعنات من حيث لا يدري، ومواقف تهز الجبال، كما وصفها.
وكان يتساءل في حيرة: كيف لإنسان أن يظهر لك هذا الكم من المودة في العلن، بينما يتحدث عنك في الخفاء وكأنك عدو ألد؟ كيف تتبدل الوجوه؟ وأين يذهب الوفاء؟ لم يجد تفسيرا لهذا التناقض، سوى أن فيه شيئا من الغدر المبطن.
فكان لزاما علينا أن نخفف عنه، فقلنا له: «هون على نفسك، فالناس الذين نحتك بهم في مجال العمل أو الرياضة أو أي من مجالات الحياة، ما هم إلا بشر، فيهم من الخير ما فيهم، وفيهم من النقص والضعف مثلما فينا، لا أحد فوق الخطأ، ولا أحد منزه عن الأهواء».
ثم أضفنا: «صحيح أن الأعمال بالنيات، لكن السلوك الظاهر يعكس النية الدفينة، فالنية الطيبة تظهر في الصدق والوفاء والوضوح، أما التلون والنفاق والازدواجية فهي مؤشرات على نوايا مشوشة، وربما مشوهة».
لفتنا نظره إلى أن الوسط الرياضي ليس استثناء، ففيه من يقدر العطاء ويكافئ الوفاء، وفيه أيضا من يرى في النجاح تهديدا فيعمل على تقويضه، من يتعامل بوجه ويخفي آخر، ومن ينطلق من مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان». هناك من «يكوش» على كل شيء، وكأن الرياضة لم تخلق إلا له، فيمارس الإقصاء والتهميش ويزرع الشكوك والفتن.
وتحدثنا عن «ميكافيلي» ونظريته الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة»، تلك المقولة التي تحولت عند البعض إلى فلسفة حياة، حتى في الرياضة، فتجدهم يلبسون قناع الطيبة للوصول إلى ما يريدون، ثم يسقط القناع عند أول فرصة.
في النهاية، لم يكن بوسع صاحبنا إلا أن يشكرنا على الوقت الذي خصصناه له، وعلى مساحة البوح التي وجد فيها بعض الراحة. ربما لم نعطه حلا، لكننا أعطيناه فهما، وقد يكون هذا كل ما يحتاج إليه الإنسان في لحظات الانكسار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك