العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

خفايا الوجوه

قبل‭ ‬أيام،‭ ‬تلقينا‭ ‬اتصالا‭ ‬من‭ ‬رياضي‭ ‬نعرفه‭ ‬حق‭ ‬المعرفة،‭ ‬عرفناه‭ ‬بأدبه‭ ‬الجم‭ ‬وسمته‭ ‬الهادئ،‭ ‬وتعودنا‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬اللياقة‭ ‬والاحترام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الاتصال‭ ‬عاديا‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬محملا‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والضيق،‭ ‬طلب‭ ‬منا،‭ ‬بكل‭ ‬لباقة،‭ ‬أن‭ ‬يفضفض‭ ‬قليلا،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬وقتنا‭ ‬يسمح،‭ ‬وأن‭ ‬نكون‭ ‬له‭ ‬مستمعين،‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬فكان‭ ‬ردنا‭: ‬‮«‬الوقت‭ ‬كله‭ ‬لك،‭ ‬وقل‭ ‬ما‭ ‬تشاء،‭ ‬فنحن‭ ‬آذان‭ ‬صاغية‭ ‬وقلوب‭ ‬مفتوحة‮»‬‭.‬

ومضت‭ ‬ساعة‭ ‬كاملة‭ ‬ونحن‭ ‬نشاركه‭ ‬أحاديثه،‭ ‬حكايات‭ ‬ومواقف،‭ ‬بعضها‭ ‬مؤلم،‭ ‬وبعضها‭ ‬لا‭ ‬يصدق،‭ ‬كلها‭ ‬دارت‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬الوسط‭ ‬الرياضي،‭ ‬إذ‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تجمعنا‭ ‬المنافسة‭ ‬الشريفة،‭ ‬ويقوينا‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬كان‭ ‬شيئا‭ ‬آخر‭.‬

تحدث‭ ‬عن‭ ‬أشخاص‭ ‬يعملون‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬قرب،‭ ‬يظهرون‭ ‬له‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬يقابلونه‭ ‬بابتسامة‭ ‬ودية‭ ‬وكلمات‭ ‬طيبة،‭ ‬لكنهم،‭ ‬كما‭ ‬اكتشف،‭ ‬يتصرفون‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬تماما؛‭ ‬طعنات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يدري،‭ ‬ومواقف‭ ‬تهز‭ ‬الجبال،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭.‬

وكان‭ ‬يتساءل‭ ‬في‭ ‬حيرة‭: ‬كيف‭ ‬لإنسان‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬المودة‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬بينما‭ ‬يتحدث‭ ‬عنك‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬وكأنك‭ ‬عدو‭ ‬ألد؟‭ ‬كيف‭ ‬تتبدل‭ ‬الوجوه؟‭ ‬وأين‭ ‬يذهب‭ ‬الوفاء؟‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬تفسيرا‭ ‬لهذا‭ ‬التناقض،‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬فيه‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الغدر‭ ‬المبطن‭.‬

فكان‭ ‬لزاما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نخفف‭ ‬عنه،‭ ‬فقلنا‭ ‬له‭: ‬‮«‬هون‭ ‬على‭ ‬نفسك،‭ ‬فالناس‭ ‬الذين‭ ‬نحتك‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬الرياضة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬إلا‭ ‬بشر،‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬ما‭ ‬فيهم،‭ ‬وفيهم‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬والضعف‭ ‬مثلما‭ ‬فينا،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬فوق‭ ‬الخطأ،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬منزه‭ ‬عن‭ ‬الأهواء‮»‬‭.‬

ثم‭ ‬أضفنا‭: ‬‮«‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬بالنيات،‭ ‬لكن‭ ‬السلوك‭ ‬الظاهر‭ ‬يعكس‭ ‬النية‭ ‬الدفينة،‭ ‬فالنية‭ ‬الطيبة‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الصدق‭ ‬والوفاء‭ ‬والوضوح،‭ ‬أما‭ ‬التلون‭ ‬والنفاق‭ ‬والازدواجية‭ ‬فهي‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬نوايا‭ ‬مشوشة،‭ ‬وربما‭ ‬مشوهة‮»‬‭.‬

لفتنا‭ ‬نظره‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الوسط‭ ‬الرياضي‭ ‬ليس‭ ‬استثناء،‭ ‬ففيه‭ ‬من‭ ‬يقدر‭ ‬العطاء‭ ‬ويكافئ‭ ‬الوفاء،‭ ‬وفيه‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬النجاح‭ ‬تهديدا‭ ‬فيعمل‭ ‬على‭ ‬تقويضه،‭ ‬من‭ ‬يتعامل‭ ‬بوجه‭ ‬ويخفي‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬ومن‭ ‬بعدي‭ ‬الطوفان‮»‬‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬‮«‬يكوش‮»‬‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وكأن‭ ‬الرياضة‭ ‬لم‭ ‬تخلق‭ ‬إلا‭ ‬له،‭ ‬فيمارس‭ ‬الإقصاء‭ ‬والتهميش‭ ‬ويزرع‭ ‬الشكوك‭ ‬والفتن‭.‬

وتحدثنا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬ميكافيلي‮»‬‭ ‬ونظريته‭ ‬الشهيرة‭ ‬‮«‬الغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‮»‬،‭ ‬تلك‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬فلسفة‭ ‬حياة،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الرياضة،‭ ‬فتجدهم‭ ‬يلبسون‭ ‬قناع‭ ‬الطيبة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يريدون،‭ ‬ثم‭ ‬يسقط‭ ‬القناع‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬فرصة‭.‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بوسع‭ ‬صاحبنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يشكرنا‭ ‬على‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬خصصناه‭ ‬له،‭ ‬وعلى‭ ‬مساحة‭ ‬البوح‭ ‬التي‭ ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬الراحة‭. ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬نعطه‭ ‬حلا،‭ ‬لكننا‭ ‬أعطيناه‭ ‬فهما،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬الانكسار‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا