وقت مستقطع

علي ميرزا
الفهم لا يختصر في عنوان
خلال تجربتنا مع الكتابة الرياضية، لاحظنا سلوكا شائعا بين شريحة تزيد أو تنقص من القراء والمتابعين، تقتصر على قراءة العناوين دون التعمق في محتوى المقالات، ويترتب على قراءة العنوان وحده تكوين تصور كامل عن الموضوع، بل أن أصحابه يذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يطلقون أحكاما واستنتاجات في نقاشاتهم وسجالاتهم لا علاقة لها بما هو موجود في بطن النص، والأسوأ من كل ذلك أن يظهر لك من ينتقد المقالة أو الهجوم على كاتبها، اعتمادا فقط على ما فهمه أو توهمه من العنوان، دون أن يكلف نفسه قراءة السطور أو حتى الفقرات الأولى.
فالكاتب الرياضي المهني مثله مثل صانع أي محتوى، يضع خلاصة فكره وتجربته في كل سطر، فهو لا يكتب ليملأ فراغا، بل يسعى لتقديم وجهة نظر، تنطوي على تحليل مدروس، أو نقد هادف، مستندا في ذلك إلى معطيات ومتابعة دقيقة.
ولكن عندما يختزل كل هذا الجهد في عنوان، وتصادر الفكرة دون قراءتها، فإن ذلك يعد ظلما مزدوجا: ظلم للمضمون، وظلم للقارئ نفسه، الذي حرم نفسه من الفهم الحقيقي بدلا من الفهم السطحي.
تعلمنا من أستاذتنا الذين زاملناهم، أو الذين قرأنا لهم، أنهم يتخيرون عناوينهم بذكاء، بحيث تقول شيئا وتسكت عن أشياء، ويجعلونها مدخلا مشوقا أو مثيرا لجذب القارئ، ورغم ذلك، نجد من يتخذ موقفا حاسما من المقال – مؤيدا أو رافضا – دون أن يمس منه سطرا واحدا.
قد يقول قائل بأن قارئ اليوم كسول يميل للفهم السهل والمعلب، وليس لديه مزاج للقراءات المطولة والفهم المعمق، ولكن الخطورة في هذه الظاهرة لا تتوقف عند حد التسرع في الفهم، بل تتجاوزها إلى نشر انطباعات مغلوطة من شأنها تخلق بيئة مشوشة تخلو من العمق والاحترام، وتضر بالحوار الرياضي الجاد.
من هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة الاعتبار لثقافة القراءة الواعية، التي تعطي ما يكتب حقه في التمعن والفهم، فمسؤولية المتابع لا تقل عن مسؤولية الكاتب، فالرأي لا يبنى على العنوان فقط، والحقيقة لا تختصر في جملة من كلمتين، بل تكمن في التفاصيل، وفي قراءة ما بين السطور، والمسكوت عنه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك