العدد : ١٧٢٤٤ - الاثنين ٠٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٤ - الاثنين ٠٩ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

الفهم لا يختصر في عنوان

خلال‭ ‬تجربتنا‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬الرياضية،‭ ‬لاحظنا‭ ‬سلوكا‭ ‬شائعا‭ ‬بين‭ ‬شريحة‭ ‬تزيد‭ ‬أو‭ ‬تنقص‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬والمتابعين،‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬العناوين‭ ‬دون‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬محتوى‭ ‬المقالات،‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬العنوان‭ ‬وحده‭ ‬تكوين‭ ‬تصور‭ ‬كامل‭ ‬عن‭ ‬الموضوع،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬أصحابه‭ ‬يذهبون‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬يطلقون‭ ‬أحكاما‭ ‬واستنتاجات‭ ‬في‭ ‬نقاشاتهم‭ ‬وسجالاتهم‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬النص،‭ ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬ينتقد‭ ‬المقالة‭ ‬أو‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬كاتبها،‭ ‬اعتمادا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فهمه‭ ‬أو‭ ‬توهمه‭ ‬من‭ ‬العنوان،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬قراءة‭ ‬السطور‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفقرات‭ ‬الأولى‭.‬

فالكاتب‭ ‬الرياضي‭ ‬المهني‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬صانع‭ ‬أي‭ ‬محتوى،‭ ‬يضع‭ ‬خلاصة‭ ‬فكره‭ ‬وتجربته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سطر،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يكتب‭ ‬ليملأ‭ ‬فراغا،‭ ‬بل‭ ‬يسعى‭ ‬لتقديم‭ ‬وجهة‭ ‬نظر،‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬مدروس،‭ ‬أو‭ ‬نقد‭ ‬هادف،‭ ‬مستندا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬ومتابعة‭ ‬دقيقة‭.‬

ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يختزل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬في‭ ‬عنوان،‭ ‬وتصادر‭ ‬الفكرة‭ ‬دون‭ ‬قراءتها،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعد‭ ‬ظلما‭ ‬مزدوجا‭: ‬ظلم‭ ‬للمضمون،‭ ‬وظلم‭ ‬للقارئ‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬حرم‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬السطحي‭.‬

تعلمنا‭ ‬من‭ ‬أستاذتنا‭ ‬الذين‭ ‬زاملناهم،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬قرأنا‭ ‬لهم،‭ ‬أنهم‭ ‬يتخيرون‭ ‬عناوينهم‭ ‬بذكاء،‭ ‬بحيث‭ ‬تقول‭ ‬شيئا‭ ‬وتسكت‭ ‬عن‭ ‬أشياء،‭ ‬ويجعلونها‭ ‬مدخلا‭ ‬مشوقا‭ ‬أو‭ ‬مثيرا‭ ‬لجذب‭ ‬القارئ،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يتخذ‭ ‬موقفا‭ ‬حاسما‭ ‬من‭ ‬المقال‭ ‬‭ ‬مؤيدا‭ ‬أو‭ ‬رافضا‭ ‬‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمس‭ ‬منه‭ ‬سطرا‭ ‬واحدا‭.‬

قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬بأن‭ ‬قارئ‭ ‬اليوم‭ ‬كسول‭ ‬يميل‭ ‬للفهم‭ ‬السهل‭ ‬والمعلب،‭ ‬وليس‭ ‬لديه‭ ‬مزاج‭ ‬للقراءات‭ ‬المطولة‭ ‬والفهم‭ ‬المعمق،‭ ‬ولكن‭ ‬الخطورة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬التسرع‭ ‬في‭ ‬الفهم،‭ ‬بل‭ ‬تتجاوزها‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬انطباعات‭ ‬مغلوطة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تخلق‭ ‬بيئة‭ ‬مشوشة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬والاحترام،‭ ‬وتضر‭ ‬بالحوار‭ ‬الرياضي‭ ‬الجاد‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لثقافة‭ ‬القراءة‭ ‬الواعية،‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬التمعن‭ ‬والفهم،‭ ‬فمسؤولية‭ ‬المتابع‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬مسؤولية‭ ‬الكاتب،‭ ‬فالرأي‭ ‬لا‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬العنوان‭ ‬فقط،‭ ‬والحقيقة‭ ‬لا‭ ‬تختصر‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬كلمتين،‭ ‬بل‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬التفاصيل،‭ ‬وفي‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السطور،‭ ‬والمسكوت‭ ‬عنه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا