بلون مختلف وعرس تشكيلي إبداعي أبرز إبداعات كلا من فناني وفنانات البلدين وجوه حبّرت
رسائلها عبر لوحات مختلفة عكست ما للفن التشكيلي من رؤى تثير الجمال والحس الإنساني!
لا تختلف الصورة عن واقعها ولا تغادر الريشة موطن حنينها من دون أن تفيض على من حضر وشاهد هذا العرس الفني
مدخل أول للوحة
ثلة من الفنانين والفنانات بين البحرين والمملكة العربية السعودية تجاوز عددهم 29 مشاركاً، حيث عدد المشاركات من المملكة العربية 8 فنانات اجتمعن في صالة «جاليري أبعاد» وذلك في الخامس والعشرين من مايو الماضي 2025م يتقدمهن عضو مجلس الشورى في مملكة البحرين رضا عبدالله فرج، ليعرضن سنوات إبداعاتهم التشكيلية ضمن عرس أخوي حمل عبره عرض العديد من اللوحات المتنوعة ذات الرسائل الحسية والجمالية والفنية الإبداعية لذي كل فنان وفنانة.
شكل هذا العرس أول مدخل لكل التجارب المشاركة بين البلدين الشقيقين، فالرؤية من قيام هذا العرس التشكيلي هو التقارب والتعارف بين كل من فناني وفنانات البلدين.
عرس كان للوحة الفنية فيه حديث منطق العارف الجالس على واقع اللون وفيض مداخله وأبعاده المعاصرة.
فالتجارب لدى كل فنان وفنانة لا شك أنها ضمن إبداع متواصل أعطى ثماره ضمن تشكيل تربوي أخلاقي وفني معاصر، استقرأ كل رسائل الدنيا ليضعها ضمن إطار لوحة عكست ما يتلقط ويجول بداخل كل فنان وفنانة.
فالحبر لا يعني لوناً بقدر ما يعني فيضا إنسانيا يبحث بين اللون وريشة الفنان عن رؤية تصب في نهر معادلة الحياة وانطباعاتها على واقع هذا الفن.
فالسؤال الجوهري من هذا التجمع لا يعني الإظهار والإبراز بقدر ما يعني المشاركة ضمن إطار إعطاء التجربة احقيتها في البروز ضمن (الثابت والمتحول) في فلسفة الفن التشكيلي وإظهار انشغالات الريشة الإبداعية وانعكاساتها لدى كل فنان وفنانة.
مدخل ثانٍ يشكل فلسفته من اللوحة
تنوعت أعمال المعرض بين رسومات التراث والبورتريه والتشكيل الفني المعاصر في مشغلات اللوحة ضمن مدارس مختلفة بينها الواقعية والكلاسيكية والرومانسية والتأثيرية، والانطباعية، والسريالية، والتعبيرية.
في ظل هذا التنوع برزت أعمال فنانون والفنانات البحرينيين، في المقابل أيضا جاءت أعمال الفنانون والفنانات السعوديات مقتربة التعاطي في فضاء اقترب من ريشة كل من مبدعي البحرين ومبدعي السعودية، لكون واقع الطرح جغرافيا وحضاريا مشتركا، بين العادات والتقاليد المشتركة بين كل من البلدين الخليجيين.
وبين تلاقح الأفكار، برزت تلك العناصر الجمالية والرؤى الفلسفية التي تركت في فضاء اللوحة عصارة تجليات الفن الراقي بضفاف الدهشة التي أبدع من خلالها فنانو وفنانات كل من البلدين.
يتجلّى معرض «جاليري أبعاد» في البحرين كأنه احتفاءٌ نادرٌ بالأرواح التي تُمسك باللون كما يُمسك الشاعر بالقصيدة، وكأن الريشة لا ترسم فحسب، بل تُصغي، تُجادل، وتبوح وتلون الفضاء وتحفز الذاكرة بأن الحياة من دون فن لا تعطى سمتها في تبادل النبض بين سرين أولهما الفنان المبدع والتقائه بالتغيرات الحياتية وتعاطيه بأمانة من دون ريب.
هنا، حيث تتعانق البحرين بالسعودية لا بخيوط الجغرافيا فحسب، بل بخيوط الضوء والظل، وبسُبحات الزيت والاكريليك، تتجسد وحدة الذوق الخليجي في قالبٍ تشكيليّ باذخ.
لوحات تتماوج فيها الألوان كما تتماوج النَفْس حين ترى ذاتها في مرآةٍ أخرى بينها سر دفين له تاريخ حضارات برزت عبر معطيات المبدعين ذكور كانوا أو إناثا.
الجميل في هذا المعرض المشترك أنّ الأعمال، وإن تعددت مدارسها، من التجريدي الحالم، إلى الواقعي الحاد، مروراً بالتعبيري المشاكس والسريالي المتأمل فإنها تتحدث بلغة واحدة، مفرداتها الانتماء، وموسيقاها الحنين، وثيمتها الكبرى: «نحن نرسم من خليجٍ واحد، وبقلوبٍ لها نبضان مشتركان في الجسد العربي». إنّ التقارب بين الفنانين البحرينيين والسعوديين هنا ليس مجرّد تناغم بصري، بل هو حوارٌ صامتٌ عميق، تتبادل فيه اللوحة البحرينية والسعودية أسرارها من خلف الزجاج، وتتنفسان معًا في فضاءٍ تشكيلي واحد، دون أن تفقد كل لوحة خصوصيتها، أو تتنازل عن هويتها الفنية.
ففي معرض أبعاد، لا تبدو الفوارق المدرسية حاجزًا، بل جسورًا، تحمل كل فنان إلى ضفته الآخر، فيتمازج الخط الخليجي بالفكرة المتحررة، وتلتقي البصمة الخليجية المعاصرة برؤى فنية متمردة، والنتيجة: مشهدٌ بصريّ واحدٌ، متعددُ الوجوه، لكنه بنبضٍ واحد مشترك لا ينفصل عن الروح.
كل الشواهد متصلة ببعضها، ضمن تفاني قاده في يوم ما قبل تأسيس وإظهار «جاليري ابعاد» الذي كان في يوم ما حلماً لدى الفنان والخطاط المخضرم عبد الشهيد خمدا، فمنذ اول الفكرة التي جاءت بإشهار الجاليري في عام 2014 والذي قطع شوطاً عد في سنواته احد عشر عاماً، تنوعت في فنائه المشاركات واحتضن في رحابه المواهب بين الخط والتشكيل عبر دورات تأسيسية شارك في أدائها فنانون كبار، شهدت له سنواته هذا التعاطي الملخص للفن والمنتمين له.
معرض «جاليري أبعاد» ليس مجرد صالة عرض، بل هو نَصّ مفتوح بالألوان، قصيدة معلّقة على جدران الخليج، كتبها فنان بحريني وسعودي، بالحبر نفسه، وإن اختلفت طريقة الإمساك بالريشة أو القلم.
ويبقى ذلك الوهج الفلسفي، سرٌّ لا يختفي ولا تغيب معالمه، كونه اشتعال الفكر والصراع الحضاري في مدائن الروح لكل فنان وفنانة هاجسهم الإبداع وابتاع الآخرين والالتقاء بهم ضمن جدل أدبي فكري معاصر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك