ذكرت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني في تقرير لها قبل أيام أنه من المحتمل أن تواجه أسعار سوق العقارات في دبي انخفاضا يتجاوز 10% في النصف الثاني من العام وفي عام 2026. وأشار التقرير الى أن هذا الانخفاض المحتمل يأتي في أعقاب ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بحوالي 60% بين عام 2022 والربع الأول من هذا العام.
والسؤال هنا: هل يرى الخبراء العقاريون أن دبي تعيش مرحلة الفقاعة العقارية؟ أم انها مهددة بانفجار الفقاعة؟ والسؤال الذي لا يقل أهمية: هل هناك فرق بين الفقاعة العقارية وانفجار الفقاعة؟
إجمالا، تعرف الفقاعة العقارية بأنها طفرة في أسعار العقارات نتيجة الطلب والمضاربة والزيادة الكبيرة في الأسعار. وبالتالي تبدأ الفقاعات العقارية غالبا من خلال الزيادة في الطلب في مواجهة العرض، وتزداد حدتها مع دخول المضاربين في السوق، فيحدث الارتفاع الكبير في الأسعار. بمعنى أن الفقاعة العقارية تحدث بعد طفرة في كبيرة وسريعة في أسعار العقارات حتى تصل إلى مستويات تفوق سعرها الطبيعي، بل قد تصل الى مستويات تفوق القدرة الشرائية لأغلب الأفراد، وهنا يحدث انخفاض في الطلب قد يصل الى الركود، فيزيد العرض، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض حاد في الأسعار وهو ما يعرف بانفجار الفقاعة.
الفقاعة.. وانفجارها
عودة إلى تساؤلاتنا السابقة حول وضع سوق العقار في دبي، والفرق بين الفقاعة العقارية وانفجار هذه الفقاعة.
الخبير العقاري أشرف علام يتناول ذلك مبينا أن هناك فرقا كبيرا بين الفقاعة العقارية وانفجار الفقاعة، والكثير من الأفراد يلتبس عليهم الأمر.
ويضيف علام: لنتخيل الفقاعة على شكل بالونة، تستطيع أن تنفخها بالحجم الذي تريده أنت، ويزداد حجمها الى ان يصل الى مستوى لا تستطيع هذه البالونة استحمال حجم الهواء الذي في داخلها، وهنا تنفجر.
بالمقابل يمكنك أن تنفخ البالونة إلى حجم كبير، ولكن بمجرد شعورك بأنها على وشك الانفجار، تبدأ بتفريغها تدريجيا. وبالتالي ليس بالضرورة ان تنفجر كل بالونة عندما يزداد حجمها. وذات الأمر ينسحب على الفقاعة العقارية، فليس بالضرورة ان تنفجر. أي إذا لم يتم التحكم في وضع سوق العقارات، هنا يمكن ان تنفجر الفقاعة العقارية. ولكن لو تم اتخاذ إجراءات احترازية قبل انفجارها، هنا يحدث ما يسمى في القطاع العقاري بالتصحيح، حيث يبدأ السوق بتصحيح نفسه وتنخفض الأسعار تدريجيا، في حين ان الانفجار يكون مفاجئ وحاد.
من هنا عندما نقول ان هناك فقاعة عقارية في السوق فهذا يعني وجود تضخم متزايد في الأسعار. ولكن عندما نقول ان الفقاعة العقارية انفجرت، او ستنفجر، فإن هذا يعني أن الأسعار انهارت أو ستنهار.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن انفجار فقاعة في سوق عقاري أو توقع انفجارها لا يعني بالضرورة أن الأسعار ستعود إلى ما كانت عليه في السابق قبل بداية انتفاخ الفقاعة. فهذا ما لم يحدث أبدا في أسوأ الأحوال عند انفجار فقاعات عقارية بدول عربية أوروبية. فمثلا خلال العقدين السابقين، كانت أكبر نسبة خسرها السوق هي في دبي عام 2008 بعد ازمة الرهن العقاري في أمريكا. حيث خسر السوق العقاري الأمريكي 30%، فيما وصلت النسبة الى 60% في دبي. وهذا ما يؤكد ان الأسعار لن تعود الى أصلها.
ونتيجة لذلك يمكن القول بأنه اذا كانت نسبة الانخفاض بين 30% و50%، فإنه يعتبر انفجارا للفقاعة العقارية، واذا كان اقل من ذلك فإنه يعتبر تصحيحا للأسعار. وهو ما يحدث كثيرا في أسواق العالم. علما بأن انفجار الفقاعة وانخفاض الأسعار لا يعني بالضرورة وجود فائض في العرض، فهناك الكثير من المستثمرين والافراد يتعاملون مع الامر كالبورصة، حيث ينتظرون الفرص الأفضل ويتربصون للأسعار قبل أن يبدأوا بالشراء. وتبدأ الدورة مرة أخرى حيث يحدث الارتفاع التدريجي مرة أخرى.
في دبي
مما سبق، يبرز السؤال: هل توجد فقاعة عقارية في سوق دبي؟ وإذا كانت موجودة، لماذا لا تنفجر؟
يجيب الخبير العقاري أشرف علام على ذلك بقوله: توجد فقاعة عقارية فعلا في دبي، والأسعار سواء البيع أو الإيجار تتمدد وتزدادا بشكل مطرد لاسيما مع انتقال اعداد كبيرة من الافراد الى دبي سنويا، ولكن.. لماذا لا تنفجر هذه الفقاعة؟
في الواقع هناك عدة أساب، أولها أن الأسعار الحالية لم تصل الى مستوى الفترة ما قبل انفجار الفقاعة قبل عام 2008 او الفترة قبل التصحيح عام 2017. بمعنى ان الأسعار كانت أكثر من الوقت الحالي بكثير وبنسب تصل الى 40% في سوق إعادة البيع قبل عام 2008، وبحوالي 15% عام 2017.
ولكن حتى لو وصلت الأسعار الى تلك النسب، فليس من الضروري ان تنفجر الفقاعة لأن تعداد الواصلين والمقيمين في دبي يرتفع بمعدل كان حوالي 100 ألف بعد كورونا، ووصل الى حوالي 200 ألف في الفترة الاخيرة، وبالتالي الطلب يتزايد.
وفي الوقت الحالي هناك حوالي أربعة ملايين مقيم في دبي، وعدد الوحدات المؤجرة حوالي 550 ألف وحدة. ما يعني 15% من عدد المقيمين. ويتم في كل سنة تسليم ما يقارب 30 ألف وحدة. وهو ما يمثل 15% من عدد المقيمين الجدد في دبي كل عام. وبالتالي فإن هذه الأرقام ليست مبالغا فيها. علما بأنه ليس كل الوحدات التي تسلم سنويا تكون للإيجار، فعدد كبير منها تكون للإيجار الطويل او قصير المدى، وبعضها لإعادة البيع وغيرها للسكن المباشر وبعضها للاستثمار، وأخرى تكون كمنزل ثانٍ للبعض.
أضف إلى ما سبق، أن من المؤشرات التي تدل على فقاعة قادمة في السوق، هو ان تكون الأسعار خارج نطاق المرتبات والمدخول. وبالتالي لا بد من حدوث تصحيح او فقاعة. ولكن دبي حتى الان لا تزال الأسعار متناسبة مع الدخول مهما ارتفعت، حيث ان متوسط الدخل في دبي 15 ألف درهم في الشهر. في حين ان كلفة الاستوديو ومصاريف الكهرباء تبدا من 40 ألف درهم في العام (حوالي 3300 درهم في الشهر). والمعدل العالمي بين المرتب والايجار هو الثلث، أي ان خمسة آلاف درهم بالنسبة لدبي، وهذا ما يعني ان دبي حتى الان اقل من المعدل.
من جانب آخر، هناك العديد من البدائل في السوق العقاري. ففي السابق كانت المشاريع والخيارات خاصة مشاريع الفيلات والتاون هاوس، كانت الأسعار عالية. ولكن في الوقت الحاضر هناك بدائل كبيرة، وهذا ما يساعد على ان يكون السوق أكثر تماسكا. كما أن المرتبات ارتفعت بنسب كبيرة.
من هنا يمكن القول بأن حدوث تصحيح أمر وارد، ولكن الفقاعة امر مستحيل لأن الأسباب التي كانت عام 2008 وتسببت في الفقاعة لم تعد موجودة، لأسباب أبرزها أن الحكومة لم تكن لديها اليد العليا على السوق، ولم يكن هناك أي تحكم في السوق ولا في الإيجارات او الأسعار أو القوانين او العقود او المنازعات وغيرها.
كما لم يكن هناك حساب ضمان، ما يعني لم تكن هناك حماية كافية في السوق. يضاف الى ذلك موضوع المضاربة الذي لعب دورا رئيسيا في انهيار السوق العقاري. وكل ذلك لم يعد موجودا في هذه الفترة. فمثلا تمنع القوانين الحالية بيع العقار قبل استكمال دفع 40% من قيمته. وهذه التطورات تسهم بشكل فعال في خلق نوع من المقاومة في سوق دبي العقاري ضد أي انفجار للفقاعة. وأي انخفاض يحدث هو تصحيح وليس انفجارا. ما يعني أن قرار الشراء سيبقى خيارا صائبا. وفي النهاية يبقى القرار بيد المستثمر أو الراغب في شراء العقار. وأفضل وقت للشراء هو الوقت الذي تمتلك فيه المال الكافي، وتمتلك فيه القرار للشراء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك