القراء الأعزاء،
استكمالاً لمقال الأسبوع الماضي وباعتبار أن موضوع ذوي الإعاقة هو موضوع مهم وذو شجون، فسأتبع هذا المقال بسابقه لأنه ما زال هناك الكثير مما لم يُقل.
وهنا سأبدأ بالحديث عن أهمية الفن بكل روافده ودوره كوسيلة اتصال وتعبير مهمة وفاعلة، إذ للفن فوائد على الصعيد الفردي والجمعي، فهو كفيل بأن ينمّي ثقافة ووعي الأفراد كما يُسهم في معالجة قضايا المجتمع.
ولا شك أنكم أيها الأعزاء ما زلتم تذكرون أثر الفن على أجيال خمسينيات وستينيات القرن الماضي ومن بعدهم أولئك الذين يعلمون الدور الكبير الذي لعبه الفن في تقريب الشعوب وتعزيز القومية الوطنية ونشر الأفكار والمبادئ، فالفن هو لغة الشعوب المشتركة التي تخاطب وجدانهم وتُقارب بينهم على جميع الأصعدة.
ولقد كان شعار المهرجان الدولي للأشخاص في وضعية الإعاقة الذي تنظمه جمعية التعاون الثقافي لمساندة الأشخاص المعاقين في مدينة الرباط للعام السادس عشر على التوالي، هو (الفن المشترك بوابة الإبداع)، حيث طرق المهرجان بابا مهما وقادراً على تقريب المسافات والأفكار.
وحيث إن مساندة ذوي الإعاقة بكل السبل والوسائل تعتبر هي الهدف الأساسي للجمعية، لذا يكون هذا المهرجان السنوي وكأنه مرحلة تقييمية لأنشطة الجمعية ومُخرجاتها أمام الحضور والإعلام، بجانب تمكين المبدعين من الأشخاص المعاقين لعرض إبداعاتهم أمام الجمهور تعزيزا لثقتهم بأنفسهم وتدريبهم على مواجهة الجمهور.
وقد كان مهرجان هذا العام مخصصا للفنون المختلفة وأثرها في خلق المعاق المبدع، لذا شهدنا مختلف أنواع الفنون كالرسم والخياطة والرقص والتمثيل والغناء والشعر تُقدّم من أشخاص لهم وضعية الإعاقة، حيث أسهم الفن في إخراج كل معاق منهم على اختلاف طبيعة إعاقته، حيث أسهم الفن في دمج ذي الإعاقة في المجتمع فأخرجه من حالته الفرد إلى الحالة الجمعية ليصبح فاعلاً في المجتمع ويندمج بأريحية معه. فكان هناك منهم يقف على المسرح وقفة الواثق ليُلقي قصائده أمام الجمهور رغم كونه ضريرا أو على كرسي متحرك، ومنهم من يرقص بتلقائية تقودها فطرته السليمة مقاسما لحظات الفرح والسعادة مع الآخرين دون الالتفات إلى ما نراه نحن إعاقة فيه، الأمر الذي يعزز مقولة الفنان العماني عمران الرحبي من أن صاحب الإعاقة لا يجد في نفسه نقصا وأن الخلل ليس فيه بل في نظرة المجتمع التي تحتاج إلى المزيد من الوعي بشكل مضطرد إلى أن تصل إلى اكتمال ثقافة احترام وضع الأشخاص ذوي الإعاقة وتجاوز إعاقته.
ومازالت ماثلة أمام عيني تلك المسرحية الجميلة التي قام بتمثيلها مجموعة من الممثلين المصابين بمتلازمة داون وأصحاب الإعاقات الحركية الشديدة، حيث كان عملا عظيما نتاج جهد جبّار جداً لتمكين الممثلين من أداء العمل بكل أريحية رغم الصعوبات الذهنية والحركية للممثلين، ولا سيما أن شخوص المسرحية قد تنوعت أدوارهم لرسم مشهد كامل يوصل رسالة المسرحية وعلى سبيل المثال منهم من لعب دور النخلة في رسالة للحفاظ على البيئة، فكانت بحق مبعثا على الفرح والفخر وتستحق كما يستحق جميع العاملين عليها الإشادة والتقدير.
كما لم يكن هناك مشهد أجمل من مشاهدة (غزلان) تغني وتصدح بأغنيات الزمن الجميل وهي الشابة الكفيفة التي بجانب الغناء خاضت تجربة تمثيل دور العروس المغربية في احتفالية الزواج المغربي حيث قامت بالدور بكل شجاعة وجمال وثقة فتعرفنا معها على طقوس الزواج المغربي.
وانتهى إلى ضرورة الالتفات إلى إدماج أصحاب الإعاقة في المجال الفني وتمكينهم من الانطلاق في عوالم الإبداع ولا سيما أن إبداعهم هو إبداع استثنائي ومدهش، فكما أسلفنا بأن الإعاقة لم توجد لتجعل الإنسان غير قادر بل لتُبرز نقاط جمال وتميّز للمصاب بها بحيث لا يمتلك ناصية التميز سواه ولا سيما في مجال الفنون المختلفة.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك