العدد : ١٧٢٢٩ - الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٩ - الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

مقالات

الفن المشترك بوابة الإبداع

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٥ مايو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،‭ ‬

استكمالاً‭ ‬لمقال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬وباعتبار‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬مهم‭ ‬وذو‭ ‬شجون،‭ ‬فسأتبع‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬بسابقه‭ ‬لأنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬لم‭ ‬يُقل‭.‬

وهنا‭ ‬سأبدأ‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الفن‭ ‬بكل‭ ‬روافده‭ ‬ودوره‭ ‬كوسيلة‭ ‬اتصال‭ ‬وتعبير‭ ‬مهمة‭ ‬وفاعلة،‭ ‬إذ‭ ‬للفن‭ ‬فوائد‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الفردي‭ ‬والجمعي،‭ ‬فهو‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬ينمّي‭ ‬ثقافة‭ ‬ووعي‭ ‬الأفراد‭ ‬كما‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أنكم‭ ‬أيها‭ ‬الأعزاء‭ ‬ما‭ ‬زلتم‭ ‬تذكرون‭ ‬أثر‭ ‬الفن‭ ‬على‮ ‬أجيال‭ ‬خمسينيات‭ ‬وستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ومن‭ ‬بعدهم‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعلمون‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬تقريب‭ ‬الشعوب‭ ‬وتعزيز‭ ‬القومية‭ ‬الوطنية‭ ‬ونشر‭ ‬الأفكار‭ ‬والمبادئ،‭ ‬فالفن‭ ‬هو‭ ‬لغة‭ ‬الشعوب‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تخاطب‭ ‬وجدانهم‭ ‬وتُقارب‭ ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭.‬

 

ولقد‭ ‬كان‭ ‬شعار‭ ‬المهرجان‭ ‬الدولي‭ ‬للأشخاص‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬الإعاقة‭ ‬الذي‭ ‬تنظمه‭ ‬جمعية‭ ‬التعاون‭ ‬الثقافي‭ ‬لمساندة‭ ‬الأشخاص‭ ‬المعاقين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الرباط‭ ‬للعام‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬هو‭ (‬الفن‭ ‬المشترك‭ ‬بوابة‭ ‬الإبداع‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬طرق‭ ‬المهرجان‭ ‬بابا‭ ‬مهما‭ ‬وقادراً‭ ‬على‭ ‬تقريب‭ ‬المسافات‭ ‬والأفكار‭.‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬مساندة‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬بكل‭ ‬السبل‭ ‬والوسائل‭ ‬تعتبر‭ ‬هي‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬للجمعية،‭ ‬لذا‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬السنوي‭ ‬وكأنه‭ ‬مرحلة‭ ‬تقييمية‭ ‬لأنشطة‭ ‬الجمعية‭ ‬ومُخرجاتها‭ ‬أمام‭ ‬الحضور‭ ‬والإعلام،‭ ‬بجانب‭ ‬تمكين‭ ‬المبدعين‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬المعاقين‭ ‬لعرض‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور‭ ‬تعزيزا‭ ‬لثقتهم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬وتدريبهم‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الجمهور‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬مهرجان‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬مخصصا‭ ‬للفنون‭ ‬المختلفة‭ ‬وأثرها‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬المعاق‭ ‬المبدع،‭ ‬لذا‭ ‬شهدنا‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الفنون‭ ‬كالرسم‭ ‬والخياطة‭ ‬والرقص‭ ‬والتمثيل‭ ‬والغناء‭ ‬والشعر‭ ‬تُقدّم‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬لهم‭ ‬وضعية‭ ‬الإعاقة،‭ ‬حيث‭ ‬أسهم‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬كل‭ ‬معاق‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬طبيعة‭ ‬إعاقته،‭ ‬حيث‭ ‬أسهم‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬ذي‭ ‬الإعاقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬فأخرجه‭ ‬من‭ ‬حالته‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬الحالة‭ ‬الجمعية‭ ‬ليصبح‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ويندمج‭ ‬بأريحية‭ ‬معه‭. ‬فكان‭ ‬هناك‭ ‬منهم‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬وقفة‭ ‬الواثق‭ ‬ليُلقي‭ ‬قصائده‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬ضريرا‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬متحرك،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يرقص‭ ‬بتلقائية‭ ‬تقودها‭ ‬فطرته‭ ‬السليمة‭ ‬مقاسما‭ ‬لحظات‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬دون‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬نحن‭ ‬إعاقة‭ ‬فيه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬مقولة‭ ‬الفنان‭ ‬العماني‭ ‬عمران‭ ‬الرحبي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬الإعاقة‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬نقصا‭ ‬وأن‭ ‬الخلل‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬بشكل‭ ‬مضطرد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬اكتمال‭ ‬ثقافة‭ ‬احترام‭ ‬وضع‭ ‬الأشخاص‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬وتجاوز‭ ‬إعاقته‭.‬‮ ‬

ومازالت‭ ‬ماثلة‭ ‬أمام‭ ‬عيني‭ ‬تلك‭ ‬المسرحية‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بتمثيلها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬المصابين‭ ‬بمتلازمة‭ ‬داون‭ ‬وأصحاب‭ ‬الإعاقات‭ ‬الحركية‭ ‬الشديدة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬عملا‭ ‬عظيما‭ ‬نتاج‭ ‬جهد‭ ‬جبّار‭ ‬جداً‭ ‬لتمكين‭ ‬الممثلين‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬العمل‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬رغم‭ ‬الصعوبات‭ ‬الذهنية‭ ‬والحركية‭ ‬للممثلين،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬شخوص‭ ‬المسرحية‭ ‬قد‭ ‬تنوعت‭ ‬أدوارهم‭ ‬لرسم‭ ‬مشهد‭ ‬كامل‭ ‬يوصل‭ ‬رسالة‭ ‬المسرحية‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬النخلة‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬فكانت‭ ‬بحق‭ ‬مبعثا‭ ‬على‭ ‬الفرح‭ ‬والفخر‭ ‬وتستحق‭ ‬كما‭ ‬يستحق‭ ‬جميع‭ ‬العاملين‭ ‬عليها‭ ‬الإشادة‭ ‬والتقدير‭.‬

كما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مشهد‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ (‬غزلان‭) ‬تغني‭ ‬وتصدح‭ ‬بأغنيات‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل‭ ‬وهي‭ ‬الشابة‭ ‬الكفيفة‭ ‬التي‭ ‬بجانب‭ ‬الغناء‭ ‬خاضت‭ ‬تجربة‭ ‬تمثيل‭ ‬دور‭ ‬العروس‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬الزواج‭ ‬المغربي‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بالدور‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬وجمال‭ ‬وثقة‭ ‬فتعرفنا‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬طقوس‭ ‬الزواج‭ ‬المغربي‭.‬

وانتهى‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬إدماج‭ ‬أصحاب‭ ‬الإعاقة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الفني‭ ‬وتمكينهم‭ ‬من‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬الإبداع‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬إبداعهم‭ ‬هو‭ ‬إبداع‭ ‬استثنائي‭ ‬ومدهش،‭ ‬فكما‭ ‬أسلفنا‭ ‬بأن‭ ‬الإعاقة‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬لتجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬بل‭ ‬لتُبرز‭ ‬نقاط‭ ‬جمال‭ ‬وتميّز‭ ‬للمصاب‭ ‬بها‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬ناصية‭ ‬التميز‭ ‬سواه‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفنون‭ ‬المختلفة‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا