ستستضيف فرنسا الدورة الثالثة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيط من 9 إلى 13 يونيو 2025 «UNOC3 ». ستكتسي هذه الفعالية طابعًا حاسمًا إذ سيجتمع خلالها مئات رؤساء الدول والحكومات وعشرات آلاف المشاركين والباحثين والعلماء والجهات الفاعلة الاقتصادية والناشطين في الجمعيات والمواطنين القادمين من جميع أنحاء العالم في مدينة نيس. وبهذه المناسبة، سيكون لفرنسا هدف واضح، وهو حماية المحيط من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة.
إن هذه الإجراءات الملموسة هي الكفيلة بحماية المحيطات. وتقوم فرنسا، الرائدة في مجال حماية المناطق البحرية بخطوات حاسمة في هذا المجال. فقد أنشأت أول منطقة بحرية محمية في عام 1941 (محمية جزيرة ليبريدور في كاليدونيا الجديدة). ويغطي اليوم ثلث المساحة البحرية الفرنسية (33,4%) منطقة بحرية محمية واحدة على الأقل. وعلى الصعيد العالمي، تدعم فرنسا هدف حماية ما لا يقل عن 30% من المحيطات بحلول عام 2030، مقابل 8,4% حالياً.
تبذل البحرين أيضًا قصارى جهدها في هذا المجال. ويمكننا أن نثني على سبيل المثال على الالتزامات التي تعهدت بها البحرين بزيادة مساحة زراعة أشجار القرم لأربعة أضعاف بحلول عام 2035. وقد انضمت البحرين في فبراير 2025 إلى اتفاقية تدابير دولة الميناء (PSMA) لمكافحة الصيد غير القانوني، والتزمت بتنفيذ لوائح تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي البحري. وقد شددت أعلى السلطات خلال يوم البيئة الوطني، الذي نُظم في 24 أبريل الماضي، على هذه الالتزامات.
ويعتبر المحيط من الموارد المشتركة، فهو يغذي الشعوب ويحميها، ويتيح لنا أن نحلم وأن نسافر، كما يوفّر لنا طاقةً مستدامةً ووسائل للتجارة وموارد ومعارف علمية لا حدّ لها.
ويعتمد فردٌ من كل ثلاثة أفراد في موارد عيشه على المحيط، ولكنّ المحيط بخطرٍ. فهو فضاء لا يزال إلى حد كبير غير معروف، ولا يحظى بحوكمةٍ شاملة ولا بتمويلٍ يضمن الحفاظ عليه. والأرقام بشأنه تثير القلق، فوفق دراسةٍ أجرتها مجلّة العلوم يُرمى أكثر من 8 ملايين طنٍ من البلاستيك سنويًا في المحيط. ناهيك عن الإفراط في استغلال أكثر من ثلث الأرصدة السمكية، وتحمّض المياه وارتفاع مستوى سطح البحر ودمار النظم البيئية البحرية. فهذه الظواهر التي تترتب على تغير المناخ بصورةٍ مباشرةٍ آخذة بالتفاقم.
لقد حان وقت العمل، وأكثر من أي وقت مضى يجب أن نسعى إلى ارتقاء العمل المتعدد الأطراف إلى مستوى التحديات المرتبطة بحماية المحيط.
وتمثّل الدورة الثالثة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيط فرصةً تاريخيةً بعد مرور عشرة سنوات على الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس الذي أتاح صياغة إطار عالمي ملزم من أجل الحد من الاحترار العالمي. وستمثل «اتفاقيات نيس» ميثاقا دوليًا فعليًا من أجل حفظ المحيط واستخدامه على نحوٍ مستدام. وسيتماشى هذا الميثاق كذلك مع أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2015.
من أجل تحقيق هذه الغاية، يجب أن تكون المناقشات في نيس ملموسة وموجهة نحو العمل. ولتحقيق ذلك، سيتعين العمل من أجل تحسين الحوكمة وزيادة التمويل وتعميق المعرفة بالبحر.
أما في مجال الحوكمة، فيُعدّ الاتفاق المُبرم في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية واستخدامه على نحو مستدام محفّزًا جوهريًا. في الوقت الراهن، لا تزال أعالي البحار، التي تمثّل أكثر من نسبة 60 في المائة من المحيطات، الحيّز الوحيد الذي لا يشمله القانون الدولي. ويفضي غياب الرقابة والقواعد المشتركة إلى كارثةٍ اجتماعية وبيئية فعليّة من قبيل التلوث الكثيف بالمحروقات والمواد البلاستيكية وأساليب الصيد غير الشرعية وغير المنظمة واصطياد الثدييات المحمية. ويجب الحصول على تصديق 60 بلدًا لكي يتاح للاتفاق المبرم في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية الدخول حيّز النفاذ، واستخدامه على نحو مستدام بغية وضع حدٍ لهذا الفراغ القانوني.
قدمت فرنسا إلى الأمم المتحدة، في 5 فبراير الماضي، صك تصديقها على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية، كما تحث جميع البلدان التي تشاركها الرغبة في حماية المحيطات على أن تحذو حذوها.
وتستدعي حماية المحيط كذلك حشد التمويل العام والخاص ودعم اقتصاد أزرق مستدام. ويجب أن نسعى للحرص على تجديد الموارد البحرية بغية مواصلة الاستفادة من الفرص الاقتصادية الهائلة التي يوفرها المحيط. وستُقطع عدة التزامات في نيس في مجال التجارة الدولية والنقل البحري والسياحة والاستثمار.
وأخيرًا، كيف يمكننا ان نحمي ما لا نعرفه أو ما نعلم عنه الا القليل؟ يجب أن نصقل معارفنا بشأن المحيط وننشرها على نحوٍ أفضل. لقد أصبحنا اليوم قادرين على رسم خرائط لسطح القمر أو سطح كوكب مارس، إلا أنّنا لا نزال نجهل قعر المحيط، علمًا أنّه يغطي نسبة 70 في المائة من مساحة كوكب الأرض! فلنحشد العلم والابتكار والتعليم سويًا من أجل فهم المحيط على نحوٍ أفضل، ولنوسع نطاق توعية عموم الناس بشأنه.
في مواجهة تغير المناخ المتسارع والاستغلال المفرط للموارد البحرية، لا يمثل المحيط مجرد قضية من بين قضايا أخرى. إنه شأننا جميعاً. ويجب ألا ينسينا التشكيك في جدوى تعدديّة الأطراف مسؤوليتنا المشتركة. ويمثّل المحيط رابطًا عالميًا يندرج في صميم مستقبلنا. ويمكننا معًا أن نجعل الدورة الثالثة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيط محطّةً فارقة لشعوبنا وأجيالنا المقبلة وكوكبنا
{ سفير الجمهورية الفرنسية لدى مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك