في ظل متغيرات العصر وتسارع متطلبات التنمية، أصبحت الحاجة إلى وجود هيئة وطنية مستقلة لقياس الأداء المؤسسي ضرورة استراتيجية لتعزيز الشفافية، وتحسين الكفاءة الحكومية، وضمان توجيه الموارد نحو الأهداف التنموية بدقة. إن بناء منظومة فعّالة لقياس الأداء لا يُسهم فقط في رفع كفاءة العمل، بل يعزز من استقرار المالية العامة، ويحسّن من جودة الخدمات المقدمة.
وتقوم هذه الهيئة المقترحة على إعداد تقارير أداء شهرية وربع سنوية تُرفع إلى مجلس الوزراء، على شكل مؤشرات أداء رئيسية (KPIs)، تُحدد بوضوح مستوى الإنجاز لكل مؤسسة ووزارة مقارنةً بالمهام المنوطة بها والخطط المعتمدة. هذا النوع من التقييم يخلق ثقافة مؤسسية قائمة على النتائج، ويدفع نحو تسريع الإنجاز وتحقيق الأهداف الوطنية بكفاءة وشفافية.
كما أن مراقبة المصروفات الفعلية لكل جهة حكومية مقابل ميزانيتها المعتمدة تعد أداة فعالة لضبط الإنفاق العام والحد من الهدر، عبر تقارير مالية دقيقة تُرسل بشكل دوري إلى الجهات المعنية، ما يسمح بتصحيح المسار قبل حدوث أي تجاوزات تؤثر على كفاءة الصرف.
ويمكن أن تمتد مهام الهيئة إلى قياس الإنتاجية على مستوى الإدارات والقطاعات داخل كل مؤسسة، بما يعكس مستوى الاستفادة من الموارد البشرية والتقنية، ويتيح للمسؤولين تطوير بيئة العمل وضمان استدامة الأداء العالي.
ولتعزيز الحوكمة ستكون الهيئة مسؤولة عن وضع أطر تشريعية وقوانين داخلية خاصة بكل مؤسسة لضمان حماية ممتلكات الدولة والاستخدام الأمثل لها، مع تفعيل الضوابط المؤسسية التي تحافظ على المال العام وتعزز من روح الانضباط الإداري.
كما يمكن أن تعمل الهيئة بالتكامل مع السلطة التشريعية (مجلسي الشورى والنواب) لتقديم حلول مبتكرة تُسهم في تطوير الأنظمة القائمة، واقتراح قوانين فعالة لمعالجة التحديات المتكررة على أرض الواقع، بما يعزز من كفاءة التشريع ويربطه بمؤشرات الأداء الفعلي.
واحدة من أهم المجالات التي ينبغي أن تُراقب من خلال هذه الهيئة هي المناقصات الحكومية، سواء من حيث الأسعار، أو آليات التنفيذ، أو جودة العمل. ويمكن سن تشريعات جديدة تفرض غرامات على المقاولين غير الملتزمين بالجودة، بل شطبهم من قوائم التأهيل عند الإخلال بالمواصفات، ما يعزز من مستوى المشاريع العامة ويحمي المصلحة الوطنية.
ولا يمكن فصل هذا المشروع المؤسسي عن المبدأ الجوهري في أي منظومة ناجحة، وهو «وضع الرجل المناسب في المكان المناسب». فمن خلال هذه الهيئة يمكن ربط مؤشرات الأداء الوظيفي بالمناصب القيادية، واعتماد نظام تقييم حقيقي يُسهم في ضمان أن الكفاءة هي المعيار الأول في التعيين والاستمرار في المواقع التنفيذية.
تأسيس هذه الهيئة المستقلة لا يعني فقط تعزيز الرقابة، بل يُمثل نقلة نوعية في الإدارة الحكومية، ويؤسس لمفهوم جديد من الحوكمة الذكية، التي تدمج بين الشفافية، والابتكار، والاستدامة في خدمة التنمية الوطنية.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك