زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن المال وراحة البال
جاءتني البشارة من الأمريكان! هل تعاني من التوتر والاكتئاب؟ هل تجد صعوبة في النوم؟ إذا كانت الاجابة بنعم فابشر وانبسط لأنك ستكون ناجحا في حياتك العملية وستكون غنيا! ففي المؤتمر السنوي للاتحاد الأمريكي للطب النفسي الذي انعقد مؤخرا في واشنطن قال الدكتور جون لويس ان دراسة أحوال وأمزجة الموظفين أثبتت ان اولئك الذي ينومون اقل من ست ساعات يوميا ويعانون من العكننة والزهج المستمر والنرفزة وسوداوية المزاج (لاحظ العنصرية في اللغة فكل ما يرتبط بالسوء والمكروه «أسود»: حظ اسود وليلة سوداء ومصير أسود ومزاج اسود وقلب اسود الخ) المهم ان هذه الفئة من الموظفين والعمال تكسب أجوراً أكثر من ذوي البال الرائق والقلب البارد والأعصاب الهادئة. (هناك دراسة أخرى تثبت أن المديرين ورؤساء العمل انطباعيون. بعد أن ثبت أن الموظف القيافة المتأنق ينال العلاوات والترقيات والحوافز أكثر من تلك التي ينالها نظيرها المبهدل المهلهل الملابس حتى لو كان الأخير أعلى وأفضل انتاجية وكفاءة. هذا مقلب يقع فيه الكثير من الشباب من الجنسين، فهناك البنت التي تهيم بحب شاب ما لأنه في منتهى الأناقة وتعتبر ذلك دليلا على أنه شخص «راقٍ ومتحضر». بينما هو «خرنق». وبالمقابل هناك الشاب الذي رأى فتاة تحفة وآخر شياكة وتتناول طعامها بالدبوس وكلامها في معظمه من فصيلة هاي وباي، فيحكم عليها بأنها بنت «عصرية وفاهمة». وعلى قول القذافي طز في الرقي والفهم الذي تعكسه الملابس والمساحيق).
ولكن! وبمجرد ورود كلمة «ولكن» هذه فان الأشخاص شديدي التوتر والذين قد يكسبون المال الكثير ينبغي ان يتوجسوا خيفة لان الدكتور لويس مضى قائلا إن هذه الفئة هي أيضا الأكثر ميلا إلى تعاطي الكحول والمخدرات، لسبب بسيط وهي ان افرادها يدفعون ثمن النجاح المادي من أعصابهم وصحتهم النفسية والعقلية، وكلما كسب الواحد منهم المزيد من المال وصعد الى اعلى في السلم الوظيفي ازداد توترا، وشراهة، (أعتقد ان كثيرين منا مروا بتجارب مماثلة، ومن تجربتي الشخصية أنني عشت سنوات طويلة في منطقة الخليج من شهر الى شهر بمعنى أنني أصرف راتب الشهر كله خلال الشهر وانتظر راتب الشهر التالي، وعندما صار عندي رصيد في البنك في حدود 3000 دولار أمريكي، أحسست أنني حققت غاية المنى والأحلام، وبحبحت الأمور منزليا بقلب جامد من منطلق ان موقفي المالي قوي، ثم دارت السنون وارتفع الرصيد الادخاري الى عشرة آلاف دولار، فأصابني الهلع والجزع من ضياع المبلغ المهول وصرت أخطط وأتكتك كي أرفع الرصيد إلى أعلى، ولما ارتفع لم أحس بنفس السعادة التي وجدتها في توفير 3000 دولار، ثم دخل العيال الجامعات الواحد تلو الآخر، وطارت المدخرات، ولكنني صرت رائق البال وطار الوسواس والهوس بكنز المال وتحقيق الثراء). وتحضرني هنا حكاية المؤلف والممثل الكوميدي الأمريكي المعروف درو كيري الذي قرر التوقف والتقاعد وهو في مقتبل العمر، فلما سألوه لماذا؟ قال: جمعت من التمثيل والتأليف عشرة ملايين من الدولارات وهو مبلغ يكفيني لأعيش حياة رغدة وإذا لم استمتع بمالي وانا في كامل صحتي وعافيتي فانه سيفقد طعمه، كما أن حصولي على مزيد من الاموال سيفتح شهيتي للسعي لزيادة ثروتي وهكذا أجد نفسي في دوامة لا تنتهي.
وأوضحت الدراسة الأمريكية أن 61% من موظفي البورصة الأمريكيين يعانون من الاكتئاب رغم أن معظمهم يكسبون مئات الآلاف شهريا، وهكذا عزيزي القارئ بمقدورك أن تختار بين حياة بسيطة غير مترفة وخالية من القلق وبين فلوس كثيرة تقتنيها بحرق الأعصاب والتوتر الذي قد يحرمك من الاستمتاع بما عندك من مال.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك