العدد : ١٧٢٢٥ - الأربعاء ٢١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٥ - الأربعاء ٢١ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن المال وراحة البال

جاءتني‭ ‬البشارة‭ ‬من‭ ‬الأمريكان‭! ‬هل‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والاكتئاب؟‭ ‬هل‭ ‬تجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬النوم؟‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الاجابة‭ ‬بنعم‭ ‬فابشر‭ ‬وانبسط‭ ‬لأنك‭ ‬ستكون‭ ‬ناجحا‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬العملية‭ ‬وستكون‭ ‬غنيا‭! ‬ففي‭ ‬المؤتمر‭ ‬السنوي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬للطب‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬جون‭ ‬لويس‭ ‬ان‭ ‬دراسة‭ ‬أحوال‭ ‬وأمزجة‭ ‬الموظفين‭ ‬أثبتت‭ ‬ان‭ ‬اولئك‭ ‬الذي‭ ‬ينومون‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬ساعات‭ ‬يوميا‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬العكننة‭ ‬والزهج‭ ‬المستمر‭ ‬والنرفزة‭ ‬وسوداوية‭ ‬المزاج‭ (‬لاحظ‭ ‬العنصرية‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالسوء‭ ‬والمكروه‭ ‬‮«‬أسود‮»‬‭: ‬حظ‭ ‬اسود‭ ‬وليلة‭ ‬سوداء‭ ‬ومصير‭ ‬أسود‭ ‬ومزاج‭ ‬اسود‭ ‬وقلب‭ ‬اسود‭ ‬الخ‭) ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬والعمال‭ ‬تكسب‭ ‬أجوراً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬البال‭ ‬الرائق‭ ‬والقلب‭ ‬البارد‭ ‬والأعصاب‭ ‬الهادئة‭. (‬هناك‭ ‬دراسة‭ ‬أخرى‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬المديرين‭ ‬ورؤساء‭ ‬العمل‭ ‬انطباعيون‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الموظف‭ ‬القيافة‭ ‬المتأنق‭ ‬ينال‭ ‬العلاوات‭ ‬والترقيات‭ ‬والحوافز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ينالها‭ ‬نظيرها‭ ‬المبهدل‭ ‬المهلهل‭ ‬الملابس‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الأخير‭ ‬أعلى‭ ‬وأفضل‭ ‬انتاجية‭ ‬وكفاءة‭. ‬هذا‭ ‬مقلب‭ ‬يقع‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬فهناك‭ ‬البنت‭ ‬التي‭ ‬تهيم‭ ‬بحب‭ ‬شاب‭ ‬ما‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الأناقة‭ ‬وتعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬شخص‭ ‬‮«‬راقٍ‭ ‬ومتحضر‮»‬‭. ‬بينما‭ ‬هو‭ ‬‮«‬خرنق‮»‬‭. ‬وبالمقابل‭ ‬هناك‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬رأى‭ ‬فتاة‭ ‬تحفة‭ ‬وآخر‭ ‬شياكة‭ ‬وتتناول‭ ‬طعامها‭ ‬بالدبوس‭ ‬وكلامها‭ ‬في‭ ‬معظمه‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬هاي‭ ‬وباي،‭ ‬فيحكم‭ ‬عليها‭ ‬بأنها‭ ‬بنت‭ ‬‮«‬عصرية‭ ‬وفاهمة‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬قول‭ ‬القذافي‭ ‬طز‭ ‬في‭ ‬الرقي‭ ‬والفهم‭ ‬الذي‭ ‬تعكسه‭ ‬الملابس‭ ‬والمساحيق‭).‬

ولكن‭! ‬وبمجرد‭ ‬ورود‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬ولكن‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬فان‭ ‬الأشخاص‭ ‬شديدي‭ ‬التوتر‭ ‬والذين‭ ‬قد‭ ‬يكسبون‭ ‬المال‭ ‬الكثير‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يتوجسوا‭ ‬خيفة‭ ‬لان‭ ‬الدكتور‭ ‬لويس‭ ‬مضى‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬الأكثر‭ ‬ميلا‭ ‬إلى‭ ‬تعاطي‭ ‬الكحول‭ ‬والمخدرات،‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط‭ ‬وهي‭ ‬ان‭ ‬افرادها‭ ‬يدفعون‭ ‬ثمن‭ ‬النجاح‭ ‬المادي‭ ‬من‭ ‬أعصابهم‭ ‬وصحتهم‭ ‬النفسية‭ ‬والعقلية،‭ ‬وكلما‭ ‬كسب‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬وصعد‭ ‬الى‭ ‬اعلى‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬الوظيفي‭ ‬ازداد‭ ‬توترا،‭ ‬وشراهة،‭ (‬أعتقد‭ ‬ان‭ ‬كثيرين‭ ‬منا‭ ‬مروا‭ ‬بتجارب‭ ‬مماثلة،‭ ‬ومن‭ ‬تجربتي‭ ‬الشخصية‭ ‬أنني‭ ‬عشت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬الى‭ ‬شهر‭ ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬أصرف‭ ‬راتب‭ ‬الشهر‭ ‬كله‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭ ‬وانتظر‭ ‬راتب‭ ‬الشهر‭ ‬التالي،‭ ‬وعندما‭ ‬صار‭ ‬عندي‭ ‬رصيد‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬3000‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬أحسست‭ ‬أنني‭ ‬حققت‭ ‬غاية‭ ‬المنى‭ ‬والأحلام،‭ ‬وبحبحت‭ ‬الأمور‭ ‬منزليا‭ ‬بقلب‭ ‬جامد‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬ان‭ ‬موقفي‭ ‬المالي‭ ‬قوي،‭ ‬ثم‭ ‬دارت‭ ‬السنون‭ ‬وارتفع‭ ‬الرصيد‭ ‬الادخاري‭ ‬الى‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬دولار،‭ ‬فأصابني‭ ‬الهلع‭ ‬والجزع‭ ‬من‭ ‬ضياع‭ ‬المبلغ‭ ‬المهول‭ ‬وصرت‭ ‬أخطط‭ ‬وأتكتك‭ ‬كي‭ ‬أرفع‭ ‬الرصيد‭ ‬إلى‭ ‬أعلى،‭ ‬ولما‭ ‬ارتفع‭ ‬لم‭ ‬أحس‭ ‬بنفس‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬وجدتها‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬3000‭ ‬دولار،‭ ‬ثم‭ ‬دخل‭ ‬العيال‭ ‬الجامعات‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬وطارت‭ ‬المدخرات،‭ ‬ولكنني‭ ‬صرت‭ ‬رائق‭ ‬البال‭ ‬وطار‭ ‬الوسواس‭ ‬والهوس‭ ‬بكنز‭ ‬المال‭ ‬وتحقيق‭ ‬الثراء‭). ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬حكاية‭ ‬المؤلف‭ ‬والممثل‭ ‬الكوميدي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعروف‭ ‬درو‭ ‬كيري‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬التوقف‭ ‬والتقاعد‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر،‭ ‬فلما‭ ‬سألوه‭ ‬لماذا؟‭ ‬قال‭: ‬جمعت‭ ‬من‭ ‬التمثيل‭ ‬والتأليف‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬يكفيني‭ ‬لأعيش‭ ‬حياة‭ ‬رغدة‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬استمتع‭ ‬بمالي‭ ‬وانا‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬صحتي‭ ‬وعافيتي‭ ‬فانه‭ ‬سيفقد‭ ‬طعمه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حصولي‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاموال‭ ‬سيفتح‭ ‬شهيتي‭ ‬للسعي‭ ‬لزيادة‭ ‬ثروتي‭ ‬وهكذا‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭.‬

وأوضحت‭ ‬الدراسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬61%‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬البورصة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الاكتئاب‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬معظمهم‭ ‬يكسبون‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬شهريا،‭ ‬وهكذا‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬بمقدورك‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بين‭ ‬حياة‭ ‬بسيطة‭ ‬غير‭ ‬مترفة‭ ‬وخالية‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬وبين‭ ‬فلوس‭ ‬كثيرة‭ ‬تقتنيها‭ ‬بحرق‭ ‬الأعصاب‭ ‬والتوتر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يحرمك‭ ‬من‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بما‭ ‬عندك‭ ‬من‭ ‬مال‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا