الكواليس

وفاء جناحي
waffajanahi@gmail.com
أنا أحبني كثيرا!
القهر والحزن وخيبة الأمل فيمن نحب، من أكثر أسباب المرض المزمن أو حتى الوفاة.
قلتها وأقولها دائما يجب علينا جميعا من دون استثناء ألا نرفع سقف توقعاتنا لمحبة أقرب الناس لنا أو للحصول على التقدير المناسب من جهة العمل مهما أخلصنا أو أحببنا أعمالنا واجتهدنا فيه بكل وفاء، ففي النهاية يمكن الاستغناء عنا بكل سهولة.
كنا على موعد غذاء مع الصديقات فتغيبت إحداهن، تضايقنا منها كلنا وأصبحنا نلومها لأنها دائمة التأخير علينا أو عدم حضور المناسبات بحجة الانشغال بالعمل حتى بعد ساعات العمل وكذلك في إجازاتها تعمل. لذلك تذمرنا من غيابها المتكرر، وعندها بادرت إحدى الصديقات بالاتصال لمعرفة سبب غيابها هذه المرة، لننصعق جميعا بأنها مريضة ومصابة بالحزام الناري منذ يومين وأنها في حالة ألم وتعب شديدين لنندم جميعا لتسرعنا في الحكم عليها وقررنا أن نزورها جميعا بعد أسبوع لنطمئن على صحتها ونرفع من معنوياتها.
زرناها بعد تقريبا أسبوعين، وأصبحنا نحاول أن نضحكها ونخفف عنها آلامها فنظرت إليّ وعينها غارقة بالدموع وقالت: لم أسمع نصيحتك الدائمة مع الأسف فرفعت سقف توقعاتي وتخيلت أن الشركة لن تستطيع الاستغناء عني أبدا لأنني أنجز عمل 3 أشخاص، وعلى الرغم من تأكيدهم لي إخلاصي واجتهادي فإنهم أخبروني بأنهم لا يستطيعون تجديد عقد عملي وأن قانون العمل لا يسمح، وأنهم بكل وقاحة يطلبون مني أن أتنازل عن كل إجازاتي لكي أدرب بديلة لتعمل مكاني (طبعا سيدفعون بدل الإجازات)، فأصبت بالقهر الشديد ونزلت معنوياتي وارتفع ضغطي وفوجئت بالحزام الناري.
أُصبنا جميعا بحالة من الصدمة والصمت العميق، ثم قلت لها وأنا أبتسم: الندم والحسرة لن يفيدا بل يضرا بالصحة، اطوي صفحتهم سريعا وابحثي عن أي وسيلة للسعادة فهو العلاج الوحيد لكسرة القلب.
نظرت بكل حب إلى صديقتنا الأخرى التي رفضت أن تنكسر بعد أن خرجت من شركة عملت فيها أكثر من 30 سنة (أكثر من نصف عمرها) من دون أي كلمة تقدير، شركة عشقت جدرانها وممراتها وكل العاملين فيها من أصغر فراش إلى صاحب العمل الذي كانت تعتبره مثلها الأعلى وتدافع عنه بكل شراسة، بل كانت تعبّر عن حبها له في البيت وأمام عائلتها، وكانت تعتبر أي عرض عمل في شركة منافسة إهانة لإخلاصها وحبها لرب عملها، كان يمكن أن يكون يوم تقاعدها عن العمل في أكثر مكان أحبته وخرجت منه كأي يوم عادي من دون أي كلمة تقدير أو احتفال بسيط يوم دمار لقلبها الصغير ولكنها أبت أن تكسر قلبها وتجعله يتحسر ويتحطم في شعور خيبة الأمل، وحمدت الله على وجود نعمة الزوج المحب في حياتها والذي يحاول أن يسعدها كما أنها تقول لنفسها يوميا: لن يحبك ويقدرك أحد في هذا العالم أكثر مني أنا، نعم أنا من يسعدني، أنا أكثر واحدة تقدرني، أنا من سأكافئني هذا الشهر، وسأسفرني سفرة حلوة إلى بلد جديد مع زوجي الحبيب، أنا أحبني كثيرا، لذلك فأنا الوحيدة التي لن أخذلني أبدا، ولن أعرضني للمرض والقهر وأنا الوحيدة التي تعرف ماذا يسعدني.
دعوا سقف توقعاتكم لكم فقط ولا تحبوا أي إنسان أكثر من أنفسكم كي لا تصابوا بخيبة الأمل.. وكرروا دائما وأبدا (أنا أحبني كثيرا).
إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك