العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

أنا أحبني كثيرا!

القهر‭ ‬والحزن‭ ‬وخيبة‭ ‬الأمل‭ ‬فيمن‭ ‬نحب،‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬أسباب‭ ‬المرض‭ ‬المزمن‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الوفاة‭.‬

قلتها‭ ‬وأقولها‭ ‬دائما‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬ألا‭ ‬نرفع‭ ‬سقف‭ ‬توقعاتنا‭ ‬لمحبة‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬لنا‭ ‬أو‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬التقدير‭ ‬المناسب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬العمل‭ ‬مهما‭ ‬أخلصنا‭ ‬أو‭ ‬أحببنا‭ ‬أعمالنا‭ ‬واجتهدنا‭ ‬فيه‭ ‬بكل‭ ‬وفاء،‭ ‬ففي‭ ‬النهاية‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنا‭ ‬بكل‭ ‬سهولة‭.‬

كنا‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬غذاء‭ ‬مع‭ ‬الصديقات‭ ‬فتغيبت‭ ‬إحداهن،‭ ‬تضايقنا‭ ‬منها‭ ‬كلنا‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نلومها‭ ‬لأنها‭ ‬دائمة‭ ‬التأخير‭ ‬علينا‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬حضور‭ ‬المناسبات‭ ‬بحجة‭ ‬الانشغال‭ ‬بالعمل‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬إجازاتها‭ ‬تعمل‭. ‬لذلك‭ ‬تذمرنا‭ ‬من‭ ‬غيابها‭ ‬المتكرر،‭ ‬وعندها‭ ‬بادرت‭ ‬إحدى‭ ‬الصديقات‭ ‬بالاتصال‭ ‬لمعرفة‭ ‬سبب‭ ‬غيابها‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬لننصعق‭ ‬جميعا‭ ‬بأنها‭ ‬مريضة‭ ‬ومصابة‭ ‬بالحزام‭ ‬الناري‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬وأنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ألم‭ ‬وتعب‭ ‬شديدين‭ ‬لنندم‭ ‬جميعا‭ ‬لتسرعنا‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬عليها‭ ‬وقررنا‭ ‬أن‭ ‬نزورها‭ ‬جميعا‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬لنطمئن‭ ‬على‭ ‬صحتها‭ ‬ونرفع‭ ‬من‭ ‬معنوياتها‭.‬

زرناها‭ ‬بعد‭ ‬تقريبا‭ ‬أسبوعين،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نضحكها‭ ‬ونخفف‭ ‬عنها‭ ‬آلامها‭ ‬فنظرت‭ ‬إليّ‭ ‬وعينها‭ ‬غارقة‭ ‬بالدموع‭ ‬وقالت‭: ‬لم‭ ‬أسمع‭ ‬نصيحتك‭ ‬الدائمة‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬فرفعت‭ ‬سقف‭ ‬توقعاتي‭ ‬وتخيلت‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الاستغناء‭ ‬عني‭ ‬أبدا‭ ‬لأنني‭ ‬أنجز‭ ‬عمل‭ ‬3‭ ‬أشخاص،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تأكيدهم‭ ‬لي‭ ‬إخلاصي‭ ‬واجتهادي‭ ‬فإنهم‭ ‬أخبروني‭ ‬بأنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تجديد‭ ‬عقد‭ ‬عملي‭ ‬وأن‭ ‬قانون‭ ‬العمل‭ ‬لا‭ ‬يسمح،‭ ‬وأنهم‭ ‬بكل‭ ‬وقاحة‭ ‬يطلبون‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أتنازل‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬إجازاتي‭ ‬لكي‭ ‬أدرب‭ ‬بديلة‭ ‬لتعمل‭ ‬مكاني‭ (‬طبعا‭ ‬سيدفعون‭ ‬بدل‭ ‬الإجازات‭)‬،‭ ‬فأصبت‭ ‬بالقهر‭ ‬الشديد‭ ‬ونزلت‭ ‬معنوياتي‭ ‬وارتفع‭ ‬ضغطي‭ ‬وفوجئت‭ ‬بالحزام‭ ‬الناري‭.‬

أُصبنا‭ ‬جميعا‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الصدمة‭ ‬والصمت‭ ‬العميق،‭ ‬ثم‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬وأنا‭ ‬أبتسم‭: ‬الندم‭ ‬والحسرة‭ ‬لن‭ ‬يفيدا‭ ‬بل‭ ‬يضرا‭ ‬بالصحة،‭ ‬اطوي‭ ‬صفحتهم‭ ‬سريعا‭ ‬وابحثي‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬للسعادة‭ ‬فهو‭ ‬العلاج‭ ‬الوحيد‭ ‬لكسرة‭ ‬القلب‭.‬

نظرت‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬إلى‭ ‬صديقتنا‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬أن‭ ‬تنكسر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬عملت‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬سنة‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬عمرها‭) ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬كلمة‭ ‬تقدير،‭ ‬شركة‭ ‬عشقت‭ ‬جدرانها‭ ‬وممراتها‭ ‬وكل‭ ‬العاملين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬أصغر‭ ‬فراش‭ ‬إلى‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تعتبره‭ ‬مثلها‭ ‬الأعلى‭ ‬وتدافع‭ ‬عنه‭ ‬بكل‭ ‬شراسة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬حبها‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬وأمام‭ ‬عائلتها،‭ ‬وكانت‭ ‬تعتبر‭ ‬أي‭ ‬عرض‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬منافسة‭ ‬إهانة‭ ‬لإخلاصها‭ ‬وحبها‭ ‬لرب‭ ‬عملها،‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬يوم‭ ‬تقاعدها‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مكان‭ ‬أحبته‭ ‬وخرجت‭ ‬منه‭ ‬كأي‭ ‬يوم‭ ‬عادي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬كلمة‭ ‬تقدير‭ ‬أو‭ ‬احتفال‭ ‬بسيط‭ ‬يوم‭ ‬دمار‭ ‬لقلبها‭ ‬الصغير‭ ‬ولكنها‭ ‬أبت‭ ‬أن‭ ‬تكسر‭ ‬قلبها‭ ‬وتجعله‭ ‬يتحسر‭ ‬ويتحطم‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل،‭ ‬وحمدت‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬نعمة‭ ‬الزوج‭ ‬المحب‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬والذي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يسعدها‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تقول‭ ‬لنفسها‭ ‬يوميا‭: ‬لن‭ ‬يحبك‭ ‬ويقدرك‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬مني‭ ‬أنا،‭ ‬نعم‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬يسعدني،‭ ‬أنا‭ ‬أكثر‭ ‬واحدة‭ ‬تقدرني،‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬سأكافئني‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬وسأسفرني‭ ‬سفرة‭ ‬حلوة‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬زوجي‭ ‬الحبيب،‭ ‬أنا‭ ‬أحبني‭ ‬كثيرا،‭ ‬لذلك‭ ‬فأنا‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬أخذلني‭ ‬أبدا،‭ ‬ولن‭ ‬أعرضني‭ ‬للمرض‭ ‬والقهر‭ ‬وأنا‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يسعدني‭. ‬

دعوا‭ ‬سقف‭ ‬توقعاتكم‭ ‬لكم‭ ‬فقط‭ ‬ولا‭ ‬تحبوا‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أنفسكم‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تصابوا‭ ‬بخيبة‭ ‬الأمل‭.. ‬وكرروا‭ ‬دائما‭ ‬وأبدا‭ (‬أنا‭ ‬أحبني‭ ‬كثيرا‭).‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا