العدد : ١٧٢٠٦ - الجمعة ٠٢ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٦ - الجمعة ٠٢ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الحل في تهريب البعوض

لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬مؤخرا‭ ‬أن‭ ‬مواطني‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬باتوا‭ ‬يشكون‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬البعوض‭ ‬لمدنهم‭ ‬وقراهم،‭ ‬وأقول‭ ‬لهم‭: ‬شدة‭ ‬وتزول،‭ ‬والصيف‭ ‬على‭ ‬الأبواب،‭ ‬وسيتولى‭ ‬الفتك‭ ‬بالبعوض‭ ‬حتى‭ ‬يندم‭ ‬على‭ ‬دخوله‭ ‬منطقتكم‭ ‬متسللا‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬واستبشرت‭ ‬خيرا‭ ‬باكتشاف‭ ‬مستعمرة‭ ‬من‭ ‬الناموس‭ ‬الناقل‭ ‬لمرض‭ ‬حمى‭ ‬غرب‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬البريطاني‭ ‬مؤخرا،‭ ‬وليس‭ ‬مرد‭ ‬ذلك‭ ‬كرهي‭ ‬للريف‭ ‬البريطاني‭ ‬أو‭ ‬أهله،‭ ‬بل‭ ‬حبي‭ ‬لأهلي‭ ‬ولجميع‭ ‬تعساء‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وقد‭ ‬قلت‭ ‬مرارا‭ ‬إن‭ ‬الإنفلونزا،‭ ‬خطفت‭ ‬الأضواء‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬فتكا‭ ‬بالناس،‭ ‬وأن‭ ‬أمر‭ ‬مقاومتها‭ ‬واحتوائه‭ ‬مقدور‭ ‬عليه‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬سابق‭ ‬خبرة‭ ‬للطب‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬فيروسات‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬الجديدة،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬تضرب‭ ‬مناطق‭ ‬فيها‭ ‬فلوس‭ ‬وحركة‭ ‬تجارية‭ ‬نشطة‭ ‬مثل‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬وكندا،‭ ‬أوروبا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تنشط‭ ‬كل‭ ‬دوائر‭ ‬البحوث‭ ‬الطبية‭ ‬والصيدلانية‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬الفيروس‭ ‬والانقضاض‭ ‬عليه،‭ ‬وهكذا‭ ‬وخلال‭ ‬أشهر‭ ‬معدودة‭ ‬تم‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬احتواء‭ ‬إنفلونزا‭ ‬الطيور‭ ‬والخنازير،‭ ‬وبصراحة‭ ‬شديدة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬فخر‭ ‬فإن‭ ‬جسمي‭ ‬وكبدي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬مستودع‭ ‬لطفيليات‭ ‬الملاريا،‭ ‬وياما‭ ‬عانيت‭ ‬من‭ ‬الهذيان‭ ‬والغيبوبة‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬جسمي‭ ‬كلما‭ ‬نشطت‭ ‬تلك‭ ‬الطفيليات‭ ‬وتحركت‭ ‬كما‭ ‬العلوج‭ ‬لغزو‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬جسمي،‭ ‬وفي‭ ‬السودان‭ ‬يموت‭ ‬بضعة‭ ‬آلاف‭ ‬شهريا‭ ‬بالملاريا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬البعوض‭ ‬يتمتع‭ ‬بحصانة‭ ‬ضد‭ ‬المبيدات‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬يتغذى‭ ‬عليها،‭ ‬ويتوالد‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬لاحتواء‭ ‬خطر‭ ‬الملاريا‭ ‬إلا‭ ‬بتوصيل‭ ‬المرض‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬فعلماء‭ ‬تلك‭ ‬الجهات‭ ‬لا‭ ‬يحفلون‭ ‬بأمر‭ ‬أي‭ ‬مرض‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬ينتشر‭ ‬في‭ ‬بلادهم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬مصلحتنا‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬للأمراض،‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بتصدير‭ ‬الفائض‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬حتى‭ ‬تنتبه‭ ‬لمخاطرها،‭ ‬وتقوم‭ ‬بإنتاج‭ ‬الأمصال‭ ‬الواقية‭ ‬منها‭ ‬والأدوية‭ ‬الناجعة‭ ‬التي‭ ‬تستأصلها،‭ ‬فالإيدز‭ ‬مثلا‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعبأ‭ ‬به‭ ‬أحد،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬تشكيلة‭ ‬من‭ ‬العقاقير‭ ‬لاحتوائه‭ ‬بدرجة‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬‮«‬قاتلا‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬هل‭ ‬رأيتم‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬علاج‭ ‬للكورونا‭ ‬بمجرد‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬تفتك‭ ‬بالشعوب‭ ‬‮«‬البيضاء»؟‭!‬

وخير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬يعبأ‭ ‬إلا‭ ‬بالأمراض‭ ‬التي‭ ‬تهدده‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬داره،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬الأمراض‭ ‬فتكا‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬الأيبولا،‭ ‬فرغم‭ ‬اكتشافه‭ ‬عام‭ ‬1976‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬ربما‭ ‬بمئات‭ ‬السنين،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬يقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬ضحاياه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يزعج‭ ‬دوائر‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كثيرا‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬‮«‬الأكاديمية‮»‬‭!! ‬والأيبولا‭ ‬يهاجم‭ ‬نظام‭ ‬المناعة‭ ‬ويشله‭ ‬ويظل‭ ‬يهاجم‭ ‬الجسم‭ ‬منذ‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬لحدوث‭ ‬الإصابة‭ ‬فيتجلط‭ ‬الدم‭ ‬ويختنق‭ ‬الكبد‭ ‬والكلى‭ ‬والرئتان‭ ‬ثم‭ ‬الدماغ،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يستهدف‭ ‬الكولاجين‭ ‬وهو‭ ‬الغراء‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الجسم‭ ‬متماسكا‭ ‬وينتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬تقشر‭ ‬الجلد‭ ‬وتساقطه،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬أبشع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأيبولا‭ ‬تذيب‭ ‬الأمعاء‭ ‬والمعدة‭ ‬حتى‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الفم‭ ‬مع‭ ‬القيء،‭ ‬والسبب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الأيبولا‭ ‬خارج‭ ‬إفريقيا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المصاب‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يعيش‭ ‬طويلا،‭ ‬بحيث‭ ‬يتعذر‭ ‬على‭ ‬مصاب‭ ‬بالمرض‭ ‬أن‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬جهة،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يدوم‭ ‬طويلا‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬سينتقل‭ ‬تدريجيا‭ ‬صوب‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ذوي‭ ‬العيون‭ ‬الزرق‭ ‬وعندها‭ ‬فقط‭ ‬سنسمع‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عقارا‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬للتصدي‭ ‬له‭.‬

والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬صناعة‭ ‬الدواء‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬باتت‭ ‬غير‭ ‬محكومة‭ ‬بأي‭ ‬ضوابط‭ ‬أخلاقية‭ ‬أو‭ ‬إنسانية،‭ ‬فشركات‭ ‬الأدوية‭ ‬لا‭ ‬ترصد‭ ‬أي‭ ‬مبالغ‭ ‬لتطوير‭ ‬أدوية‭ ‬لأمراض‭ ‬الفقراء،‭ ‬ولو‭ ‬رصدت‭ ‬واحدا‭ ‬على‭ ‬الألف‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬تطوير‭ ‬أدوية‭ ‬التحفيز‭ ‬الجنسي‭ ‬لتطوير‭ ‬علاج‭ ‬للملاريا،‭ ‬لما‭ ‬مات‭ ‬الملايين‭ ‬سنويا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المرض،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬جزاء‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬عملها‭ ‬فنقوم‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بتهريب‭ ‬البعوض‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬خلال‭ ‬زياراتنا‭ ‬المريبة‭ ‬لبلدانه؟‭ ‬كيف؟‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬إقلاع‭ ‬الطائرة‭ ‬بقليل،‭ ‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬مستنقع‭ ‬واغرف‭ ‬من‭ ‬مياهه‭ ‬في‭ ‬زجاجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لتضمن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬يرقانات‭ ‬البعوض،‭ ‬وإذا‭ ‬سالك‭ ‬ضابط‭ ‬الجمارك‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬أوروبي‭ ‬لماذا‭ ‬تحمل‭ ‬سائلا‭ ‬عكرا‭ ‬متسخا،‭ ‬قل‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬مشروب‭ ‬غازي‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬مصانع‭ ‬بلادك،‭ ‬وسيصدقك،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬كذبت‭ ‬كثيرا‭ ‬فالمشروبات‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬أسواقنا‭ ‬ليست‭ ‬أقل‭ ‬ضررا‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا