العدد : ١٧٢٠٠ - السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٠ - السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٦هـ

الثقافي

المجموعة القصصية «فقد» لأمل عبدالوهاب..
هالة من الواقعية الرمزية الفنية

السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

قال‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬عندما‭ ‬توفيت‭ ‬والدته‭:‬‮ ‬

لو‭ ‬أنني‭ ‬أعرف‭ ‬كلمة‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬انطفأت‭ ‬لقلتها،‭ ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بانطفاء‭ ‬روحي‭ ‬مثلما‭ ‬أشعر‭ ‬بها‭ ‬الآن‭.‬

وفي‭ ‬قول‭ ‬آخر‭: ‬حين‭ ‬يهيلون‭ ‬عليّ‭ ‬التراب‭ ‬فانثر‭ ‬فوقه‭ ‬فتات‭ ‬خبز‭ ‬فتتهافت‭ ‬عليه‭ ‬العصافير‭ ‬فأسمع‭ ‬صوتها‭ ‬فلا‭ ‬أشعر‭ ‬بأنني‭ ‬وحيد‭.‬

تلك‭ ‬ما‭ ‬رمت‭ ‬إليه‭ ‬القاصة‭ ‬أمل‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬ولكن‭ ‬بأسلوب‭ ‬آخر،‭ ‬ورمزيات‭ ‬مختلفة،‭ ‬في‭ ‬مجموعتها‭ ‬القصصية‭ ‬الأخيرة‭ ‬‮«‬فقد‮»‬،‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬أبجد‭ ‬للترجمة‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬بابل‭ ‬العراق،‭ ‬والتي‭ ‬تحتوي‭ ‬في‭ ‬دفتيها‭ ‬18‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة،‭ ‬ولوحة‭ ‬غلافها‭ ‬للفنان‭ ‬عبدالجبار‭ ‬الغضبان،‭ ‬ويتصدرها‭ ‬إهداء‭ ‬إلى‭ ‬رفيق‭ ‬عمرها‭ ‬الراحل‭ ‬الحاضر‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬البحرينيين‭ ‬الروائي‭ ‬والسيناريست‭ ‬البحريني‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‮»‬‭.‬

تلك‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تفردت‭ ‬بها‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬شخصياتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬تتفاعل‭ ‬رمزياً‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬متخذة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬إحالات‭ ‬لواقع‭ ‬يعرف‭ ‬نفسه،‭ ‬ليسهل‭ ‬لها‭ ‬الغوص‭ ‬سردياً‭ ‬في‭ ‬حبكة‭ ‬القصص‭ ‬وعدم‭ ‬انفكاك‭ ‬حبل‭ ‬أفكارها‭ ‬المتصل‭.‬

وضمت‭ ‬القاصة‭ ‬كوكبة‭ ‬قصصها‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬المجموعة‭ ‬‮«‬فقد‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬شكلت‭ ‬القصص‭ ‬هالة‭ ‬من‭ ‬الفقد‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكاله،‭ ‬سواء‭ ‬وجداني‭ ‬أو‭ ‬جسدي‭ ‬أو‭ ‬روحي،‭ ‬وذاك‭ ‬قد‭ ‬يعود‭ ‬لفقدها‭ ‬إلى‭ ‬روحها‭ ‬الأخرى‭ ‬فريد‭ ‬رمضان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ذكرتهُ‭ ‬سابقاً‭ ‬في‭ ‬قراءتي‭ ‬لمجموعتها‭ ‬القصصية‭ ‬السابقة‭ ‬‮«‬ورد‭ ‬الغريب‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتبين‭ ‬أيضاً‭ ‬ويتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إهدائها‭ ‬المتصدر‭ ‬لصفحات‭ ‬المجموعة‭ ‬‮«‬إلى‭ ‬فريد‭ ‬رمضان‮»‬،‭ ‬إهداء‭ ‬بسيط‭ ‬لا‭ ‬يتشح‭ ‬بأي‭ ‬تعبير‭ ‬في‭ ‬سياقه،‭ ‬ولكن‭ ‬عند‭ ‬ربطه‭ ‬بالقصص‭ ‬وشخصية‭ ‬القاصة‭ ‬أمل‭ ‬سترى‭ ‬كمية‭ ‬التعبيرات‭ ‬الدلالية‭ ‬المتشحة‭ ‬فيه‭ ‬والتي‭ ‬تحاول‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصص‭ ‬المجموعة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعرها‭ ‬ومكنوناتها،‭ ‬وتلك‭ ‬الهالة‭ ‬من‭ ‬الفقد‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬منها‭ ‬تشكيل‭ ‬مشهد‭ ‬مسرحي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصصها،‭ ‬فعندما‭ ‬تقرأ‭ ‬كل‭ ‬قصة،‭ ‬فأنك‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مسرحي‭ ‬تستمتع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬بقراءة‭ ‬القصص‭ ‬وتخيلها‭.‬

ورغم‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬في‭ ‬مجموعتها‭ ‬السابقة‭ ‬‮«‬ورد‭ ‬الغريب‮»‬‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬في‭ ‬الفانتازيا‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬عوالم‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬الخيال‭ ‬ثم‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬قد‭ ‬يتوقع‭ ‬القارئ‭ ‬عندما‭ ‬يقرأ‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬فقد‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬أيضاً‭ ‬تبحر‭ ‬بسفينتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬الفنتازيا،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تتعمق‭ ‬في‭ ‬قراءتها‭ ‬فتكتشف‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬من‭ ‬الاشتغال‭ ‬الرمزي،‭ ‬وبعض‭ ‬الرمزيات‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الرسائل‭ ‬الخفية‭.‬

هذا‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬تخطى‭ ‬حاجز‭ ‬القصة‭ ‬البسيطة،‭ ‬فجعلها‭ ‬منبع‭ ‬للفهم‭ ‬والتفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬والرسائل‭ ‬العميقة،‭ ‬متضمنة‭ ‬في‭ ‬سطورها‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬السيكولوجية‭ ‬النفسية،‭ ‬جاعلاً‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬حرج‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬حيثيات‭ ‬وفكرة‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬البرهة‭ ‬الأولى،‭ ‬مصاباً‭ ‬بالالتباس،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لعب‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬تضمنها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬صحيحاً‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬‮«‬والمعنى‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الشاعر‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬له‭ ‬الكاتب‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭: ‬‮«‬لكي‭ ‬تقرأ‭ ‬نصوص‭ ‬أمل‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب،‭ ‬وتتفاعل‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬إيجابي،‭ ‬وتستمتع‭ ‬بها،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬طريقتك‭ ‬المعتادة‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬النصوص،‭ ‬قصص‭ ‬أمل‭ ‬لا‭ ‬توفر‭ ‬لك‭ ‬أجوبة‭ ‬جاهزة‭ ‬ومرضية‮»‬‭.‬

فمن‭ ‬الرمزيات،‭ ‬تجسدها‭ ‬النخلة‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬سماء‮»‬،‭ ‬فأعطت‭ ‬أمل‭ ‬إيحاءً‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتحرر‭ ‬جسدياً‭ ‬وفكرياً‭ ‬لتكون‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تبدلها‭ ‬لنخلة‭ ‬يعطي‭ ‬رمزية‭ ‬للألم‭ ‬الداخلي‭ ‬للشخصية‭ ‬في‭ ‬القصة،‭ ‬وثباتها‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التحرك‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ (‬الكبت‭ ‬والقيد‭).‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬وإبداعها‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬التشبيه‭ ‬والسرد‭ ‬الوصفي‭ ‬كصورة‭ ‬بانورامية‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬‮«‬وعشب‭ ‬طري‭ ‬يتلألأ‭ ‬بندى‭ ‬سقيا‭ ‬قريبة‮»‬‭ (‬المكتبة‭ ‬العامة‭)‬،‭ ‬‮«‬بل‭ ‬كل‭ ‬الحضور‭ ‬يرنون‭ ‬إليه‭ ‬كإله‭ ‬ترك‭ ‬عرشه‮»‬‭ (‬أول‭ ‬الربيع‭)‬،‭ ‬‮«‬وتحرك‭ ‬رأسها‭ ‬فيتطاير‭ ‬شعرها‭ ‬الأسود‭ ‬بمراوح‭ ‬مجهدة‮»‬‭ (‬حب‭ ‬غير‭ ‬مشروط‭)‬،‭ ‬‮«‬وقفت‭ ‬تلتفت،‭ ‬وشعرها‭ ‬الأسود‭ ‬كسبيب‭ ‬الخيل‭ ‬تطيره‭ ‬الهبات‭ ‬الشمالية‭ ‬الباردة‮»‬‭ (‬ذات‭ ‬برد‭).‬

وعندما‭ ‬نتطرق‭ ‬إلى‭ ‬البعد‭ ‬الفلسفي‭ ‬في‭ ‬المجموعة،‭ ‬فمن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬حبكة‭ ‬القصص‭ ‬كان‭ ‬يبدأ‭ ‬بواقعية‭ ‬خالصة‭ ‬ثم‭ ‬تتصاعد‭ ‬الأحداث‭ ‬بعدها‭ ‬لتنقلنا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬فلسفي‭ ‬عميق‭ (‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تفسيره‭ ‬مبكراً‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬هذا‭ ‬التبدل‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلى‭ ‬استدلال‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أمل‭ ‬كانت‭ ‬تحيك‭ ‬خياط‭ ‬القصص‭ ‬لتحويلها‭ ‬من‭ ‬اتجاه‭ ‬واقعي‭ ‬إلى‭ ‬اتجاه‭ ‬فلسفي‭ ‬يحمل‭ ‬بعض‭ ‬الرمزيات‭ ‬المبطنة،‭ ‬وهذا‭ ‬التحول‭ ‬الفلسفي‭ ‬الرمزي‭ ‬جعل‭ ‬القارئ‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬القاصة‭ ‬أمل‭ ‬عبدالوهاب،‭ ‬والإحساس‭ ‬بألم‭ ‬شخصياتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قصة‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬بواعثها‭.‬

والقصص‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬طابعاً‭ ‬تراجيدياً‭ ‬في‭ ‬بعضها،‭ ‬وهذا‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬بعضها‭ ‬كمشهد‭ ‬مسرحي،‭ ‬فأرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إليها‭ ‬بجانب‭ ‬مسرحي،‭ ‬فهي‭ ‬تتصف‭ ‬حقاً‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬المسرحية‭ ‬الجميلة،‭ ‬فهذا‭ ‬الإبداع‭ ‬الذي‭ ‬أتقنته‭ ‬أمل‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬برسم‭ ‬النص‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬لإبداعها‭ ‬الفذ‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬شخصيات‭ ‬القصص‭ ‬وحبكتها‭.‬

وصيّرت‭ ‬القاصة‭ ‬من‭ ‬قصصها‭ ‬عالماً‭ ‬مفتوح‭ ‬لإضافة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬القصص‭ ‬بخاتمة‭ ‬مفتوحة‭ ‬تجعل‭ ‬الشخص‭ ‬يفكر‭ ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬أمل‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬بحبرها‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬أيضاً،‭ ‬فربما‭ ‬يتشارك‭ ‬معها‭ ‬بنفس‭ ‬الأفكار‭ ‬أو‭ ‬الخاتمة‭.‬

والجدير‭ ‬بالذكر،‭ ‬صدر‭ ‬للكاتبة‭ ‬والقاصة‭ ‬أمل‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬قبل‭ ‬المجموعة‭ ‬الحالية‭ ‬‮«‬فقد‮»‬،‭ ‬مجموعتين‭ ‬آخر،‭ ‬‮«‬وقت‭ ‬ليس‭ ‬لي‮»‬‭ ‬2017،‭ ‬‮«‬ورد‭ ‬الغريب‮»‬‭ ‬2023‭.‬

r.alstrawi10@gmail.com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا