العدد : ١٧١٩٥ - الاثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٥ - الاثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٦هـ

مقالات

حكمة السرايات

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

كُلّ‭ ‬الدروب‭ ‬تبدأ‭ ‬بخطوةٍ،‭ ‬إلا‭ ‬درب‭ ‬المروءة‭ ‬فهو‭ ‬يبدأ‭ ‬بوقفة‭.‬

كان‭ ‬جدّي‭ ‬امام‭ ‬المسجد‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬قريتنا،‭ ‬ويسمّي‭ ‬الناس‭ ‬المسجد‭ ‬باسمه‭ (‬مسجد‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭)‬،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬مسمى‭ ‬المسجد‭ ‬يتغير‭ ‬بتغيّر‭ ‬امامه،‭ ‬والشاهد‭ ‬أن‭ ‬إمامة‭ ‬المسجد‭ ‬كانت‭ ‬ترتبط‭ ‬عند‭ ‬جدتي‭ ‬باقتناء‭ ‬التقويم‭ ‬السنوي‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬مرجعاً‭ ‬لمواعيد‭ ‬الصلاة‭ ‬والصوم‭ ‬ووقت‭ ‬الإمساك‭ ‬والافطار،‭ ‬ومسميات‭ ‬مراحل‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحركة‭ ‬النجوم‭ ‬والأجرام،‭ ‬وكان‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬نظري‭ ‬أثناء‭ ‬مطالعتي‭ ‬للتقويم‭ ‬معه‭ ‬بعض‭ ‬المسميات‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬المراحل‭ ‬الانتقالية‭ ‬بين‭ ‬الفصول،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬مسمى‭ (‬السرايات‭) ‬تلك‭ ‬الرياح‭ ‬الموسميّة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬ذيل‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬مُعلنة‭ ‬قدوم‭ ‬الربيع،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬طقسية‭ ‬مميزة‭ ‬لأنها‭ ‬متقلّبة‭ ‬وغير‭ ‬مستقرة‭ ‬ويصعب‭ ‬على‭ ‬الانسان‭ ‬حينها‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالتالي‭ ‬من‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬ولكنها‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬رياح‭ ‬شمالية‭ ‬شديدة‭ ‬متخبطة‭ ‬في‭ ‬اتجاهاتها،‭ ‬جافة‭ ‬غالباً،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالغبار‭ ‬أو‭ ‬بعاصفة‭ ‬رملية‭ ‬حيناً،‭ ‬وبالغيوم‭ ‬الركامية‭ ‬والأمطار‭ ‬الرعدية‭ ‬الغزيرة‭ ‬حيناً‭ ‬آخر‭.‬

وفي‭ ‬تعريفٍ‭ ‬أدبيّ‭ ‬للسرايات‭ ‬يقول‭: (‬إنها‭ ‬مزاج‭ ‬الريح‭ ‬عندما‭ ‬تفقد‭ ‬صوابها‭ ‬في‭ ‬شهوة‭ ‬الجنون‭ ‬للعصف‭ ‬والاقتلاع‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الغفلة،‭ ‬غير‭ ‬آبهة‭ ‬بحرمة‭ ‬السكون‭ ‬وأمن‭ ‬الكائنات‭).‬

فقد‭ ‬أسقط‭ ‬الأديب‭ ‬البحريني‭ ‬الفنان‭ ‬عيسى‭ ‬محمد‭ ‬هجرس‭ ‬فكرة‭ ‬موسم‭ ‬السرايات‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬له‭ ‬يحمل‭ ‬نفس‭ ‬الاسم‭ ‬مُعللا‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ (‬لموجات‭ ‬الفكر‭ ‬سراياتها‭ ‬التي‭ ‬تهبّ‭ ‬في‭ ‬مناخات‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والعواطف،‭ ‬فتجُرّ‭ ‬قوافل‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬البلاغة‭ ‬وأفق‭ ‬الخيال،‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬طرائد‭ ‬الإبداع،‭ ‬حرفاً‭ ‬ونغماً‭ ‬في‭ ‬شفرة‭ ‬الأسرار‭ ‬وغموض‭ ‬الذات‭).‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬تدشين‭ ‬كتاب‭ ‬السرايات‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬ونال‭ ‬ما‭ ‬ناله‭ ‬من‭ ‬اطراء‭ ‬وقراءات‭ ‬نقدية‭ ‬وتحليلية‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬ولا‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬كتبت‭ ‬عنه‭ ‬للقراء‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬كاتبه‭ ‬قد‭ ‬ناله‭ ‬من‭ ‬إطرائي‭ ‬ما‭ ‬ناله‭ ‬وقتها،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬إعادة‭ ‬اصدار‭ ‬الطبعة‭ ‬الثانية‭ ‬له،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬السرايات‭ ‬الأدبية‭ -‬على‭ ‬الرُغم‭ ‬من‭ ‬انها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مزيجا‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬مختلفة‭ ‬شخصية‭ ‬وغير‭ ‬شخصية‭ ‬لكاتبها‭- ‬هي‭ ‬ترجمة‭ ‬حقيقية‭ ‬لمشاعر‭ ‬الإنسان‭ ‬الموحدّة‭ ‬وتجاربه‭ ‬المتكررة،‭ ‬فهي‭ ‬قصص‭ ‬الانسان‭ ‬وحكاياته‭ ‬ومشاعره‭ ‬المتناقضة‭ ‬مجتمعة‭ ‬في‭ ‬ومضات‭ ‬فلسقية‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬الحكمة‭ ‬التي‭ ‬تكونت‭ ‬عبر‭ ‬مراحل‭ ‬عمرية‭ ‬مختلفة‭ ‬بحلوها‭ ‬ومُرّها،‭ ‬فقد‭ ‬وجدتها‭ ‬جديرة‭ ‬بأن‭ ‬يصل‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ليتلمس‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬جمال،‭ ‬لذا‭ ‬ستكون‭ ‬الفقرات‭ ‬التالية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سرايات‭ ‬فكرية‭ ‬انتقيتها‭ ‬من‭ ‬ما‭ ‬مجموعه‭ ‬1060‭ ‬سراية‭ ‬مليئة‭ ‬بالحكمة‭ ‬والعاطفة‭ ‬والإنسانية‭:‬

الكلمة‭ ‬قد‭ ‬تسقُط‭ ‬من‭ ‬شاهق‭ ‬ولا‭ ‬تُصاب‭ ‬بأذى‭ ‬وقد‭ ‬تسقط‭ ‬من‭ ‬كلمةٍ‭ ‬ولا‭ ‬تقوم‭ ‬لك‭ ‬قائمة‭.‬

الأخوّة‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬الأخوّة‭ ‬إن‭ ‬كُنت‭ ‬تأكل‭ ‬وأنا‭ ‬أشبع‭ ‬وكُلّ‭ ‬منّا‭ ‬للخرق‭ ‬يرقع‭.‬

حكمة‭ ‬الحياة‭ ‬بين‭ ‬ظُلمة‭ ‬الرحم‭ ‬وظلمة‭ ‬القبر‭ ‬خيطُ‭ ‬نورٍ‭ ‬نُسمّيه‭ ‬الحياة،‭ ‬ومسافة‭ ‬خطوة‭ ‬ندعوها‭ ‬العمر‭.‬

رجولة‭.. ‬رأيت‭ ‬من‭ ‬بجسمه‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬محطات‭ ‬الرجولة،‭ ‬ومازال‭ ‬عقله‭ ‬يحبو‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬الطفولة‭.‬

وفي‭ ‬مدرسة‭ ‬الحياة‭ ‬كثيرً‭ ‬ممّن‭ ‬تخرّجوا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الرجولة،‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬منهم‭ ‬الطفولة‭.‬

في‭ ‬التسامح‭ ‬

لا‭ ‬أريد‭ ‬قوة‭ ‬لمُحاربة‭ ‬الأعداء‭ ‬وقهرهم،‭ ‬ولكني‭ ‬بحاجة‭ ‬للمحبّة‭ ‬لكسر‭ ‬الكراهية‭ ‬بسيف‭ ‬ودّهم‭.‬

لنكُن‭ ‬كالشموع‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬ألوانها‭ ‬وتعددت‭ ‬أشكالها‭ ‬في‭ ‬الاحتراق،‭ ‬لها‭ ‬لون‭ ‬ضوء‭ ‬واحد‭.‬

صديق‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬للعمر‭ ‬مسافة‭ ‬أجدد‭ ‬فيها‭ ‬اسم‭ ‬صديق،‭ ‬قديمي‭ ‬هو‭ ‬رفيق‭ ‬دربي‭ ‬وكلّ‭ ‬قادمٍ‭ ‬عابر‭ ‬طريق‭.‬

وطن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬زمن،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المسافات‭ ‬سكن،‭ ‬

وكلّ‭ ‬مقامٍ‭ ‬لا‭ ‬يُساوي‭ ‬نغمة،‭ ‬إذا‭ ‬ضاعت‭ ‬معزوفة‭ ‬الوطن‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا