العدد : ١٧٣٣٧ - الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٧ - الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٨ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الهوس بالمرض

في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينصب‭ ‬نفسه‭ ‬خبيرا‭ ‬طبيا‭ ‬اختصاصيا،‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬علم،‭ ‬بل‭ ‬بحكم‭ ‬أنه‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬معين‭ ‬وشفي‭ ‬منه،‭ ‬وأسوأ‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬يفتي‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬المرض‭ ‬والطب‭ ‬بشهادات‭ ‬‮«‬سمعية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬سمع‭ ‬ان‭ ‬فلان‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭ ‬وكتب‭ ‬له‭ ‬الشفاء‭ ‬لأنه‭ ‬تعاطى‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وبما‭ ‬يشبه‭ ‬‮«‬القياس‮»‬‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬يبذل‭ ‬النصح‭ ‬للناس‭ ‬حول‭ ‬أمراضهم‭ ‬وسبل‭ ‬التداوي‭.‬

وكلما‭ ‬زرت‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬أقاربنا‭ ‬بثوا‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلبي،‭ ‬بأجهزتهم‭ ‬الطبية،‭ ‬فتلك‭ ‬تأتيك‭ ‬بجهاز‭ ‬قياس‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬وذاك‭ ‬يفحص‭ ‬لك‭ ‬نسبة‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬الدم،‭ ‬وثالث‭ ‬يتسلى‭ ‬بالسماع‭ ‬الى‭ ‬نبضات‭ ‬قلبك،‭ ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الاجهزة‭ ‬ضرورية‭ ‬لبعض‭ ‬الناس،‭ ‬خاصة‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬العلل‭ ‬المزمنة،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬اتجنبها‭ ‬تجنبي‭ ‬للمسلسلات‭ ‬العربية‭ ‬والتركية‭ ‬والمكسيكية‭ ‬والهندية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬وبصراحة‭ ‬أكثر‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬فحص‭ ‬السكري‭ ‬بالذات،‭ ‬لأنني‭ ‬اعرف‭ ‬انني‭ ‬لن‭ ‬اتقيد‭ ‬بأي‭ ‬قرار‭ ‬يمنعني‭ ‬من‭ ‬اكل‭ ‬التمر‭ ‬والبطيخ‭ ‬والشمام،‭ ‬ولا‭ ‬أمانع‭ ‬في‭ ‬قياس‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬إذا‭ ‬جلست‭ ‬امام‭ ‬طبيب،‭ ‬ولكنني‭ ‬لست‭ ‬مستعدا‭ ‬لجعل‭ ‬نفسي‭ ‬فريسة‭ ‬لوساوس‭ ‬منشؤها‭ ‬جهاز‭ ‬قابع‭ ‬في‭ ‬بيتي،‭ ‬وأخشى‭ ‬اصابتي‭ ‬بارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬لأنني‭ ‬اعيش‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬يغلي‭ ‬دم‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬عروقه‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬الغيظ‭ ‬والقهر،‭ ‬ولأن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬هو‭ ‬نصيبي‭ ‬من‭ ‬ورثة‭ ‬الوالد،‭ ‬سامحه‭ ‬الله‭ ‬وطيب‭ ‬ثراه،‭ ‬وقد‭ ‬قرات‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬ان‭ ‬السيدة‭ ‬مارجريت‭ ‬لين‭ ‬البريطانية‭ ‬تركت‭ ‬عند‭ ‬وفاتها‭ ‬بيتا‭ ‬ريفيا‭ ‬تناهز‭ ‬قيمته‭ ‬المليون‭ ‬دولار‭ ‬لقطتها‭ ‬تينكر‭ ‬وأوصت‭ ‬لها‭ ‬ايضا‭ ‬بـ150‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬مصروفات‭ ‬نثرية،‭ ‬بينما‭ ‬ترك‭ ‬لي‭ ‬السيد‭ ‬عباس‭ ‬أفواها‭ ‬كلما‭ ‬اطعمتها‭ ‬صاحت‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬مزيد‭!! ‬سبحان‭ ‬الله،‭ ‬فمع‭ ‬هذا‭ ‬أدعو‭ ‬لعباس‭ ‬بالرحمة‭ ‬والمغفرة‭ ‬كلما‭ ‬جاء‭ ‬ذكره،‭ ‬وأجد‭ ‬سعادة‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بالالتزامات‭ ‬التي‭ ‬القى‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬عاتقي،‭ ‬بينما‭ ‬اقارب‭ ‬مارجريت‭ ‬لين‭ ‬يلعنونها‭ ‬صبحا‭ ‬وعشية‭ ‬كلما‭ ‬تذكروا‭ ‬انه‭ ‬فضلت‭ ‬القطة‭ ‬عليهم‭!!‬

المهم‭ ‬ان‭ ‬جهازا‭ ‬طبيا‭ ‬خطيرا‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬الى‭ ‬الاسواق‭ ‬قريبا،‭ ‬وسيلقى‭ ‬رواجا‭ ‬عظيما‭ ‬لدى‭ ‬الموسوسين‭ ‬والمصابين‭ ‬بالهايبوكوندريا،‭ ‬وهم‭ ‬الجماعة‭ ‬الذي‭ ‬يحسبون‭ ‬انهم‭ ‬مصابون‭ ‬بأمراض‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها،‭ ‬وإذا‭ ‬سمعوا‭ ‬أن‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬شكا‭ ‬من‭ ‬صداع‭ ‬واتضح‭ ‬ان‭ ‬في‭ ‬دماغه‭ ‬ورماً،‭ ‬رموا‭ ‬البندول‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬القمامة‭ ‬وسافروا‭ ‬الى‭ ‬الخارج‭ ‬لاستئصال‭ ‬الورم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬باختصار‭ ‬فإن‭ ‬المصابين‭ ‬بالهايبوكوندريا‭ ‬يفصلون‭ ‬أمراض‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬مقاساتهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬يكون‭ ‬مصابا‭ ‬بالسرطان‭ ‬والملاريا‭ ‬والدوسنتاريا‭ ‬والإنفلونزا‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬الأيام‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الوسواس‭ ‬المرضي‭ ‬ويجالس‭ ‬امرأة‭ ‬تشكو‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬علل‭ ‬لا‭ ‬تصيب‭ ‬إلا‭ ‬النساء،‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬يفارقها‭ ‬وهو‭ ‬مقتنع‭ ‬بأنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تكيس‭ ‬في‭ ‬المبيض‭ ‬وورم‭ ‬في‭ ‬عنق‭ ‬الرحم‭. ‬وبالمقابل‭ ‬فقد‭ ‬تجد‭ ‬امرأة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الهايبوكوندريا‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬تضخم‭ ‬البروستات،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تقنعها‭ ‬بأن‭ ‬النساء‭ ‬لسن‭ ‬مزودات‭ ‬ببروستات،‭ ‬لأنها‭ ‬ستعتبرك‭ ‬‮«‬حاسد‮»‬‭. ‬ونعود‭ ‬الى‭ ‬الجهاز‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬اسماه‭ ‬الدكتور‭ ‬البريطاني‭ ‬بول‭ ‬ديبينام‭ ‬امام‭ ‬المؤتمر‭ ‬السنوي‭ ‬للرابطة‭ ‬البريطانية‭ ‬للتقدم‭ ‬العلمي‭ ‬بالصندوق‭ ‬الجيني‭ ‬الاسود،‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يفحص‭ ‬جيناتك‭ ‬ويبلغك‭ ‬بحالتك‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ربع‭ ‬ساعة،‭ ‬ويمكنك‭ ‬ان‭ ‬تتجول‭ ‬وانت‭ ‬تحمل‭ ‬الجهاز‭ ‬ثم‭ ‬تبصق‭ ‬عليه‭: ‬تفو،‭....‬فيرد‭ ‬عليك‭ ‬بعد‭ ‬فحص‭ ‬لعابك‭: ‬الله‭ ‬يسامحك‭ ‬ويشفيك‭ ‬واللي‭ ‬تحسبه‭ ‬نزلة‭ ‬برد،‭ ‬يا‭ ‬ثور‭.. ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الامر‭ ‬التهاب‭ ‬سحايا،‭ ‬فتوجه‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬مستشفى‭! ‬وتحاول‭ ‬ممارسة‭ ‬رياضة‭ ‬المشي‭ ‬وبعد‭ ‬دقائق‭ ‬يصيح‭ ‬فيك‭ ‬الجهاز‭: ‬بلاش‭ ‬هبل‭ ‬واطلب‭ ‬الاسعاف‭ ‬لأن‭ ‬قلبك‭ ‬سيخذلك‭ ‬لو‭ ‬مشيت‭ ‬خطوة‭ ‬إضافية‭!! ‬باختصار‭ ‬فإن‭ ‬الجهاز‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يستنتج‭ ‬حتى‭ ‬قابليتك‭ ‬لبعض‭ ‬الامراض،‭ ‬فيحذرك‭ ‬مثلا‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬نسبة‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬دمك‭ ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل،‭ ‬ولو‭ ‬ما‭ ‬لحقت‭ ‬نفسك‭ ‬لا‭ ‬تلوم‭ ‬إلا‭ ‬نفسك‭! ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬مفيد‭ ‬جدا‭ ‬للصيادلة‭ ‬مثلا،‭ ‬فباستخدامه‭ ‬يستطيعون‭ ‬ان‭ ‬يعرفوا‭ ‬خلال‭ ‬دقائق‭ ‬ما‭ ‬اذا‭ ‬كنت‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬من‭ ‬الادوية‭ ‬الموصوفة‭ ‬لك،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬ايجابيات‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬أنه‭ ‬وكالعادة‭ ‬سيكون‭ ‬موضة‭ ‬عند‭ ‬الاغنياء‭ ‬فقط‭ ‬لان‭ ‬سعره‭ ‬الحالي‭ ‬نحو‭ ‬تسعة‭ ‬الاف‭ ‬دولار،‭ ‬والموظف‭ ‬الغلبان‭ ‬لن‭ ‬يحس‭ ‬بعافية‭ ‬لو‭ ‬أنفق‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬المبلغ‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬اهميته‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مجرد‭ ‬سماع‭ ‬سعره‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬له‭ ‬جلطة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا