العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٢ - الاثنين ٢٨ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ شوّال ١٤٤٦هـ

مقالات

سحابة رأي: استوديو «غيبلي» أنموذج لتجاوزات الذكاء الاصطناعي للملكية الفكرية

بقلم: إسراء القصاب

الأحد ٢٠ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

تتعدد‭ ‬اتجاهات‭ ‬الأحداث‭ ‬الشائعة‭ ‬أو‭ ‬المواضيع‭ ‬الرائجة‭ (‬التريند‭) ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتختلف‭ ‬فترة‭ ‬رواجها‭ ‬وتداولها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المستخدمين‭ ‬بعمق‭ ‬تأثيرها‭ ‬وإمكانية‭ ‬تمريرها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المنصات،‭ ‬ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬بتنوع‭ ‬المنصات‭ ‬وشرائح‭ ‬المستخدمين‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النوع‭ ‬والسن‭ ‬والسلوك‭ ‬والاهتمامات،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬والبديهي‭ ‬أن‭ ‬نلمس‭ ‬مدى‭ ‬الاختلاف‭ ‬والتفاوت‭ ‬النوعي‭ ‬في‭ ‬محتواها؛‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تتسق‭ ‬مع‭ ‬توجه‭ ‬مختلف‭ ‬المنصات‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬توجه‭ ‬يمس‭ ‬قضايا‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭.‬

ومؤخرًا‭ ‬اجتاحت‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هبة‭ ‬جديدة؛‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الصور‭ ‬الشخصية‭ ‬إلى‭ ‬رسوم‭ ‬كارتونية‭ ‬تحاكي‭ ‬أسلوب‭ ‬استوديو‭ (‬غيبلي‭) ‬الشهير،‭ ‬وذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬استوديو‭ (‬غيبلي‭) ‬هو‭ ‬استوديو‭ ‬ياباني‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬اتجه‭ ‬أيضًا‭ ‬نحو‭ ‬إنتاج‭ ‬الإعلانات‭ ‬والأفلام،‭ ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬عنه‭ ‬دقة‭ ‬الرسوم‭ ‬المتقنة‭ ‬والمتميزة‭ ‬بألوانها‭ ‬الدافئة،‭ ‬وقد‭ ‬فازت‭ ‬وترشحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬لجوائز‭ ‬مهمة‭ ‬متعلقة‭ ‬بذات‭ ‬السياق‭.‬

وبدأ‭ ‬هذا‭ (‬التريند‭) ‬بعدما‭ ‬طرحت‭ ‬شركة‭ (‬أوبن‭ ‬إيه‭ ‬آي‭) ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬وتطوير‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تحديثًا‭ ‬جديدًا‭ ‬لتوليد‭ ‬الصور‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي؛‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تحميل‭ ‬المستخدم‭ ‬صوره‭ ‬الشخصية‭ ‬لتخضع‭ ‬لعمليات‭ ‬معالجة‭ ‬بمجرد‭ ‬إدخال‭ ‬الطلب‭ ‬في‭ ‬النظام،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬رسوم‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬رسوم‭ (‬غيبلي‭) ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬للمستخدم‭ ‬تنزيلها‭ ‬واستخدامها،‭ ‬حيث‭ ‬أتاحت‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬وحازت‭ ‬شعبية‭ ‬عالية‭ ‬بين‭ ‬المستخدمين،‭ ‬وأثارت‭ ‬حماس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬رسوم‭ ‬استوديو‭ (‬غيبلي‭) ‬لتجربتها؛‭ ‬بهدف‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بذكرى‭ ‬تحاكي‭ ‬نمط‭ ‬أفلام‭ ‬الكارتون‭ ‬المفضلة‭ ‬لديهم‭ ‬إمكانية‭ ‬تجربة‭ ‬هذا‭ ‬التحديث‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬صورتين‭ ‬مجانيتين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬باقي‭ ‬الصور‭ ‬مدفوعة‭ ‬باشتراك‭ ‬شهري‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ (‬التريند‭) ‬لاقى‭ ‬استحسان‭ ‬المستخدمين؛‭ ‬فإنه‭ ‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬الجوانب‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقانونية‭ ‬لاستباحة‭ ‬شركات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬استخدام‭ ‬نماذج‭ ‬فنية‭ ‬مستوحاة‭ ‬أو‭ ‬مقتبسة‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬محمية‭ ‬بحقوق‭ ‬الطبع‭ ‬والنشر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لهذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الاستفادة‭ ‬المادية‭ ‬الخيالية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬شركة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬موجة‭ (‬التريند‭) ‬التي‭ ‬تتفوق‭ ‬بأضعاف‭ ‬مضاعفة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحققه‭ ‬مؤسسو‭ ‬الاستوديو‭ ‬الذين‭ ‬افنوا‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬وتطويرها‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬الأرباح‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬الشركة‭ ‬نتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الاقتباس‭ ‬الفني‭! ‬

إن‭ ‬الاعتراض‭ ‬المطروح‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬اعتراضًا‭ ‬على‭ ‬جوهر‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬إمكانياته‭ ‬كأداة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬سرعة‭ ‬الإنتاج‭ ‬والانتشار‭ ‬للفن‭ ‬والفنانين؛‭ ‬وإنما‭ ‬موضع‭ ‬الاعتراض‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التجاوزات‭ ‬الصريحة‭ ‬والانتهاك‭ ‬الصارخ‭ ‬لحقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬وضرب‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬بجهود‭ ‬الفنانين‭ ‬المبذولة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مراعاة‭ ‬تذكر‭! ‬

ومن‭ ‬منطلق‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬لجأ‭ ‬الاستوديو‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬ورفع‭ ‬دعوى‭ ‬انتهاك‭ ‬لحقوق‭ ‬الملكية‭ ‬ضد‭ ‬الشركة،‭ ‬وحذا‭ ‬حذوه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬والجهات‭ ‬الأخرى‭ ‬الذين‭ ‬رفعوا‭ ‬قضايا‭ ‬مماثلة‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الشركة‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬السياق،‭ ‬التي‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تجيء‭ ‬نتائجها‭ ‬لصالح‭ ‬الحقوق‭ ‬المنتهكة‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬تلافي‭ ‬أي‭ ‬انتهاكات‭ ‬مماثلة‭ ‬مستقبلًا،‭ ‬وخاصة‭ ‬إبان‭ ‬غياب‭ ‬الأطر‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تجرم‭ ‬تدريب‭ ‬نماذج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬على‭ ‬أنماط‭ ‬الأساليب‭ ‬البصرية‭.‬

حاليًا‭ ‬تتوجه‭ ‬أبصار‭ ‬المهتمين‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الدعوى‭ ‬القضائية،‭ ‬وذلك‭ ‬إبان‭ ‬ادعاء‭ ‬الشركة‭ ‬أنها‭ ‬اتخذت‭ ‬إطار‭ ‬‮«‬الاستخدام‭ ‬العادل‮»‬‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬نماذجها؛‭ ‬وهو‭ ‬مبدأ‭ ‬قانوني‭ ‬يتيح‭ ‬الاستخدام‭ ‬المحدود‭ ‬للمحتوى‭ ‬المحمي‭ ‬بهدف‭ ‬البحث‭ ‬أو‭ ‬النقد‭ ‬أو‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬النشر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاستوديو‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬دعواه‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬نماذج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬على‭ ‬محتوى‭ ‬محمي‭ ‬بحقوق‭ ‬النشر‭ ‬دون‭ ‬أذن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يغير‭ ‬مجرى‭ ‬القضية‭ ‬لصالحهم،‭ ‬لذلك‭ ‬تضغط‭ ‬الشركة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬والكونغرس‭ ‬لتضمين‭ ‬استخدام‭ ‬المحتوى‭ ‬المحمي‭ ‬ضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الاستخدام‭ ‬العادل‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الانتشار‭ ‬العالمي‭ ‬للميزة‭ ‬التي‭ ‬أتاحتها‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بشكل‭ ‬مدفوع‭ ‬وحققت‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬نسبة‭ ‬أرباح‭ ‬خيالية‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬جملًا‭ ‬وتفصيلًا،‭ ‬ويبقى‭ ‬الحكم‭ ‬النهائي‭ ‬لشرعية‭ ‬الاستخدام‭ ‬رهن‭ ‬قرار‭ ‬القضاء‭ ‬الأمريكي‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سابقة‭ ‬قانونية‭ ‬واضحة‭ ‬كمرجع‭ ‬تستند‭ ‬عليه‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تصادم‭ ‬الآراء‭ ‬المتباينة‭ ‬والجدل‭ ‬المتصاعد‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تحت‭ ‬مجهر‭ ‬المشرع‭ ‬القانوني‭ ‬بشكل‭ ‬عالمي،‭ ‬وذلك‭ ‬لوضع‭ ‬أطر‭ ‬قانونية‭ ‬واضحة‭ ‬وصريحة‭ ‬لتنظيم‭ ‬عمليات‭ ‬تدريب‭ ‬نماذج‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬الفنانين‭ ‬والمبدعين‭ ‬وحفظ‭ ‬جهودهم،‭ ‬وذلك‭ ‬لتلافي‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬على‭ ‬ظهورهم‭ ‬وبما‭ ‬يضر‭ ‬بهم‭ ‬وبمصالحهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬منبثق‭ ‬فكرة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وأساس‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬هو‭ ‬تسهيل‭ ‬حياة‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وأن‭ ‬غياب‭ ‬التشريعات‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تقوض‭ ‬هذه‭ ‬التجاوزات‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬أنانية‭ ‬شركات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ظلم‭ ‬المبدعين‭ ‬والفنانين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا