في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة، بات من الضروري أن تتبنى البحرين استراتيجيات استباقية تضمن أمنها الدوائي وتعزز استدامة اقتصادها عبر تطوير قطاع صناعة الأدوية محليًا. هذه الخطوة لا تندرج فقط ضمن مساعي تنويع مصادر الدخل، بل تمثل محورًا استراتيجيًا يمس الأمن الصحي، ويعزز المكانة الإقليمية والدولية للمملكة في مجالات البحث والتطوير، والتصنيع الدوائي الحديث.
البدء في تصنيع الأدوية داخل البحرين يسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد، ما ينعكس إيجابًا على الميزانية العامة ويخفف من تقلبات التكاليف المرتبطة بأسعار الشحن والإمداد العالمي. هذا التوجه لا يعزز فقط من الاستدامة الاقتصادية، بل يخلق دورة اقتصادية محلية نشطة تشمل التصنيع، والتوزيع، والتصدير، ما يدعم الناتج المحلي ويوفر فرصًا جديدة للنمو.
ومن أهم الآثار المباشرة لهذا التوجه هو توفير فرص عمل نوعية للبحرينيين، سواء في خطوط الإنتاج أو في مجال البحث الصيدلي، أو إدارة سلاسل الإمداد والتوزيع. وإلى جانب ذلك، يمكن للبحرين أن تفتح آفاقًا جديدة أمام المختبرات الصيدلانية عبر إنشاء مراكز بحوث وطنية تعمل على تطوير تركيبات دوائية مبتكرة بالتعاون مع الجامعات المحلية والخبرات الدولية، ما يعزز من جودة الابتكار ويمنح المملكة ريادة إقليمية في هذا المجال.
ولضمان تنافسية هذا القطاع من المهم اعتماد المعايير العالمية في تصميم وتشغيل المختبرات الصيدلانية، بما في ذلك نظم الجودة، ودقة التحاليل، وسلامة المنتجات. ثم إن التحول إلى استخدام الشريط الإلكتروني بدلاً من الورقي على علب الأدوية يسهم في تعزيز الشفافية، وتوضيح مكونات الأدوية بشكل آن ودقيق، ويقلل من وزن وتكاليف الشحن والتوزيع، ما يمنح الصناعة المحلية ميزة تنافسية إضافية.
البحرين مؤهلة كذلك لتكون مركزًا إقليميًا لإدارة المختبرات وصناعة الأدوية، حيث يمكن استقطاب الشركات الدولية لإقامة شراكات استراتيجية، ونقل المعرفة، وتطوير الصناعات الحيوية محليًا. هذا المركز يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تلميع اسم البحرين في المحافل الدولية، ليس فقط كدولة منتجة، بل كمحور للابتكار الدوائي في الخليج والمنطقة.
التوسع في قطاع الأدوية يمهد الطريق أيضًا نحو أسواق التصدير الخليجية والدولية، ولا سيما إذا تم اعتماد شهادات جودة عالمية تتيح للمنتجات البحرينية دخول الأسواق الأوروبية والآسيوية بثقة ومصداقية. كما أن تعزيز البيئة التنظيمية لتسجيل الأدوية وتسريع الموافقات يمكن أن يجعل البحرين بيئة مثالية للمصنّعين العالميين الباحثين عن قاعدة تشغيل مرنة ومنظمة في المنطقة.
تحت قيادة جلالة الملك المعظم، وبدعم سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظهم الله ورعاهم، تستمر البحرين في طرح مشاريع نوعية تعزز من مكانتها الاقتصادية والصحية على حد سواء. تصنيع الأدوية محليًا ليس مجرد قطاع، بل استراتيجية وطنية تنسجم مع أهداف الاستدامة، وتفتح أبوابًا واسعة للبحرين لتكون رائدة في صناعة تعتمد على المعرفة والبحث والتطوير، في خدمة شعبها وشركائها في المنطقة.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك