العدد : ١٧١٩٣ - السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٣ - السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٦هـ

قضـايــا وحـــوادث

الإبادة البيئية الشاملة في غزة وأوكرانيا

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

الحروب‭ ‬كلها‭ ‬شر،‭ ‬وكلها‭ ‬دمار،‭ ‬وكلها‭ ‬إفساد‭ ‬للحرث‭ ‬والنسل،‭ ‬والشجر‭ ‬والحجر،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تُبقي‭ ‬ولا‭ ‬تذر،‭ ‬وتقضي‭ ‬على‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس،‭ ‬ولا‭ ‬يجني‭ ‬أحد‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬الخسائر‭ ‬والضحايا‭ ‬والكوارث‭ ‬المادية،‭ ‬والمعنوية،‭ ‬والنفسية‭. ‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الضحايا‭ ‬البشرية‭ ‬وإبادة‭ ‬الإنسان‭ ‬الجماعية،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بمعاناة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬قُتلوا‭ ‬أو‭ ‬جرحوا،‭ ‬والآلام‭ ‬التي‭ ‬يقاسون‭ ‬منها‭ ‬هم‭ ‬وأسرهم‭ ‬ووقعوا‭ ‬فيها‭ ‬جراء‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬جسدية‭ ‬عضوية،‭ ‬أو‭ ‬نفسية‭ ‬عقلية‭.‬

أما‭ ‬الضحايا‭ ‬الصامتة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تسقط‭ ‬بسبب‭ ‬الحروب،‭ ‬والتي‭ ‬ليس‭ ‬بقُدرتها‭ ‬التكلم‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ورفع‭ ‬صوتها،‭ ‬وتقديم‭ ‬الشكوى‭ ‬لما‭ ‬أصابها‭ ‬من‭ ‬ضررٍ‭ ‬جسيم‭ ‬وعميق،‭ ‬فقد‭ ‬يتم‭ ‬عادة‭ ‬نسيانها‭ ‬وغض‭ ‬الطرف‭ ‬عنها،‭ ‬ولا‭ ‬تُحسب‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عنها‭ ‬وتعرضت‭ ‬لها‭. ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬الضحايا‭ ‬الصامتة‭ ‬هي‭ ‬البيئة‭ ‬ومكوناتها‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬فطرية‭ ‬نباتية‭ ‬وحيوانية،‭ ‬ومن‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬الأخرى‭ ‬كالهواء،‭ ‬والمسطحات‭ ‬المائية،‭ ‬والتربة‭ ‬السطحية‭. ‬ففي‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬تقع‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬شاملة،‭ ‬وجرائم‭ ‬منهجية‭ ‬متعمدة‭ ‬للبيئة‭ ‬برمتها،‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها،‭ ‬وبكل‭ ‬أنظمتها‭ ‬البيئية،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬تدميرها‭ ‬كليا،‭ ‬فتكون‭ ‬بعدها‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للحياة‭ ‬البشرية،‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬والعطاء‭ ‬للناس‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭. ‬فهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المباشرة‭ ‬للبيئة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬للبشر،‭ ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬سلامة‭ ‬البيئة‭ ‬وأمنها‭ ‬لا‭ ‬تستديم‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭. ‬وهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة‭ ‬المنهجية‭ ‬المتعمدة‭ ‬لعناصر‭ ‬البيئة‭ ‬ومواردها‭ ‬وثرواتها‭ ‬الفطرية‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬مصطلح‭ ‬تعريف‭ (‬Ecocide‭) ‬عند‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬

ومن‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬اليوم‭ ‬أمامنا‭ ‬وعانت‭ ‬منها‭ ‬البيئية‭ ‬الكرب‭ ‬العظيم‭ ‬وعلى‭ ‬نطاقٍ‭ ‬واسع‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬غزة،‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬والسودان‭. ‬ولكن‭ ‬معظم‭ ‬المعلومات‭ ‬الموثقة،‭ ‬والتقارير‭ ‬الميدانية‭ ‬تكون‭ ‬أولاً‭ ‬حول‭ ‬أوكرانيا‭ ‬حيث‭ ‬وفرة‭ ‬المعلومات‭ ‬لسهولة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬الأحداث‭ ‬والمعارك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬الغربية‭ ‬عليها‭ ‬والاهتمام‭ ‬بها‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬وأعمق،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬تأتي‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬معظم‭ ‬المشاهد‭ ‬تكون‭ ‬منقولة‭ ‬وعلى‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬زيارتها‭ ‬ميدانيا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأمنية‭ ‬لإجراء‭ ‬تقييم‭ ‬نوعي‭ ‬وكيفي‭ ‬لحجم‭ ‬الضرر‭ ‬والخسائر،‭ ‬ونوعية‭ ‬البيئات‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬تدمرت‭ ‬كليا‭ ‬أو‭ ‬جزئيا،‭ ‬وأعداد‭ ‬الكائنات‭ ‬الفطرية‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭. ‬وأخيراً‭ ‬فهناك‭ ‬شح‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬البيانات‭ ‬الموثقة‭ ‬حول‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬في‭ ‬السودان‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬فقد‭ ‬عانت‭ ‬البيئة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الفطرية‭ ‬الطبيعية‭ ‬معاناة‭ ‬شديدة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنواع‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬النباتية،‭ ‬وهذه‭ ‬الأضرار‭ ‬المادية‭ ‬لحقت‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مباشر‭ ‬موارد‭ ‬البيئة‭ ‬والأنظمة‭ ‬البيئية‭ ‬البرية،‭ ‬والبحرية‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭. ‬فهناك‭ ‬دراسة‭ ‬ميدانية‭ ‬أُجريت‭ ‬على‭ ‬التغيرات‭ ‬الكيميائية،‭ ‬والفيزيائية،‭ ‬والحيوية‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬على‭ ‬تربة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب،‭ ‬والمنشورة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2023‭ ‬من‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬المبادرات‭ ‬البيئية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‮»‬‭ (‬Ecoaction‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬التربة‭ ‬الأوكرانية‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬التحقيق‭ ‬الميداني‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬النيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر،‭ ‬ونُشر‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬أبريل‭ ‬2025‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬بيئة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المدمرة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬بزيارات‭ ‬ميدانية‭ ‬للمواقع‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬فيها‭ ‬المعارك‭ ‬الحربية،‭ ‬كما‭ ‬أُجريت‭ ‬مقابلات‭ ‬شخصية‭ ‬لخبراء‭ ‬وعلماء‭ ‬البيئة‭ ‬المحليين‭.‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬الجرائم‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬تفجير‭ ‬سد‭ ‬‮«‬كاكوفكا‮»‬‭ (‬Kakhovka‭) ‬في‭ ‬6‭ ‬يونيو‭ ‬2023،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬فيضانات‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬كثيرة‭ ‬وواسعة،‭ ‬وغمر‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأمتار‭ ‬المكعبة‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬السد‭ ‬لكل‭ ‬الأنظمة‭ ‬البيئية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬طريقها،‭ ‬كما‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬المحاصيل‭ ‬الزراعية،‭ ‬وبعض‭ ‬الغابات،‭ ‬ولوثت‭ ‬التربة‭ ‬الزراعية‭ ‬والفطرية‭ ‬وغيرت‭ ‬من‭ ‬خواصها‭ ‬الكيميائية‭ ‬والفيزيائية‭. ‬كذلك‭ ‬هدمت‭ ‬هذه‭ ‬المياه‭ ‬الجارفة‭ ‬جميع‭ ‬المصانع‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬أمامها،‭ ‬ومنها‭ ‬مصانع‭ ‬تكرير‭ ‬النفط‭ ‬ومصانع‭ ‬كيميائية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تلويث‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬تربة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالملوثات‭ ‬الزيتية،‭ ‬والعناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬السامة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تلويث‭ ‬الأنهار‭ ‬والبحار‭ ‬بهذه‭ ‬السموم‭ ‬المسرطنة‭ ‬الخطرة‭. ‬والعناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬لوثت‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬التربة‭ ‬والمياه‭ ‬السطحية،‭ ‬مثل‭ ‬الرصاص،‭ ‬والكادميوم،‭ ‬والكروميوم‭ ‬لتبقى‭ ‬عقودا‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وتتراكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬البيئية‭ ‬لأنها‭ ‬عناصر‭ ‬مستقرة،‭ ‬لا‭ ‬تتحلل،‭ ‬ولا‭ ‬تتغير،‭ ‬وتمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التضخم‭ ‬والتركيز‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬عناصر‭ ‬البيئية،‭ ‬ثم‭ ‬الانتقال‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬مستوى‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬ارتفع‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وبخاصة‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وسخونة‭ ‬الأرض،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الملوثات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تفسد‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬وتضر‭ ‬مباشرة‭ ‬بصحة‭ ‬الإنسان‭. ‬وهناك‭ ‬عدة‭ ‬مصادر‭ ‬لتلوث‭ ‬الهواء‭ ‬منها‭ ‬الانبعاثات‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الدبابات،‭ ‬والطائرات،‭ ‬وحرق‭ ‬الغابات،‭ ‬حسب‭ ‬التقرير‭ ‬المنشور‭ ‬من‭ ‬‮«‬الهيئة‭ ‬شبه‭ ‬الحكومية‭ ‬حول‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‮»‬‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬2025‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭: ‬التدمير‭ ‬البيئي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الحدود‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬انبعاث‭ ‬الملوثات‮»‬‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لغزة‭ ‬فقد‭ ‬أَجمعت‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المعنية‭ ‬بالبيئة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والسكن‭ ‬العمراني،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬ومحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يعد‭ ‬أفضل‭ ‬مثال‭ ‬يمكن‭ ‬تقديمه‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للبشر‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للشجر‭ ‬والحجر‭ ‬والبيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفطرية‭ ‬برمتها‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمكونات‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬هواء،‭ ‬وماء،‭ ‬وتربة‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬شبر‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬أصابه‭ ‬الضرر،‭ ‬ولحق‭ ‬به‭ ‬الأذى‭ ‬الشديد‭ ‬المستدام‭. ‬فهناك‭ ‬أولاً‭ ‬مخلفات‭ ‬الحرب‭ ‬الخطرة‭ ‬والقابلة‭ ‬للانفجار‭ ‬من‭ ‬الذخائر،‭ ‬والصواريخ،‭ ‬والقنابل،‭ ‬والألغام‭ ‬الموجودة‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وستبقى‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬غزة‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬قادمة،‭ ‬وستسبب‭ ‬أزمات‭ ‬أمنية‭ ‬مستمرة‭ ‬لسكان‭ ‬غزة‭ ‬جميعهم‭. ‬وثانياً‭ ‬هناك‭ ‬المخلفات‭ ‬الصلبة‭ ‬غير‭ ‬الخطرة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬تفجير‭ ‬وهدم‭ ‬المباني‭ ‬التي‭ ‬تقدر‭ ‬بملايين‭ ‬الأطنان،‭ ‬وبعضها‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬الأسبستوس‭ ‬المسببة‭ ‬لمرض‭ ‬الأسبستوسيس‭ ‬السرطاني‭. ‬وثالثاً‭ ‬المخلفات‭ ‬الصلبة،‭ ‬المعروفة‭ ‬بالقمامة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬القاسية‭ ‬أن‭ ‬تُدار‭ ‬بأسلوب‭ ‬بيئي‭ ‬وصحي‭ ‬سليمين،‭ ‬فهي‭ ‬تتراكم‭ ‬وتتجمع‭ ‬فتلوث‭ ‬التربة‭ ‬السطحية‭ ‬وتلوث‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬لسوء‭ ‬إدارتها‭ ‬والتخلص‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرشيح‭ ‬الناجم‭ ‬من‭ ‬تحلل‭ ‬الجزء‭ ‬العضوي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬تتسرب‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬الجوفية‭ ‬وتدهور‭ ‬نوعيتها‭ ‬وسلامتها،‭ ‬وتسبب‭ ‬للسكان‭ ‬مشكلات‭ ‬وأزمات‭ ‬صحية‭ ‬خطيرة‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬المخلفات‭ ‬الصلبة،‭ ‬فهناك‭ ‬مخلفات‭ ‬المجاري‭ ‬السائلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬محطات‭ ‬لمعالجتها‭ ‬بسبب‭ ‬تفجيرها‭ ‬وتدميرها‭ ‬كليا،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المياه‭ ‬الآسنة‭ ‬المحملة‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الجراثيم‭ ‬والميكروبات‭ ‬المرضية‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الناس‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مباشر،‭ ‬ويصابون‭ ‬بأمراض‭ ‬حادة‭ ‬معدية‭ ‬تنتشر‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬كانتشار‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭.‬

ورابعاً‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬صحة‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬وسلامة‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬التفجيرات‭ ‬المستمرة‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وحركة‭ ‬الطائرات،‭ ‬وتنقل‭ ‬الدبابات‭ ‬والجرافات‭ ‬والآليات‭ ‬الثقيلة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تدمر‭ ‬التربة،‭ ‬وتفككها‭ ‬وتفتتها‭ ‬وتجعلها‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للزراعة‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬فتؤثر‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬للناس،‭ ‬كما‭ ‬تقضي‭ ‬كليا‭ ‬على‭ ‬النباتات‭ ‬الفطرية‭ ‬الأصيلة‭ ‬والنادرة‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬غزة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الحيوانية‭ ‬البرية‭. ‬وقد‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الواشنطن‭ ‬بوست‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحقيقا‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬مايو‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬دمرت‭ ‬قدرة‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬زراعة‭ ‬غذائها‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الجرافات‭ ‬كانت‭ ‬بشكلٍ‭ ‬ممنهج‭ ‬ومتعمد‭ ‬تقتحم‭ ‬مزارع‭ ‬المحاصيل‭ ‬الزراعية‭ ‬فتدمر‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬كليا‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬المجاعة‭ ‬والجوع‭ ‬لسكان‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬والطويل‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬غزة‭ ‬الأبية‭ ‬والصامدة‭ ‬لجميع‭ ‬أنواع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬التاريخ‭ ‬مثيلاً،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬اعتراف‭ ‬جميع‭ ‬المنظمات‭ ‬الأممية‭ ‬بهذه‭ ‬الإبادة‭ ‬الفاشية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عجز‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬نصرة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬الضعيف‭ ‬المظلوم،‭ ‬ومحاسبة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬جرائمه‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬عين‭ ‬رأت،‭ ‬ولا‭ ‬أذن‭ ‬سمعت،‭ ‬ولم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬بشر‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا