على نطاق واسع قُوبل فرض التعريفات الجمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة في أبريل 2025 – والتي تراوحت من 10% إلى أكثر من 100% على المنتجات الصينية، باعتبارها المنافس الاقتصادي الأبرز لواشنطن– بانتقادات حادة من كبار الاقتصاديين والمحللين السياسيين والأكاديميين. ووصفها «ستيفن والت»، من «جامعة هارفارد»، بأنها «قرار متعثر»، و«مجموعة تعريفات جمركية عشوائية»، مؤكدا أن التراجع الذي شهدته أسواق الأسهم في أعقاب القرار يُعد «جرحًا ذاتيًا»، من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى «زيادة فقر ملايين الأمريكيين».
وعلى الرغم من أن الأسواق العالمية استجابت بشكل إيجابي لإعلان ترامب في 9 أبريل عن توقف مدة 90 يومًا للدول التي فرضت عليها تعريفات جمركية تزيد على الرقم الأساسي البالغ 10%، إلا أن التصعيد مع «بكين»، قد تسارع، حيث فرضت القوتان الاقتصاديتان الأبرز في العالم حدودًا تجارية أكثر صرامة ضد بعضهما البعض، الأمر الذي وصفه «سكوت كينيدي»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، بأنه «إعلان شامل للحرب التجارية».
ومع إعفاء صادرات الطاقة إلى الولايات المتحدة من حزمة التعريفات الجمركية واسعة النطاق التي فرضها ترامب؛ إلا أن تداعياتها تركت أثرًا بالغًا على الاقتصاد الدولي، وعلى حركة السوق العالمية. وعقب أسبوع من إعلان التعريفات الجمركية – إلى جانب زيادة أوبك+ لحصص إنتاجها لشهر مايو 2025– انخفض سعر خام برنت بنسبة 20%، حيث انخفض إلى ما دون عتبة 60 دولارًا للبرميل اعتبارًا من 11 أبريل.
وكنتيجة لهذا «المشهد المتعارض»، والمتمثل في انخفاض الطلب وزيادة العرض، خفضت مؤسسة «جولدمان ساكس»، المالية توقعاتها لسعر «خام برنت»، لما تبقى من عامي 2025 و2026. وبالنسبة إلى المنتجين الرئيسيين، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، أثارت «مونيكا مالك»، من «بنك أبو ظبي التجاري»، كيف أن «القلق الأكبر»، بشأن «انخفاض حاد ومستدام في أسعار النفط»، «سيتطلب إعادة تقييم خطط الإنفاق» في جميع أنحاء المنطقة.
وفي تحليل «أنجي جيلديا»، من شركة «كيه بي ام جي»، فإن تداعيات تعريفات ترامب في سوق الطاقة «تعكس الترابط المحوري بين أنظمة الطاقة والاقتصاد»، حيث «أدى زيادة الإنتاج إلى جانب المخاوف المتزايدة بشأن النمو الاقتصادي العالمي إلى تحويل وضع السوق من الندرة إلى الفائض». وتأكيدًا على ذلك، سجل «تاماس فارغا»، من شركة «بي. في. إم. أويل أسوشيتس»، كيف أن «السوق العالمية التي تحركها التعريفات الجمركية»؛ أضحت الآن «متأثرة بفقدان الثقة في صناعة سياسات شفافة وناجزة».
وكما ذكرت «إيما بأول»، في صحيفة «التايمز»، فقد تفاقمت آثار التعريفات الأمريكية بسبب «الإعلان المفاجئ» من ثمانية أعضاء في أوبك+، بما في ذلك السعودية، بأنهم سيعززون إنتاجهم المشترك بمقدار 411 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من مايو 2025، وهو ما يتجاوز بكثير الزيادة المتوقعة البالغة 135 ألف برميل. ووفقًا لـ«هليما كروفت»، من شركة «آر بي سي كابيتال ماركتس»، فقد اجتمعت مخاوف حرب تجارية مع قرار أوبك زيادة الإنتاج؛ لتشكيل «مزيج مقلق» من الطلب على النفط، وبحلول 4 أبريل، انخفض سعر خام برنت بنسبة 12% عن قيمته قبل يومين.
وبحلول التاسع من أبريل، تراجع سعر برميل خام برنت إلى ما دون عتبة 60 دولارًا للبرميل، ومع تقلب أسواق الأسهم العالمية بالتزامن تفاقمت الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، واستقر سعر برنت بحلول الحادي عشر من أبريل عند 63 دولارًا للبرميل فقط، بينما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط إلى 59.71 دولارًا للبرميل. وعليه، حذرت «أمريتا سين»، من مؤسسة «إنرجي أسبكتس»، من أن هذا الوضع المقلق «يتصاعد، ولا يهدأ»، مما يعني أننا «نواجه سيناريو نمو عالمي أضعف بكثير، وطلبًا عالميًا على النفط».
وعلى المدى الأطول، وكما زاد بنك «جولدمان ساكس»، من احتمالات دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود من 35% إلى 45% إبان الأشهر الاثني عشر المقبلة، فقد خفض «البنك الاستثماري»، أيضا توقعاته لسعر «خام برنت»، في الربع الثاني من عام 2025، بمقدار 5 دولارات للبرميل إلى 65 دولارا، متوقعا أن يتبع ذلك أسعار تبلغ 62.50 دولارا للبرميل في الربعين الثالث والرابع من العام. كما خفّض «جولدمان ساكس»، توقعاته لنمو الطلب على النفط، مُخفّضا هذا الرقم لعام 2025، من 600 ألف برميل يوميًا إلى 300 ألف برميل يوميًا، و400 ألف برميل يوميًا في عام 2026.
وبالمثل، خفّضت «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية»، توقعاتها السابقة لخام برنت بنحو 10%، مُتنبّئةً بأن يتراجع متوسط أسعار النفط الخام لأقل من 70 دولارًا للبرميل طوال عام 2025، ثم يتراجع إلى ما يزيد قليلًا على 60 دولارًا للبرميل في عام 2026.
ويعتقد محللو أبحاث صناعة النفط والغاز في شركة «فيتش سوليوشنز»، أن الأسعار ستظل تحت ضغط كبير في ظل تقييم المستثمرين للمفاوضات التجارية، والتوترات المتزايدة بين «واشنطن»، و«بكين». وأشار «فرانسيسكو بلانش»، من بنك «أوف أمريكا»، إلى أن «أسوأ سيناريو»، قد يشهد انخفاض سعر خام برنت إلى 50 دولاراً للبرميل. وفي سيناريو مؤسسة «جولدمان ساكس» – الأكثر قسوة، لكنه الأقل احتمالًا – فقد حذر محللوها من أن «تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتراجع الكامل عن تخفيضات أوبك+»، قد يؤديان إلى ترك سعر النفط «أقل بقليل من 40 دولارًا للبرميل في أواخر عام 2026»، وهو نطاق سعري لم يصل إليه منذ بداية جائحة فيروس كورونا في عام 2020.
وفيما يتعلق بالاقتصادات التي تعتمد على صادرات النفط، تساءل «ريتشارد برونز»، من شركة «إنرجي أسبكتس»، عن كيفية تمكن هذه الدول من «موازنة ميزانياتها» في ظل انخفاض الأسعار. ورغم أن المحللين أشاروا إلى أن الاقتصادات الأكثر تقدمًا، بما في ذلك تلك الموجودة في دول الخليج، في وضع أفضل لتجاوز أزمة الأسعار؛ إلا أن «فاروق سوسة»، من «جولدمان ساكس»، سلط الضوء على التداعيات المالية «الكبيرة» المحتملة على دول مجلس التعاون.
من جانبها، أوضحت «ريبيكا إلوط»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن سعر 60 دولارًا للبرميل يمثل «عتبة نفسية ومالية لكثير من شركات النفط»، مؤكدة أنه «دون هذا المستوى، يصبح التنقيب عن النفط غير مجدٍ اقتصاديًا». وفي هذا السياق، ذكرت شركة «إس آند بي غلوبال كومودتي إنسايتس»، أنه إذا انخفضت الأسعار إلى نحو 50 دولارًا للبرميل، فإن الإنتاج الأمريكي قد ينخفض بنسبة حوالي 8% في غضون عام. وأكدت «سوزان بيل»، من شركة «ريستاد إنرجي»، أنه «من غير المجدي اقتصاديًا تطوير النفط عند سعر 50 دولارًا»، مشيرة إلى أن هذا الانخفاض قد يكون «انكماشيًا»، لكنه يمكن أن يؤدي أيضًا إلى «انكماش اقتصادي عام».
علاوة على ذلك، توقعت «وكالة موديز للتصنيف الائتماني»، أن تتقلص الأرباح في صناعة الطاقة العالمية بنسبة 10%، أو أكثر خلال العام، أو العام والنصف المقبلين. وعلق «بن بأول»، من شركة «بلاك روك»، بأن دول الخليج «ستخرج بخير» من تداعيات عقوبات ترامب، بسبب «قوة ميزانيتها العمومية»، و«دعم الطاقة الذي لا يزال تتمتع به، والذي يوفر تمويلاً مستمراً تقريبًا». وأكدت «مالك»، أن دول مجلس التعاون، «يجب أن تكون في وضع مناسب نسبيًا لمواجهة الرياح المعاكسة» الناتجة عن عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مشيرًة إلى أن «التأثير المباشر» للرسوم الجمركية الأمريكية يمكن أن يتم احتواؤه، لأن الولايات المتحدة ليست وجهة رئيسية لصادرات الخليج، والتي شكلت متوسطاً قدره 3.7% فقط من إجمالي صادرات دول الخليج في عام 2024.
ووفقًا لتقديرات «صندوق النقد الدولي»، تحتاج السعودية إلى أن يكون سعر النفط أعلى من 90 دولارًا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها. بينما من المتوقع ارتفاع حجم صادرات النفط السعودية إلى الصين في مايو 2025 إلى 48 مليون برميل، من المستوى الحالي البالغ 35.5 مليونا. وأقرّت «إيرينا سلاف»، من شركة «أويل برايس»، بأن هذه الزيادة قد تمت تسهيلها من خلال «خفض كبير في الأسعار» من المملكة. وفي حال استقرت الأسعار عند حوالي 60 دولارًا للبرميل، قال «سوسة»، إن عجز ميزانية الرياض قد «يرتفع من نحو 30 إلى 35 مليار دولار ليصل إلى ما بين 70 و75 مليار دولار».
وبالنظر إلى المستقبل القريب، على الرغم من أن «جولدمان ساكس»، قد عدلت توقعاتها لأسعار النفط العالمية نحو الانخفاض، وأكدت أن هذه التوقعات من غير المرجح أن تتحقق إذا «أعادت إدارة ترامب فرض التعريفات الجمركية بشكل حاد، وأرسلت رسالة مطمئنة إلى الأسواق والمستهلكين والشركات؛ فإن رفع واشنطن مؤخرًا للتعريفات الجمركية على الواردات من الصين إلى 145%، وفرض الأخيرة رسومًا إضافية على السلع الأمريكية بنسبة 84%، يشير إلى أن أزمة التجارة العالمية لا تزال تتفاقم.
وبالنسبة إلى سوق النفط العالمية، أشارت «إلوط»، إلى أنه على الرغم من انخفاض أسعار برميل خام برنت خلال الأسبوع والنصف الماضيين، فإن هذا «لم يُحدث أي تأثير» على تكلفة البنزين في الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي اقترح فيه «بيتر نافارو»، أحد كبار مستشاري ترامب التجاريين، بشكل متكرر أن سعر النفط عند 50 دولارًا للبرميل، قد يخفف التضخم في الاقتصاد الأمريكي، فإنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن للتحرك لدعم أسعار السوق. وعلق «كلاوديو جاليمبرتي»، من «ريستاد إنرجي»، بأن الأهداف المعلنة لخفض التضخم وأسعار النفط في الوقت نفسه «تتعارض مع بعضها البعض»، وأن هذا السعي «يمكن أن يضر الولايات المتحدة أكثر مما ينفعها».
وعليه، وبينما أشار «كينيدي»، إلى أن «التصعيد، والمخاطرة، والتقلبات»، التي أثارها ترامب في الاقتصاد العالمي من خلال سياساته الجمركية الواسعة النطاق، والمتغيرة باستمرار «قد تكون مضيعة هائلة للوقت» في نهاية المطاف؛ فإن العواقب على صناعة الطاقة العالمية، والدول المعتمدة على صادراتها من النفط قد تكون أكثر ضررا وأطول أمدا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك