العدد : ١٧١٩٣ - السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٣ - السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٦هـ

قضـايــا وحـــوادث

أين الكونجرس من قرارات ترامب؟!

بقلم: د. منار الشوربجي {

السبت ١٩ أبريل ٢٠٢٥ - 02:00

الأمريكيون‭ ‬مولعون‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬آلية‭ ‬‮«‬للرقابة‭ ‬والتوازن‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬‮«‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‮»‬‭. ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أملُّ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أجدد‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬دارسي‭ ‬النظام‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬رائعة‭ ‬بالفعل‭.. ‬إذا‭ ‬كُللت‭ ‬بالنجاح‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

وأذكّرهم‭ ‬بالمرات‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬انهارت‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الآلية‭. ‬واللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬ستُكتب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬باعتبارها‭ ‬تجسيدًا‭ ‬للانهيار‭ ‬الشامل‭ ‬لآلية‭ ‬‮«‬الرقابة‭ ‬والتوازن‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صممها‭ ‬الدستور‭ ‬الأمريكي‭ ‬لئلا‭ ‬تنفرد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬السياسية‭ ‬بعملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭. ‬وترامب‭ ‬حين‭ ‬فرض‭ ‬بمفرده‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬يمثل‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬الصارخة‭.‬

فالدستور‭ ‬الأمريكي‭ ‬أعطى‭ ‬الكونجرس،‭ ‬لا‭ ‬الرئيس،‭ ‬سلطة‭ ‬‮«‬تنظيم‭ ‬التجارة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‮»‬،‭ ‬ومنحه‭ ‬وحده‭ ‬سلطة‭ ‬‮«‬فرض‭ ‬الضرائب‭ ‬والجمارك‭.. ‬وتحصيلها‮»‬‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الكونجرس‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬صار‭ ‬يفوض‭ ‬سلطة‭ ‬‮«‬التفاوض‮»‬‭ ‬التجاري‭ ‬للرئيس،‭ ‬ولكن‭ ‬بشروط‭. ‬فطوال‭ ‬عملية‭ ‬التفاوض‭ ‬يلتزم‭ ‬الرئيس‭ ‬باطلاع‭ ‬الكونجرس،‭ ‬أولًا‭ ‬بأول،‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬المفاوضات‭. ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يُعقد‭ ‬الاتفاق،‭ ‬يتحتم‭ ‬عليه‭ ‬التقدم‭ ‬به‭ ‬للكونجرس‭ ‬الذي‭ ‬يُصدر،‭ ‬عندئذ،‭ ‬تشريعًا‭ ‬يوافق‭ ‬على‭ ‬الاتفاق‭ ‬أو‭ ‬يرفضه‭.‬

وقد‭ ‬أصدر‭ ‬الكونجرس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬قانونًا‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬الرئيس‭ ‬ذلك‭ ‬التفويض‭ ‬لخمسة‭ ‬أعوام‭ ‬ويمكن‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬تجديدها‭. ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬حل‭ ‬موعد‭ ‬التجديد‭ ‬الأخير‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬لم‭ ‬تتقدم‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬أبدًا‭ ‬بطلب‭ ‬للكونجرس‭ ‬لتجديد‭ ‬منح‭ ‬الرئيس‭ ‬سلطة‭ ‬التفاوض‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬تفويض‭ ‬الكونجرس‭ ‬للرئيس‭ ‬للقيام‭ ‬بالتفاوض‭ ‬بخصوص‭ ‬التجارة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬موجودًا‭ ‬أصلًا‭ ‬حتى‭ ‬يتولى‭ ‬ترامب‭ ‬القيام‭ ‬بتلك‭ ‬المهمة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬بموجبها‭!‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬استخدم‭ ‬نصًا‭ ‬آخر‭ ‬تمامًا‭ ‬لفرض‭ ‬تلك‭ ‬الجمارك‭ ‬كان‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬استخدمه‭. ‬ففي‭ ‬خضم‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬أصدر‭ ‬الكونجرس‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬التجارة‭ ‬مع‭ ‬العدو‮»‬‭ ‬لعام‭ ‬1917‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬‮«‬حالات‭ ‬الطوارئ‮»‬‭ ‬سلطة‭ ‬‮«‬تنظيم‭ ‬التجارة‮»‬‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭. ‬وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬ترامب‭. ‬فهو‭ ‬أعلن‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬الطوارئ‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬فرض‭ ‬بموجبها‭ ‬الجمارك،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬‮«‬العدو‮»‬‭ ‬بنص‭ ‬القانون،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬الحلفاء‭ ‬أيضًا‭! ‬ولأن‭ ‬قانون‭ ‬1917‭ ‬وتعديلاته‭ ‬عام‭ ‬1977‭ ‬لم‭ ‬يُعرّف‭ ‬‮«‬الطوارئ‮»‬‭ ‬وإنما‭ ‬أحال‭ ‬لتعريفها‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬الطوارئ‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يشغل‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه‭ ‬بتعريف‭ ‬ما‭ ‬يقصده‭ ‬بالضبط‭ ‬بالطوارئ،‭ ‬ولا‭ ‬قدم‭ ‬تبريرًا‭ ‬وافيًا‭ ‬لإعلانها‭!‬

لكن‭ ‬أين‭ ‬‮«‬الرقابة‭ ‬والتوازن‮»‬؟‭ ‬الإجابة‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية‭ ‬موجودة،‭ ‬إذ‭ ‬بإمكان‭ ‬الكونجرس‭ ‬التدخل‭. ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬‮«‬قرار‭ ‬مشترك‮»‬‭ ‬من‭ ‬المجلسين‭ ‬بإلغاء‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬الطوارئ‮»‬‭. ‬بل‭ ‬يمكنه‭ ‬نظريًا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬يعدل‭ ‬قانون‭ ‬1977‭ ‬وقانون‭ ‬الطوارئ‭ ‬ذاته،‭ ‬حتى‭ ‬يوصد‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الرئيس‭. ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬الكونجرس،‭ ‬متى‭ ‬امتلك‭ ‬الإرادة،‭ ‬بإمكانه‭ ‬تكبيل‭ ‬يد‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬وغيرها‭ ‬بالمناسبة‭.‬

ومن‭ ‬هنا،‭ ‬يصبح‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬الكونجرس‭ ‬تجاه‭ ‬المسألة؟‭ ‬والإجابة‭ ‬عندي‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬حين‭ ‬شغلوا‭ ‬مقاعد‭ ‬الأغلبية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الأولى،‭ ‬وهدد‭ ‬وقتها‭ ‬ترامب‭ ‬بفرض‭ ‬جمارك‭ ‬على‭ ‬كندا‭ ‬والمكسيك،‭ ‬قدموا‭ ‬تعديلات‭ ‬لقانون‭ ‬1977‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يولوا‭ ‬الأمر‭ ‬الأهمية‭ ‬الكافية‭ ‬لدفع‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬قدمًا‭.‬

أما‭ ‬اليوم‭ ‬فتوجد‭ ‬محاولات‭ ‬بالكونجرس‭ ‬متباطئة‭ ‬للغاية‭ ‬لمواجهة‭ ‬إجراءات‭ ‬ترامب،‭ ‬أولاها‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬يتبناه‭ ‬جمهوريون‭ ‬وديمقراطيون‭ ‬وينص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬موافقة‭ ‬الكونجرس‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجمارك‭ ‬خلال‭ ‬60‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬فرضها،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬الإجراءات‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬اتفاقات‭ ‬التجارة‭ ‬التي‭ ‬يعقدها‭ ‬الرئيس‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الكونجرس‭ ‬قد‭ ‬جدد‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬التفاوض‭. ‬أما‭ ‬المشروع‭ ‬الأهم،‭ ‬ويتبناه‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬الحزبين‭ ‬أيضًا،‭ ‬فينص‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬ترامب،‭ ‬وحينئذ‭ ‬تسقط‭ ‬تلك‭ ‬الجمارك‭.‬

باختصار‭ ‬فإن‭ ‬السؤال‭ ‬ليس‭ ‬‮«‬أين‭ ‬الرقابة‭ ‬والتوازن‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬أين‭ ‬الكونجرس؟‭!‬

 

{ باحثة‭ ‬أمريكية‭ ‬مختصة

‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا