في خضم حياتنا اليومية المزدحمة، يظل الفن هو ذلك البعد الذي ينقلنا إلى عوالم جديدة، حيث نرى ما لم نره من قبل ونشعر بما لم نشعر به. لم يعد الفن لوحات أو منحوتات ثابتة، بل أصبح وسيلة حية للتواصل مع الناس، يخاطب كل فرد على حدة. ففي عصرنا الحالي، عصر التكنولوجيا، أصبح الفن جزءًا لا يتجزأ من مسار يومياتنا، يتنقل بين الوسائط الرقمية ويتجدد في كل مرة نراه.
في الخامس عشر من أبريل، احتفل العالم بـ «يوم الفن العالمي»، الذي يعد مناسبة للاحتفاء بالفن بكل أشكاله وتأكيد أهميته كوسيلة للتعبير عن الذات وتعزيز التواصل بين الثقافات. حيث تم اختيار هذا اليوم تكريما للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، الذي وُلد في هذا اليوم عام 1452. كان دافنشي رمزا للإبداع والفن الذي لا حدود له، مما جعل يوم ميلاده مناسبة للاحتفال بالإبداع الذي يشكل جزءًا أساسيا من ثقافتنا الإنسانية.
يشمل الاحتفال بيوم الفن العالمي تقديرا لكل أشكال التعبير الفني، بداية من الأعمال التقليدية إلى الفن الرقمي، الذي أصبح جزءًا أصيلا من المشهد الفني الحديث. يمكن للفنانين في يومنا هذا مشاركة أعمالهم مع جمهورهم في لحظة عبر الإنترنت، مما فتح آفاقا جديدة للفن ليعبر عن قضايا إنسانية ويعكس روح العصر.
الفن الرقمي ليس صورة على الشاشة فحسب، بل هو تجربة حية ومتجددة. هناك أعمال فنية تتغير أو تتطور مع تفاعل الجمهور، مثل اللوحات التفاعلية التي ترد على لمس المشاهد لها أو صوته. هذا النوع من الفن يعكس التحول في العلاقة بين الفنان والمشاهد، حيث يصبح الجمهور جزءًا من العمل الفني ذاته.
في البحرين، بدأ الفن الرقمي يشق طريقه في الساحة الفنية بفضل جهود حقيقية تهدف إلى دعمه وتعزيزه. من بين المبادرات التي تستحق الذكر، كان تنظيم معرض للأعمال الفنية بتقنية NFT في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مارس 2022.
هذا المعرض، الذي كان برعاية رئيس المجلس الوطني للفنون الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، اعتبر بمثابة نقطة انطلاق للفنانين المحليين للتفاعل مع الساحة الفنية العالمية باستخدام أدوات معاصرة.
وفي أغسطس 2023، قدمت مؤسسة راشد آل خليفة للفنون مبادرة بتنظيم معرض في العاصمة الأذربيجانية باكو، حيث عرض الفنانون البحرينيون إبداعاتهم أمام جمهور جديد. هذه المبادرات تعكس كيف يمكن للفن أن يبني جسورًا بين الثقافات المختلفة.
في عالم يتطور بشكل سريع، من الصعب التمسك بالأدوات التقليدية في حين أن التكنولوجيا تقدم فرصا أكبر للتعبير الفني. الفن الرقمي يمنح الفنانين فرصة للتواصل مع جمهور أوسع، وبطرق أكثر عمقا.
ومع ذلك، هناك تحديات حقيقية تواجه الفن الرقمي، خاصة فيما يتعلق بحماية الحقوق الفكرية. في عصر الإنترنت، يمكن نسخ الأعمال ومشاركتها في لحظة، مما يعرض الفنانين لمشاكل تتعلق بالسرقة الرقمية. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الفن يثير تساؤلات حول أصالة العمل الفني. هل يمكن اعتبار الفن الذي ينتج بواسطة خوارزميات ذكية هو نفسه العمل الفني الذي يصنعه فنان بشري؟
من الحلول المطروحة لحماية حقوق الفنانين هي تقنية البلوكتشين، التي تستخدم لتوثيق ملكية الأعمال الرقمية بشكل آمن. من خلال هذه التقنية، يمكن تسجيل العمل الفني على شبكة لا مركزية تسمح بتتبع الملكية وتوثيق حقوق الفنان بشكل لا يمكن التلاعب به. كما تسهم التراخيص الرقمية في تحديد حقوق الاستخدام والتوزيع بشكل واضح، مما يضمن احترام حقوق الفنان ويقلل من الانتهاكات.
في عالمنا المترابط بتقنيات تكنولوجية متقدمة، أصبح الفن الرقمي وسيلة قوية لتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب. يمكن لفنان بحريني أن يعرض أعماله في أي مكان في العالم عبر المعارض الرقمية، مما يخلق فرصا لتبادل الأفكار والثقافات. الفن الرقمي يتيح لنا أن نكون جزءًا من حركة فنية عالمية تدمج التراث مع الحداثة في مساحة واحدة.
في النهاية، يبقى الفن قادرًا على لمس الروح، مهما اختلفت أدواته أو تطورت تقنياته. مع تقدم الزمن وحداثة الوسائل التكنولوجية، يبقى الفن هو تلك اللغة التي لا تحتاج إلى كلمات لتوصل رسائلها العميقة. في يوم الفن العالمي، فليكن الاحتفال بالفن جسرا يجمع بين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة، وبين الإنسانية والتكنولوجيا. فالفن سيظل دائما يحتفظ بجوهره كوسيلة تعبير عن الحياة بكل ما فيها من جمال وألم، ويظل الإنسان، مهما تغيرت الأدوات، هو المصدر الرئيسي للإبداع.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك