العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٤ - الاثنين ٣١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ شوّال ١٤٤٦هـ

الثقافي

ماذا كان في Anora؟ 

بقلم: سعاد عوض الله.

السبت ٢٩ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬الأوسكار‭ ‬يومًا‭ ‬مجرد‭ ‬جائزة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬معيارًا‭ ‬ووثيقة‭ ‬اعتراف‭ ‬عالمية‭ ‬يخلِّدان‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬تعريف‭ ‬السينما،‭ ‬تصنع‭ ‬الدهشة،‭ ‬تخلخل‭ ‬الثوابت،‭ ‬وتبقى‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬لحظة‭ ‬التصفيق،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬أثرها‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬قوائم‭ ‬الجوائز‭ ‬فقط،‭ ‬لكنها‭ ‬حين‭ ‬تمنح‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬ويتحول‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬عرض،‭ ‬والإبداع‭ ‬إلى‭ ‬استعراض،‭ ‬يصبح‭ ‬السؤال‭ ‬حتميًا‭... ‬لماذا؟

حقيقةً‭ ‬لم‭ ‬أشاهد‭ ‬Anora‭ ‬قبل‭ ‬توزيع‭ ‬الجوائز،‭ ‬شاهدته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬لأجد‭ ‬نفسي‭ ‬أمام‭ ‬عمل‭ ‬يثير‭ ‬أسئلة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يقدم‭ ‬إجابات،‭ ‬ويترك‭ ‬أثرًا‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬صخبًا،‭ ‬العمل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كارثيًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬استثنائيًا‭ ‬أيضًا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تسلق‭ ‬إلى‭ ‬القمة‭ ‬متجاوزًا‭ ‬أعمالًا‭ ‬أكثر‭ ‬عمقًا‭ ‬وتأثيرًا،‭ ‬وليس‭ ‬الأمر‭ ‬تقليلًا‭ ‬من‭ ‬صنّاعه،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬تُمنح‭ ‬جائزة‭ ‬الأوسكار‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفيلم‭ ‬جيدًا‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأفضل‭.‬

Anora‭ ‬هو‭ ‬فيلم‭ ‬ترفيهي‭ ‬للكبار‭ ‬وللكبار‭ ‬جدًا،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬فكرته‭ ‬معقدة‭ ‬أو‭ ‬مستفزة‭ ‬أيدلوجيًّا‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬مشاهده‭ ‬الحميمية‭ ‬هي‭ ‬بنيته‭ ‬الأساسية،‭ ‬فهي‭ ‬تُعرض‭ ‬بجرأة‭ ‬تفوق‭ ‬الحاجة‭ ‬الدرامية،‭ ‬وليست‭ ‬هنا‭ ‬القضية،‭ ‬فالسينما‭ ‬ليست‭ ‬ساحة‭ ‬وصاية،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يناسبه‭ ‬عمل‭ ‬فليتجاوزه،‭ ‬بل‭ ‬القضيّة‭ ‬والسؤال‭ ‬ماذا‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد؟‭ ‬أين‭ ‬السينما؟‭ ‬أين‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يُوضع‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬السينما‭ ‬العالمية‭ ‬لعام‭ ‬2024؟

لنروي‭ ‬قصته‭.. ‬Anora‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬الفتاة‭ ‬أنورا‭ ‬راقصة‭ ‬التعرّي‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬والتي‭ ‬تلتقي‭ ‬شابا‭ ‬روسيا‭ ‬ثريا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬حبها‭ ‬بسرعة‭ ‬ويتزوجان‭ ‬ثم‭ ‬يتعقد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حين‭ ‬يعلم‭ ‬والداه،‭ ‬فتتحول‭ ‬القصة‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬الحب‭ ‬والضغوط‭ ‬العائلية،‭ ‬حبكة‭ ‬بسيطة،‭ ‬شخصيات‭ ‬نمطية،‭ ‬سيناريو‭ ‬يسير‭ ‬بخط‭ ‬مستقيم‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬للغوص‭ ‬في‭ ‬أبعاد‭ ‬الشخصيات،‭ ‬أنورا‭ ‬شخصية‭ ‬مسطّحة،‭ ‬والشاب‭ ‬الروسي‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬للحبكة،‭ ‬بينما‭ ‬العائلة‭ ‬الروسية‭ ‬تكرار‭ ‬لصورة‭ ‬نمطية‭ ‬مألوفة،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬بدون‭ ‬بناء‭ ‬درامي‭ ‬متين،‭ ‬بل‭ ‬مجرد‭ ‬مشاهد‭ ‬متلاحقة‭ ‬وسط‭ ‬زخم‭ ‬بصري‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عمق‭ ‬حقيقي‭.. ‬هذا‭ ‬وهذا‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬Anora،،

فلنتتبع‭ ‬مبررات‭ ‬من‭ ‬أعطوه‭ ‬الاستحقاق‭ ‬للأوسكار،‭ ‬قيل‭ ‬إنّ‭ ‬رومانسيته‭ ‬طاغية،‭ ‬فكان‭ ‬هناك‭ ‬Touch،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬أكثر‭ ‬شاعرية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬صدقا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬العاطفة،‭ ‬وأكثر‭ ‬ذكاءً‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الحب‭ ‬كحالة‭ ‬لا‭ ‬كعلاقة‭ ‬جسدية‭ ‬مكثفة،‭ ‬وقيل‭ ‬إنه‭ ‬قدَّم‭ ‬مرآة‭ ‬لحياة‭ ‬المهمشين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الملاهي‭ ‬والدعارة،‭ ‬بينما‭ ‬تفوقت‭ ‬عليه‭ ‬أفلام‭ ‬غاصت‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬الترويج‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬يحمل‭ ‬رسالة‭ ‬سياسية‭.‬

أمّا‭ ‬عن‭ ‬مبررات‭ ‬من‭ ‬أعطوه‭ ‬هذا‭ ‬الاستحقاق‭ ‬فقد‭ ‬تجلّت‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬له‭ ‬لكونه‭ ‬تحفة‭ ‬رومانسية‭ ‬غامرة،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فيلم‭ ‬Touch‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فقط‭ ‬أكثر‭ ‬شاعرية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬صدقا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬العاطفة،‭ ‬وأكثر‭ ‬ذكاءً‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الحب‭ ‬كحالة‭ ‬لا‭ ‬كعلاقة‭ ‬جسدية‭ ‬مكثفة،‭ ‬وقيل‭ ‬إنه‭ ‬قدَّم‭ ‬مرآة‭ ‬لحياة‭ ‬المهمشين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الملاهي‭ ‬والدعارة،‭ ‬بينما‭ ‬تفوقت‭ ‬عليه‭ ‬أفلام‭ ‬غاصت‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬مثل‭ ‬رحلة‭ ‬404‭ ‬لمنى‭ ‬زكي،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بتقديم‭ ‬شخصية‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬بذات‭ ‬المهنة‭ ‬بل‭ ‬صنع‭ ‬منها‭ ‬حالة‭ ‬إنسانية‭ ‬روحًا‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬ودم،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬قالب‭ ‬جاهز‭ ‬ضمن‭ ‬حبكة‭ ‬سريعة‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬تنافس‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الفئة‭ ‬إلّا‭ ‬أنها‭ ‬استحقت‭ ‬ترشيح‭ ‬بلادها‭ ‬لها‭ ‬للمنافسة‭ ‬على‭ ‬الأوسكار‭. ‬كما تمّ‭ ‬التسويق‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬يحمل‭ ‬رسالة‭ ‬سياسية،‭ ‬وما‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬عبثية‭ ‬لمنح‭ ‬الفيلم‭ ‬ثقلاً‭ ‬لا‭ ‬يملكه،‭ ‬ففكرة‭ ‬تقديم‭ ‬العلاقة‭ ‬الروسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬تقليدية‭ ‬بين‭ ‬شاب‭ ‬روسي‭ ‬وفتاة‭ ‬أمريكية‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كونه‭ ‬تبسيطًا‭ ‬مُخلًا،‭ ‬وكأننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إيماءة‭ ‬رومانسية‭ ‬لفهم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬فقد‭ ‬اختبرنا‭ ‬السينما‭ ‬السياسية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تفكك‭ ‬المعادلة،‭ ‬تطرح‭ ‬الأسئلة،‭ ‬تصنع‭ ‬الرمزية‭ ‬بذكاء‭ ‬لا‭ ‬بتسطيح‭ ‬مفضوح‭.‬

أمّا‭ ‬إخراجيًا‭ ‬فقد‭ ‬قدّم‭ ‬شون‭ ‬بيكر‭ ‬فيلمًا‭ ‬متقنًا‭ ‬بصريًا،‭ ‬لكن‭ ‬الإتقان‭ ‬التقني‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬الإضاءة‭ ‬المكثفة،‭ ‬اللقطات‭ ‬القريبة،‭ ‬الألوان‭ ‬الحمراء‭ ‬العميقة،‭ ‬كلها‭ ‬أدوات‭ ‬تجميلية‭ ‬تُخفي‭ ‬فراغ‭ ‬النص،‭ ‬فالحوار‭ ‬ضعيف‭ ‬للغاية،‭ ‬والموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬جميلة‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تخلق‭ ‬هوية‭ ‬للفيلم‭. ‬باختصار‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬مصنوع‭ ‬بحرفية‭ ‬لكنه‭ ‬بلا‭ ‬روح،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬تاريخي‭ ‬مهم،‭ ‬ولا‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬رائع‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬أدائهم،‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬رسالة‭ ‬لنتأملها،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬حبكة‭ ‬رئيسية‭ ‬لم‭ ‬نتوقعها،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬سيُسجل‭ ‬كواحد‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬فازت‭ ‬بجائزة‭ ‬أفضل‭ ‬فيلم‭.‬

لكن‭ ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬عن‭ ‬الفيلم‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬الأوسكار‭ ‬نفسه،‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬اختيار‭ ‬الفائز؟‭ ‬هل‭ ‬مازالت‭ ‬الجائزة‭ ‬تحمل‭ ‬ثقلها‭ ‬القديم؟‭ ‬هل‭ ‬مازالت‭ ‬تُمنح‭ ‬للأفضل‭ ‬فعلًا،‭ ‬أم‭ ‬أصبحت‭ ‬خاضعة‭ ‬لمزاج‭ ‬ثقافي‭ ‬معين‭ ‬واعتبارات‭ ‬تسبق‭ ‬الفن‭ ‬نفسه؟‭ ‬السينما‭ ‬لا‭ ‬تُعرَّف‭ ‬بالجوائز،‭ ‬لكن‭ ‬يفترض‭ ‬أنّ‭ ‬الأوسكار‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬القمة،‭ ‬وحين‭ ‬يتم‭ ‬منح‭ ‬القمة‭ ‬لفيلم‭ ‬متوسط‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المعيار‭ ‬نفسه‭ ‬أصبح‭ ‬موضع‭ ‬شك‭.‬

هل‭ ‬Anora‭ ‬يستحق‭ ‬المشاهدة؟‭ ‬ربما‭ ‬فقد‭ ‬يراه‭ ‬البعض‭ ‬مسلّيًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬عناصر‭ ‬كافية‭ ‬ليكون‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬سينما‭ ‬2024،‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موجة‭ ‬مرت‭ ‬للحظة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينحسر‭ ‬ضجيجها،‭ ‬والأوسكار‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬ليس‭ ‬التمثال‭ ‬الذهبي‭ ‬بل‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يتركه‭ ‬خلفه‭.. ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم؟‭ ‬لماذا‭ ‬الآن؟‭ ‬والأهم‮…‬‭ ‬ماذا‭ ‬سيبقى‭ ‬منه‭ ‬حين‭ ‬تنطفئ‭ ‬الأضواء؟

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا