تم التوصل إلى اتفاق الهدنة المؤقت وتبادل الأسرى بين دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد والإبادة الجماعية والتطهير العرقي وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» يوم 15 يناير 2025 م برعاية أمريكية قطرية مصرية، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير 2025 م وقبل يوم واحد من تنصيب «دونالد ترامب» رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية.
وقسم الاتفاق إلى ثلاث مراحل مدة كل مرحلة 42 يومًا (ستة أسابيع) ويهدف الاتفاق إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين أحياء أو أمواتا مقابل إطلاق سراح أعداد متفق عليها من الأسرى الفلسطينيين وسرعة إدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية من مواد غذائية ومياه ودواء وبيوت جاهزة وخيام وآلات ومركبات ثقيلة لفتح الطرقات وإزالة الركام، والهدف النهائي كان عودة الحياة الطبيعية إلى القطاع بانسحاب جيش الاحتلال من كل القطاع وإعادة الإعمار.
وتنفيذًا للمرحلة الأولى أفرجت حركة «حماس» عن 25 من الرهائن الأحياء ورفات 8 رهائن آخرين مقابل إطلاق سراح 1800 أسير فلسطيني مع انسحاب جيش الاحتلال من المناطق المأهولة بالسكان بما يسمح للنازحين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم في وسط وشمال قطاع غزة.
كان من المقرر أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية يوم 4 فبراير 2025 م وكان من شأنها أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من كامل القطاع وإطلاق سراح جميع المحتجزين الباقين أحياء لدى المقاومة الفلسطينية وإطلاق الدفعة الأخيرة المتفق عليها من الأسرى الفلسطينيين.
والمرحلة الثالثة والأخيرة كانت تنص على إعادة جثث جميع المحتجزين المتبقية والبدء بعملية إعادة إعمار قطاع غزة والتي ستستغرق من 3 إلى 5 سنوات وربما أكثر.
بعد انتهاء المرحلة الأولى برز مقترح أمريكي جديد يقضي بأن تطلق «حماس» نصف الرهائن المتبقين مقابل تمديد الهدنة بمرحلتها الأولى 7 أسابيع وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية ووعد ضبابي ببدء المفاوضات بشأن وقف دائم لإطلاق النار ما رفضته حركة «حماس» وأصرت على العودة للولوج إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
وكبادرة حسن نية اقترحت «حماس» الإفراج عن مواطن أمريكي – إسرائيلي مزدوج الجنسية وجثث 4 محتجزين آخرين لإعادة المحادثات لمسارها الصحيح والبدء بالمرحلة الثانية من اتفاق الهدنة الذي بدأ تطبيقه في 19 يناير 2025م.
وتنصلاً وتفلتا من الاتفاق منعت دولة الاحتلال جميع المساعدات الإنسانية والإغاثية من دخول القطاع منذ 2 مارس 2025 م حتى كتابة هذه السطور هادفة الضغط على المقاومة لتمديد المرحلة الأولى وعدم الذهاب لاستحقاقات المرحلة الثانية، وعمل «نتنياهو» على إفشال اتفاق وقف إطلاق النار الرامي لاستعادة المحتجزين وإنهاء الحرب للعديد من الأهداف التي يمنعه إنجاز الاتفاق بمراحله الثلاث من تحقيقها!
من أهم أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» من تقويض الاتفاق هو الحفاظ على ائتلافه الحاكم الفاشي من الانهيار باسترضاء «سموتريتش» وزير المالية الصهيوني المتطرف زعيم حزب «الصهيونية الدينية» الذي هدد بالانسحاب من الائتلاف الحكومي حال ذهب «نتنياهو» لتطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق.
ولتعزيز ائتلافه الحاكم شن «نتنياهو» الحرب من جديد على قطاع غزة يوم الثلاثاء 18 مارس 2025 م بغارات دموية استهدفت المدنيين الفلسطينيين النائمين في خيامهم ينتظرون سحور رمضان، وحال بدء الهجوم الهمجي أعلن وزير الأمن القومي الفاشي العنصري المتطرف «إيتمار بن غفير» زعيم حزب يميني متطرف عودته إلى الائتلاف الحكومي ولمنصبه في الوزارة وهو الذي كان يشترط العودة إلى الحرب ليعود إلى الحكومة وعاد معه وزيران من حزبه للحكومة وستة أعضاء للكنيست.
الآن بعودة الائتلاف لسابق عهده كاملا في الكابينيت وفي الكنيست يستطيع «نتنياهو» مواجهة استحقاق الميزانية العامة، وبهذا الائتلاف المتماسك يستطيع «نتنياهو» مواجهة ضغط الشارع الغاضب لإقالته رئيس الشاباك «رونين بار» بدعوى تجدد الحرب ولتحميله مسؤولية السابع من أكتوبر 2023م، وليوقف رئيس جهاز الشاباك «رونين بار» عن كشف مسؤولية «نتنياهو» عن الإخفاق المدوي.
ولا يخفي «نتنياهو» عزمه على تنصيب أشخاص موالين له في مؤسسة القضاء ومؤسسة المستشارة القضائية «غالي بيهاريف ميارا» بعد محاولة طردها وهي التي تقف بقوة ضد قراراته ومنها إقالة رئيس جهاز الشاباك فقد أوقفت القرار مؤقتا لعدم قانونية رفض «نتنياهو» لقرار المحكمة العليا بتجميد قرار الإقالة، وأقرت المحكمة العليا عدم اتخاذ أي خطوة تمس وضع رئيس الشاباك.
ومعلوم للجمهور أن «نتنياهو» لا يكترث بمصير المحتجزين لأنه لو أراد عودتهم لاستعادهم بصفقة تبادل في الشهور الأولى من الحرب وفي نهاية المطاف يستطيع تفعيل بروتوكول «هانيبال» الذي يسمح للجيش بقتل المحتجزين الإسرائيليين حتى لا يكونوا أداة للابتزاز بأيدي (الأعداء)!
والهدف الذي يريد «نتنياهو» تحقيقه هو البقاء العسكري الدائم في قطاع غزة بأشكال هو يحددها ويريد السيطرة على الأمن في القطاع والحصول على اتفاق يخوله مطاردة المقاومين متى شاء دون رادع، ويود هو تحديد من يدير قطاع غزة للمرحلة القادمة والتي يطلق عليها «اليوم التالي» ويود المشاركة والاستفادة من أموال إعادة الإعمار لصالح شركات إسرائيلية.
نحن أمام مشهد معقد ومركب، هناك إدارة أمريكية جديدة تقف على يمين اليمين لائتلاف حكومي صهيوني هو الأكثر تطرفًا ودموية في تاريخ الصراع وهذه الإدارة الأمريكية تخوض حربًا مباشرة على فلسطين شعبًا وأرضًا وقضية وهوية، إدارة تعمل على محو فلسطين من الجغرافيا ونفيها من التاريخ، إدارة تعمل على تهجير العرب الفلسطينيين من أرضهم التي لا يملكون سواها، بالترغيب والترهيب لصالح المشروع الصهيوني.
{ كاتب فلسطيني مقيم
في مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك