العدد : ١٧١٧١ - الجمعة ٢٨ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧١ - الجمعة ٢٨ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العالم يتغير بسرعة.. فهل سيكون لأوروبا موقع في خارطة النظام العالمي الجديد؟

بقلم: د. جاسم بونوفل

الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

‭ ‬العالم‭ ‬يتغير‭ ‬بسرعة،‭ ‬وقد‭ ‬ازدادت‭ ‬وتيرة‭ ‬سرعته‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬كرسي‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية؛‭ ‬لأنه‭ ‬جاء‭ ‬بأفكار‭ ‬ورؤى‭ ‬ومقاربات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والثقافة‭ ‬لم‭ ‬تعهدها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولم‭ ‬يعهدها‭ ‬الأوربيون‭ ‬ولا‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والمقاربات‭ ‬سينجم‭ ‬عنها‭ ‬آثار‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬قاطبة،‭ ‬وإن‭ ‬أول‭ ‬المتأثرين‭ ‬بتلك‭ ‬الأفكار‭ ‬هم‭ ‬الأوروبيون‭ ‬ودول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وذلك‭ ‬بحكم‭ ‬العلاقات‭ ‬الوطيدة‭ ‬التي‭ ‬تربطهم‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬الذي‭ ‬تُعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أحد‭ ‬أعمدته‭ ‬الرئيسية‭ ‬والممول‭ ‬الرئيسي‭ ‬له‭. ‬

إن‭ ‬المتمعن‭ ‬في‭ ‬أفكار‭ ‬ترامب‭ ‬سيدرك‭ ‬حتما‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬قادم‭ ‬وأن‭ ‬ملامح‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬بدأت‭ ‬تتشكل‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العالمي‭. ‬وقد‭ ‬شعر‭ ‬الأوروبيون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬بهذه‭ ‬التحولات‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬وراءها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬عديدة‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬ملف‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ملف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمتجسم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬تعريفات‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭.‬

وقد‭ ‬شعر‭ ‬قادة‭ ‬أوروبا‭ ‬بالخطر‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬نحوهم‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬اللقاء‭ ‬المثير‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ونائبه‭ ‬فانس‭ ‬بالرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬زيلينسكي‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬عبر‭ ‬شاشات‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ولفت‭ ‬انتباههم‭ ‬طريقة‭ ‬الحوار‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬ترامب‭ ‬ونائبه‭ ‬مع‭ ‬زيلينسكي‭ ‬وتوبيخه‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬وتحميله‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬لبلاده‭ ‬ويُعد‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬الأعراف‭ ‬السياسية‭ ‬والبروتكولات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭.‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬أدرك‭ ‬الأوروبيون‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬ترامب‭ ‬نحوهم‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬الجذري،‭ ‬وأن‭ ‬تصريحاته‭ ‬الأخيرة‭ ‬بشأن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬‭ ‬الأوكرانية‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك؛‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬نياته‭ ‬حيالهم،‭ ‬وأنه‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬لإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬كلفت‭ ‬الخزينة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المال‭ ‬الكثير،‭ ‬وأن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬النزيف‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬تحملته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬المالية‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وأن‭ ‬قرار‭ ‬وقف‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬قد‭ ‬اتخذ‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ترامب‭ ‬لزيلينسكي‭. ‬وبناءً‭ ‬عليه‭ ‬فقد‭ ‬أبدت‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬تحفظها‭ ‬على‭ ‬خطة‭ ‬السلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

لقد‭ ‬قرأ‭ ‬القادة‭ ‬الأوربيون‭ ‬الرسالة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بوضوح،‭ ‬ووعوا‭ ‬فحواها،‭ ‬وأدركوا‭ ‬أنها‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬عصبه‭ ‬الرئيسي‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منه‭ ‬يعني‭ ‬انفراط‭ ‬عقده‭ ‬وبالتالي‭ ‬بات‭ ‬سقوطه‭ ‬مؤكداً‭ ‬لا‭ ‬محالة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إلى‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬شكوكهم‭ ‬نحو‭ ‬ترامب‭ ‬هو‭ ‬اتجاه‭ ‬الأخير‭ ‬نحو‭ ‬التقارب‭ ‬نحو‭ ‬روسيا،‭ ‬حيث‭ ‬باتوا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أوروبا‭.‬

إن‭ ‬شقة‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بدأت‭ ‬تتسع‭ ‬وتتعمق‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬ملفات‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬ملف‭ ‬غزة‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬كان‭ ‬الموقف‭ ‬الأوروبي‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وهو‭ ‬الرفض‭ ‬لهذه‭ ‬الخطة‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬ذهبت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حين‭ ‬عبرت‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬هي‭: ‬فرنسا،‭ ‬ألمانيا،‭ ‬إيطاليا،‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬صادر‭ ‬عنها‭ ‬بتأييدها‭ ‬للخطة‭ ‬العربية‭ ‬لإعمار‭ ‬غزة‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬بتعميق‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وترامب‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬حنق‭ ‬الأخير‭ ‬عليهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬استبعادهم،‭ ‬والمضي‭ ‬قدماً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬عبر‭ ‬عدم‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬وضع‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إنشائه‭.‬

بعد‭ ‬هذه‭ ‬الخلافات‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬ترامب‭ ‬والأوروبيين‭ ‬نتساءل،‭ ‬هل‭ ‬سيكون‭ ‬لأوروبا‭ ‬موقع‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد؟‭  ‬

إن‭ ‬القراءة‭ ‬الدقيقة‭ ‬للمشهد‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأوروبي‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭. ‬ويعزو‭ ‬بعض‭ ‬المراقبين‭ ‬والمحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬خروج‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬نادي‭ ‬الكبار‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬داخلية‭ ‬وأخرى‭ ‬خارجية‭. ‬فعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الداخلي،‭ ‬تعاني‭ ‬أوروبا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬وصعوبات‭ ‬داخلية‭ ‬جمة‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬البطالة،‭ ‬وتراجع‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭. ‬كما‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬بصورة‭ ‬لافتة‭ ‬للنظر‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬قصيرة‭ ‬تراوح‭ ‬مكانها،‭ ‬باتت‭ ‬اليوم‭ ‬تحقق‭ ‬مكاسب‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الرئيسية‭ ‬كفرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وهذا‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬الوهن‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬والذي‭ ‬أثر‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬مزاج‭ ‬الناخب‭ ‬الأوروبي‭ ‬ودفعه‭ ‬إلى‭ ‬إعطاء‭ ‬صوته‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭. ‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الخارجي،‭ ‬فقد‭ ‬تأثرت‭ ‬أوروبا‭ ‬بوصول‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬سدة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬شخصيته‭ ‬العجيبة،‭ ‬وعقليته‭ ‬التجارية‭ ‬قد‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬أدائه‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وخاصة‭  ‬في‭ ‬مقاربته‭ ‬لعلاقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالاتحاد‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬فهو‭ ‬كسر‭ ‬القاعدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬بعين‭ ‬‮«‬رب‭ ‬العيلة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يحميها‭ ‬ويدافع‭ ‬عنها‭ ‬ويساعدها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينتظر‭ ‬أي‭ ‬مقابل‭ ‬منها‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬وكأن‭ ‬لسان‭ ‬حاله‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬زمن‭ ‬الدلال‭ ‬قد‭ ‬ولى‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤوليتها،‭ ‬وأن‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬فصاعداً‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬البقرة‭ ‬الحلوب‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬أوروبا،‭ ‬وقد‭ ‬ترجم‭ ‬ترامب‭ ‬أقواله‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وملف‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬والحبل‭ ‬على‭ ‬الجرار‭ ‬آتٍ‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وفي‭ ‬ملف‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأوروبا‭.‬

في‭ ‬تقديري،‭ ‬إن‭ ‬السياسة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬ترامب‭ ‬إزاء‭ ‬أوروبا،‭ ‬ستسهم‭ ‬بتراجع‭ ‬دور‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬مجاراة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأسلحة،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬مناطحتها‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬اللحاق‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬هاتين‭ ‬السلعتين‭ ‬الاستراتيجيتين‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬تتراجع‭ ‬القهقري‭ ‬وتكون‭ ‬خارج‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬ملامحه‭ ‬تتشكل‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الثلاث‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أمريكا‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يقلق‭ ‬الأوروبيين‭ ‬حقاً،‭ ‬هو‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬خاص‭ ‬يجهلون‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬رأسه،‭ ‬وماذا‭ ‬يخطط‭ ‬ليوم‭ ‬غد؛‭ ‬فهو‭ ‬يتملكه‭ ‬شعور‭ ‬بأنه‭ ‬الأقوى‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بالأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬وهو‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تحركاته‭ ‬من‭ ‬شعار‭ ‬يقدسه‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬أولاً‮»‬‭ ‬ويحلم‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬عراب‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬ولهذا‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحطيم‭ ‬القواعد‭ ‬والمبادئ‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ليقيم‭ ‬على‭ ‬أنقاضها‭ ‬قواعد‭ ‬ومبادئ‭ ‬جديدة‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يحلم‭ ‬به‭.‬

لهذا‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬مجتمعة‭ ‬منذ‭ ‬تربعه‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬البيت‭ ‬البيضاوي‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬كلها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬معمار‭ ‬جديد‭ ‬للنظام‭ ‬العالمي‭ ‬وفقاً‭ ‬للمواصفات‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬والتي‭ ‬

بالطبع‭ ‬لا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬الأوروبيون،‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نتساءل‭: ‬هل‭ ‬سيشهد‭ ‬العالم‭ ‬ولادة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أوروبا‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا