يطرح الغرب على الصعيدين السياسي والإعلامي أطروحات مضللة حول الحرب الروسية الأوكرانية منذ بدايتها، ويكتفون بتوجيه الإدانة إلى روسيا واعتبار تدخلها مخالفا للقانون الدولي، ولكنهم بالمقابل لا يستذكرون حقيقة الوضع، وماذا إذا كانت العملية العسكرية الروسية الخاصة ضرورية ومبررة أم لا.
فهذا الصراع بدأه الغرب في الحقيقة ولم تكن روسيا تحمل أي توجه أو برنامج عدائي لا تجاه أوكرانيا ولا تجاه الغرب، بل كان كل ما تطمح إليه هو أن تكون جزءا من أوروبا تتكامل معها على كل الأصعدة الأمنية والاقتصادية لأن أوروبا –خاصة الشرقية والوسطى– هي فضاؤها الحيوي، وكانت منذ 1994 تنشد الحوار والتفاهم وتدعو إلى الاتفاق على هيكل أمني أوروبي متكامل يراعي مصالح جميع الأطراف.
ولكن منذ عام 1994م كان توسع الناتو ووجود قوات على حدود روسيا غير مقبول، حتى منذ أيام الرئيس السابق بوريس يلتسين. وقدم الأمريكان تعهدات بعدم التقدم نحو الحدود الروسية، ولكن جميع تلك التعهدات ذهبت مع الريح، وها هي روسيا نفسها محاصرة تماما. وكانت أوكرانيا هي المساحة المتبقية قبل الإطباق على روسيا الاتحادية وحصارها. ولذلك حاولت عدة مرات ومنذ نهاية التسعينيات ثني الغرب عن التقدم نحو أوكرانيا دون جدوى. فلم يكن الغرب متفهما تماما للمخاوف والمصالح الروسية.
وكانت بداية الحرب في أوكرانيا، في عام 2014 عندما جرى الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب من قبل الشعب، والذي كان ملتزما بسياسة الحياد، وبعلاقات متوازنة مع الجار الروسي. وجاءت حكومة الانقلاب بدعم من الخارج ومن القوى القومية الأوكرانية المتشددة والتي تناصب روسيا العداء، بل وتناصب قسما مهما من الشعب الأوكراني من أصل روسي نفس العداء. وكان أول قرارات حكومة الانقلاب منع استخدام اللغات غير الأوكرانية، فانتفض الأوكرانيون من أصل روسي في منطقة الدونباس، رافضين هذه القرارات، مع أن الرئيس زيلينسكي في بداية حكمه كان قد وعد بمراعاة حقوق الأقليات القومية، إلا أنه تحت ضغط القوميين المتطرفين وجد نفسه في حرب مفتوحة مع جزء من شعبه في الدونباس.
إن (90% من سكان الدونباس روس) ولذلك انتفض هؤلاء مما جعل الدولة تستخدم المدافع والطائرات لردعهم وبلغ عدد القتلى من سكان الإقليم من المدنيين حول 15 ألف قتيل، من الذين كان كل هدفهم هو الدفاع عن حقوقهم الثقافية. ولم يكن الانفصال عن أوكرانيا مطروحا من قبلهم قبل هذه المجازر التي ارتكبت بحقهم.
وبعد تصاعد هذه المواجهة تدخل الروس لدعم سكان دونباس بالسلاح، دون اجتياحه مطلقا. ومن هنا تم توقيع اتفاق منسك الأول والثاني بين الطرفين، والذي تضمن حكما ذاتيا للسكان. ووافق الرئيس زيلينسكي على هذا الاتفاق بعد أن ترشح للرئاسة ولكنه تراجع لاحقا تحت ضغط القوميين وقادة الناتو، ويلاحظ هنا أن السيدة أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة قد اعترفت صراحة بأن ذلك الاتفاق كان مجرد فرصة متاحة لأوكرانيا للتسلح لمواصلة الحرب ضد شعب الدونباس وضد روسيا أيضا. فقد كان ذلك مجرد اتفاق لكسب الوقت. وكانت أوروبا وأمريكا طرفا مؤثرا في رفض أوكرانيا أي حوار مع روسيا أو عقد اتفاق معها. كانت الحرب هي اللغة الوحيدة التي تم تبنيها استنادا إلى اعتقاد خاطئ بأن (روسيا ضعيفة ويمكن إلحاق الهزيمة بها بكل سهولة.). كما كانوا يقولون.
ومن هنا يتبين أن السرديات الغربية بخصوص هذه الحرب خاطئة تماما وقائمة على التضليل. فروسيا اضطرت اضطرارا للدخول في هذه الحرب لأنه كما هو معروف في علم السياسة بأن أي بلد عندما لا يتمكن من تحقيق مصالحه القومية سلميا، فلا يبقى أمامه سوى اللجوء إلى الحرب لمواجهة التهديديات الضاغطة، وهذا ما فعلته روسيا مضطرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك