حاورتها: مسعدة اليامي
تقرأ بشغف وقد تصل قراءتها في السنة إلى (100) كتاب إلا أنها مع الخبرة والوعي والإدراك أصبحت تركز على الكيف أكثر من الكم. لها تجربة مع الكتب من خلال قراءتها وكتابة المقالات التي نشرت في الصحف حتى جمعت في كتاب يحمل عنوان أجدان، وتقدم اللقاءات الافتراضية من خلال صالون بوح الذي قدم ما يقارب حاليا (100) لقاء وصدر لها مؤخراً رواية «مدينة الكتب» خلال معرض الرياض الدولي للكتاب، وهي اليوم تجوب أرجاء الوطن العربي من خلال معارض الكتب العديدة، كما أنها سعت هذا العام لأن تكون شريكا أدبيا مع المقاهي الثقافية في العديد من مدن السعودية، تقدم برامج ثقافية تصب في نهر التنوع الإبداعي والثراء الفكري المعرفي. ضيفة اللقاء الروائية السعودية صباح عبدالله.
مدينة الكتب كيف خطرت لك الفكرة؟ وهل تشاركت الرأي مع أحد؟
- بداية كانت الفكرة هلامية غير واضحة الملامح، لكن بعد قراءتي رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أوريل، اتضحت معالم أدب الرمزيات، وأصبحت مولعة بالبحث عن أعمال مشابهة سواء كانت مقروءة أو مرئية لأترصّد طريقة الكتابة وأستلهم أفكارا خارجة عن المألوف، أما عن آراء الآخرين فغالبا أحب أن أشاركهم الرأي في النتائج وليس الأفكار وخصوصا إن كانت غرائبية.
ذكرت في حوار أن رواية «ترمي بشرر» للروائي عبده خال قد أثرت فيك. ما نوع ذلك الأثر؟ وإلى ماذا أخذك؟
- فعلاً ذلك الكتاب كان نافذة عبوري نحو عالم الروايات، حيث كنت متعمقة في نوعية كتب لا تمت للخيال واللغة الأدبية بصلة، ومن جمال الصدف أن أقرأ عملاً مشابهاً لواقع عشته بتفاصيله المكانية والزمانية، مما جعلني أقع في غرام فن السرد الساحر، ذلك الأدب الذي أشبهه بمؤامرة محبوكة من قبل المؤلف بموافقة القارئ للتسلل بلطف إلى «الحكاء الصغير» في أعماقه وتفعيل خياله المنسي بين ركام المنطق والمعقول، وبإعطائه قوى سحرية خارقة تتيح له السفر خارج حدود المكان والزمان والحديث مع الجميع بلا استثناء.. القتلة والمختلين والنوافذ والحشرات بل حتى الموت كما في رواية انقطاعات الموت لجوزيه ساراماغو، لقد وجدت فيه غايتي حين وجدت فيه حل المعادلة الأصعب وهي: كيف نمنطق الجنون؟
عندما اكتشفت أنك جاهزة لكتابة رواية.. ماذا فعلتِ؟
- لم يكن شعور الجاهزية حاضراً في ذهني حتى بعد إصدار الرواية، لأني في حالة تعلم مستمر لم يتوقف حتى اللحظة، لكن فيما يخص (مدينة الكتب) كان هناك ما يزيد على 12 مسودة كتبت وشطبت خلال تعلم اساسيات الكتابة السردية ومحاولة تطبيق ما درسته من كتب ودورات وورش عمل عديدة، بالإضافة الى بحث مطول وقراءة فاحصة لكل رواية أو عنوان يتحدث عن الكتب والمكتبات، وذلك حتى لا أقع في فخ التقليد أو التكرار ولأتمكن من عمل حصر مبسط لما لم يقل وما لم يكتب عنه بعد.
ما مدى قناعتك بالورش التي تقدم للرواية؟ وبماذا خرجت من الدورات التي شاركت خلالها؟
- الورش التدريبة عموما مهمة لمن لا يتقن مهارة التعليم الذاتي ويحتاج الى مساعدة شخص يسهل عليه فهم المعلومة، لكن في عالم الرواية الأمر مختلف، لأننا لا نذهب فقط من أجل المعلومة فهي متاحة في كل مكان بل من أجل تجربة الروائي (المدرب) ومعرفة كواليس ما حدث قبل وخلال وبعد إصدار أي عمل أدبي، فمحاكاة الإلهام ورؤية الصانع متجسداً أمامنا بصورته الحقيقة دون تكلف أو زخم إعلامي أمر فارق بلا شك.
على ألسنة الكتب عشنا الحب والمرض والخداع والطيبة.. كيف عشت وتعايشت مع ذلك الخيال؟
- الحب والخذلان، الطيبة والخداع هي مشاعرنا الإنسانية الحقيقة لكن التعبير عنها دون تصريح كان التحدي الحقيقي من خلال ليّ عُنق المآرب الدفينة باستنطاق جمادات تشاركنا حياتنا، والتواري خلف جدار فانتزيا جمادات لشدة قربنا منها أصبحنا نراها كائنات تشعر تتكلم وتتألم.
الكتب كانت تصرخ وتبكي ولها زفرات وأنين ومكانة ومخاوف وتشبيهات تلامس الاجرام والتعدي والعنف وآلة مجزرة وغيرها.. حدثينا أيضا عن شيء من تلك الغرائبية؟
قد يبدو الحديث عن الاجرام والعنف الحقيقي في حياتنا بطريقة تلقائية ومباشرة أمراً مبتذلاً أو غير مقبول على عدة أصعدة وخاصة إذا تضارب مع حدود العائلة والمجتمع وغيرها، لذا فقد كان "جنون الخيال" هو الملاذ الآمن للصراخ والبكاء والاحتجاج دون قلق من تعددية التأويلات والعواقب، يظهر ذلك جلياً في أعمال الكاتب النمساوي فرانسيس كافكا عندما أعلن رفضه لواقعه المختل وعبر بشعوره العميق بالألم والازدراء الذي تلبّسه جراء ما كان يعانيه من محيطه، عن طريق سردية بسيطة وضعها على لسان حشرة عملاق ترتدي بدلة وتريد الذهاب للعمل!
شخصية اقتباسات هي صباح عبد الله؟
- كل شخصية في الرواية هي جزء من صباح عبدالله، واقتباسات تمثل الكوميديا السوداء بلا شك.
ماذا تقولين لنا عن أنسنه الكتب؟
- أنسنة الجمادات والكائنات بشكل عام ليست فكرة رائدة، فقديماً يمكن أن نذكر كليلة ودمنة لابن المقفع، وحديثا لدينا رواية معجم الأشياء لنذير الزعبي وغيرها الكثير، لكن اختياري للكتب دوناً عن بقية الجمادات بسبب اتصالي وحبي الكبير لها ومعرفتي بتفاصيلها الدقيقة.
حرق الكتب بمدينة الكتب كأنك تنبشين الأحداث التاريخية التي خلالها أُحرقت وأُغرقت الكتب في أزمنة وحقب بعيدة.. فما رأيك في ذلك؟
- هي إحدى التأويلات التي سمعتها وسعدت بها كثيراً بهذا الأثر الذي أحدثه العمل اذ تمكن من عبور حدود الزمن ليلامس ذلك الجزء التاريخي المهم للكتب والمكتبات.
أنت عاشقة كتب.. أين مكان الرواية في قلبك؟ وكم رواية تقرئين بالسنة؟ وهل أنتِ تميلين للرواية العربية أو العالمية؟ وما الأسباب؟
- صحيح رحلتي القرائية بدأت من الطفولة لكن يمكن القول أني حديثة عهد بالرواية ولا سيما أنها كانت في مرحلة عمرية متأخرة، رغم ذلك فقد استحوذت على الجزء الأكبر والأهم من قراءاتي لاحقاً، أما عن عدد الكتب فكنت سابقاً أحرص على الوصول لحد أعلى من القراءات بما يزيد على 100 كتاب سنوياً لكن بعد رحلة وعي وإدراك، وجّهت بوصلتي نحو المتعة وعمق الأثر ولم أعد أهتم حاليا بفكرة (الكم) حتى عندما أقرأ أي رواية أحاول جاهدة أن أتجرد من سطوة التصنيفات (اسم الكاتب الدار، الدولة، الترجمة - تقييمات القراء، الجوائز) كلها أمور شكلت ضغطا غير محسوس أفقدني لفترة نشوة القراءة.
أما عن الرواية العالمية أو العربية ففي كل خير، العربية أفضلها لعذوبة اللغة الأدبية وارتباطها ببيئتي ومجتمعي، أما العالمية فاتسامها بعمق الأفكار والشخصيات والمواضيع جعلها مفضلة لدي كذلك.
النقد حياة لأي عمل فماذا تقولين عن ذلك؟ وهل تأملين أن تقدم أوراق نقدية في روايتك؟
- صحيح أتفق، النقد أداة تطوير مهمة جدا وضرورية لاستمرارية تألق المبدع، وصقل مهاراته وإنتاج المزيد بجودة أفضل، ومن هذا المنبر أنادي وآمل أن تقدم أوراق نقدية لمَا كتبت.
الكاتب يحتاج إلى هرم من الاستقرار (المعرفي، النفسي، المادي) ما رأيك في ذلك؟
- يمكن القول بذلك إذا وصل الكاتب الى مرحلة الاحترافية في الكتابة ولتوضيح ما أعنيه بالكاتب المحترف، هو الذي ينشر أعمالا تقرأ وتباع وتحقق له مصدر دخل جيد يؤمن له حياة كريمة، وهذا الأمر نادر الحدوث في عالمنا العربي إذ نجد أن أغلب الكتاب يشغلون وظائف أخرى والكتابة مجرد شغف أو هواية لا تؤخذ على محمل الجد إلا اذا حققت أعماله مردوداً طيباً أو جائزة مرموقة، وحتى ذلك الحين يظل الكاتب يتأرجح بين الرجاء واليأس ليقرأ له وفي أحسن الأحوال أن يعود له جزء مما أنفقه من وقت وجهد ومال.
كيف يحمي الكاتب نفسه من شَعرة الغرور وحمى الدفاع عن عمله في حال وجود آراء لا ترضيه؟
- بتبني فكرة فصل نفسه عن العمل بمجرد التوقيع على موافقة النشر، بمعنى أن يسلم بفكرة أن الكتاب أصبح ملكا عاما للجمهور أُعطِي ضوءا أخضر لقراءته وبالتالي مناقشته، تأويله، نقده، الحكم عليه، تمجيده أو حتى كرهه، واعتبار ذلك كله مؤشرات لقياس أدائه وضبط بوصلته الابداعية نحو الوجهة الصائبة.
الكتابة حالة إنسانية أم إنها كما يقال انتصار المرأة للمرأة والرجل للرجل؟
- هي حالة إنسانية تنتصر فيها المرأة للمرأة وينتصر فيها الرجل للرجل، وننتصر فيها لذواتنا وأحلامنا المودة.
في نهاية اللقاء بم تبوحين لجمهورك وقراءك؟
- أقول: إن الجماهير أنواع لكن أفضلهم وأصعبهم على الاطلاق جمهور القراء والمثقفين، وقد حرصت على اختيار جمهوري قبل أن يختارني، لأني أرى في انعكاسهم مرآة واقع حقيقي واستقراء مستقبل قادم، دمتم أيها القراء أعزاء ونخبة.
كاتبة وإعلامية من المملكة العربية السعودية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك