العدد : ١٧١٦٥ - السبت ٢٢ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٦٥ - السبت ٢٢ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ رمضان ١٤٤٦هـ

الثقافي

اتبع شغفك

بقلم: نعيمة السماك

السبت ١٥ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

أذكر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬جيدا‭ ‬حين‭ ‬اصطحبني‭ ‬أبي‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭) ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصباحات‭ ‬إلى‭ ‬مبنى‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬الواقعة‭ ‬بشارع‭ ‬المعارض‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مبنى‭ ‬إدارة‭ ‬الهجرة‭ ‬والجوازات‭. ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الجريدة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬آنذاك‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬جريدة‭ ‬الأضواء‭ ‬الأسبوعية‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬المبنى‭ ‬نفسه‭. ‬حينها‭ ‬كنت‭ ‬شابة‭ ‬يافعة‭ ‬للتو‭ ‬تخرجت‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭. ‬عدت‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬بأحلام‭ ‬تتسع‭ ‬لها‭ ‬السماء‭. ‬المعادلة‭ ‬المنطقية‭ ‬تقول‭: ‬إن‭ ‬تخصص‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬سيؤهلني‭ ‬لأن‭ ‬أكون‭ ‬معلمة‭ ‬لغة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬المدارس‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬داخلي‭ ‬يقينا‭ ‬يعرف‭ ‬أنني‭ ‬لن‭ ‬أعمل‭ ‬مدرسة‭ ‬لغة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مدرسة‭. ‬صعدت‭ ‬السلم‭ ‬كان‭ ‬مبنى‭ ‬الجريدة‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭. ‬دخلت‭ ‬المبنى‭ ‬لأجده‭ ‬خاليا‭ ‬تماما‭ ‬ومكاتب‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬أصحابها‭. ‬انعطفت‭ ‬يسارا،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬صالة‭ ‬كبيرة‭ ‬مستطيلة‭ ‬الشكل‭ ‬حالها‭ ‬كحال‭ ‬المدخل‭ ‬مكاتب‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬أصحابها‭. ‬ولحسن‭ ‬الحظ‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭ ‬على‭ ‬اليمين‭ ‬مكتبا‭ ‬عليه‭ ‬رجل‭ ‬حنطي‭ ‬اللون‭ ‬بيده‭ ‬قلم‭ ‬رصاص‭ ‬وورقة‭ ‬كبيرة‭ (‬المخرج‭ ‬سعيد‭ ‬عارف‭).‬

سألته‭: ‬هل‭ ‬يوجد‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الصحفين‭ ‬هنا؟‭ ‬

أجابني‭ ‬بلهجة‭ ‬مصرية‭. ‬لا‭ ‬يحضرون‭ ‬الآن‭. ‬جميعهم‭ ‬في‭ ‬تغطيات‭ ‬خارجية‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬العاشرة‭ ‬يبدأون‭ ‬بالحضور‭ ‬للجريدة‭. ‬حسنا‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬القادمة‭ ‬سأحضر‭ ‬متأخرة‭.‬

ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الصحافيين‭ ‬آنذاك‭. ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬استخدام‭ ‬للهاتف‭ ‬النقال‭. ‬في‭ ‬المرة‭ ‬التالية‭ ‬جئت‭ ‬متأخرة،‭ ‬اصطحبني‭ ‬أبي‭ ‬أيضا‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أمتلك‭ ‬سيارة‭ ‬ولا‭ ‬رخصة‭ ‬قيادة‭. ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لحسن‭ ‬حظي‭ ‬كانت‭ ‬المكاتب‭ ‬كلها‭ ‬عامرة‭. ‬قلت‭ ‬لأحدهم‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬كصحفية‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭. ‬فدلني‭ ‬على‭ ‬مكتب‭ ‬مدير‭ ‬التحرير‭. ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬المدخل‭. ‬أحمد‭ ‬عبدالغني‭ ‬كان‭ ‬اسمه‭.. ‬رجل‭ ‬قصير‭ ‬القامة‭ ‬بنظارات‭ ‬طبية‭ ‬شديد‭ ‬البياض‭.‬

في‭ ‬مكتبه‭ ‬الصغير‭ ‬جلست‭ ‬قبالته‭. ‬قلت‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬خجلي‭: ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬معكم‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬كصحفية‭.‬

رد‭ ‬علي‭: ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬أعمال‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭.‬

عرفته‭ ‬بنفسي‭ ‬قائلة‭: ‬أنا‭ ‬أكتب‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬وأراسل‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬الخليجية‭. ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬حقيقة‭ ‬كيف‭ ‬حضرني‭ ‬هذا‭ ‬القول‭.‬

لكنه‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬إجابته‭ ‬الأولى‭: ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬شاغر‭ ‬للعمل‭ ‬كصحفي‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭.‬

وهنا‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬يوجد‭ ‬عمل‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬غير‭ ‬الصحافة

وهنا‭ ‬أجاب‭: ‬بإمكانك‭ ‬العمل‭ ‬كمصححة‭ ‬مع‭ ‬السيد‭ ‬حجر

وأجبته‭ ‬على‭ ‬الفور‭: ‬نعم‭ ‬أنا‭ ‬موافقة‭.‬

كنت‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الجريدة‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال

ومن‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الجريدة‭. ‬وجلست‭ ‬على‭ ‬مكتب‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬المصحح‭ ‬السيد‭ ‬حجر‭ ‬مصري‭ ‬الجنسية‭ ‬يقع‭ ‬مكتبه‭ ‬في‭ ‬المدخل‭ ‬رجل‭ ‬بقامة‭ ‬ضخمة‭. ‬طيب‭ ‬ومتعاون‭ ‬وكنت‭ ‬سعيدة‭ ‬جدا‭ ‬بوجودي‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الجريدة‭. ‬بعدها‭ ‬بدأت‭ ‬أحضر‭ ‬اجتماعات‭ ‬الصحافيين‭ ‬صباح‭ ‬كل‭ ‬سبت‭. ‬وبدأت‭ ‬اختار‭ ‬موضوعات‭ ‬وأنشرها‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬التحقيقات‭ ‬المحلية‭. ‬وقد‭ ‬اخترت‭ ‬موضوعات‭ ‬مهمة‭ ‬جدا‭ ‬جذبت‭ ‬أنظار‭ ‬القراء‭. ‬وبعدها‭ ‬تركت‭ ‬قسم‭ ‬المراجعة‭ ‬اللغوية‭. ‬وأصبح‭ ‬عملي‭ ‬الرسمي‭ ‬هو‭ ‬صحفية‭ ‬متعاونة‭ ‬تعمل‭ ‬بنظام‭ ‬القطعة‭. ‬وكنت‭ ‬أتسلم‭ ‬عشرين‭ ‬دينارا‭ ‬عن‭ ‬التحقيق‭ ‬أو‭ ‬المقال‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬البسيط‭ ‬يعني‭ ‬لي‭ ‬الكثير‭ ‬آنذاك‭. ‬وأشعر‭ ‬بنشوة‭ ‬غامرة‭ ‬حين‭ ‬أتسلمه‭.‬

والآن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحادثة‭. ‬أصبحت‭ ‬اسمي‭ ‬الأشياء‭ ‬بأسمائها‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬شغفي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬وقادني‭ ‬لاختيار‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭. ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬شغفي‭ ‬الأول‭ ‬وهي‭ ‬الموهبة‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬وهبني‭ ‬إياها‭ ‬الخالق‭. ‬والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشغف‭ ‬ذاته‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أهلني‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬ثابتة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا