يقول الطبيب والفيلسوف اليوناني أبقراط «كل مرض معروف السبب يمكن الشفاء منه»!
تلك هي فلسفة علم النفس التي تقوم على البحث عن سبب أي مرض حتى لو كان عضويا، وعلى الخروج من عالم الصمت الذي قد يعيشه البعض للانتصار عليه وصولا إلى التعافي والشفاء الكامل ومن ثم السلام النفسي، بعد أن ثبت بأنه ليس هناك شيء يؤذي الإنسان أكثر من كبت المشاعر السلبية طويلا كما يؤكد العالم الشهير فرويد.
لذلك يمثل العلاج النفسي الحديث اليوم قوة للإنسان لمساهمته في فهم الشخصية، وتحليل سلوكها، وتوجيهها، وتحقيق التفكير السليم، واتخاذ القرارات، وتحسين المهارات العاطفية، ومن ثم تطوير الذات.
من هنا جاء عشق هذه المرأة لهذا العلم الذي كشف عن أن جروحنا غالبا ما تكون فتحات للجزء الأفضل والأجمل منا، والذي يستند إلى الأبحاث والدراسات العلمية بهدف فهم وتفسير سلوك الانسان وعملياته العقلية والنفسية، فكانت أول بحرينية تتخصص في علم السيكوثيرابي وتفتتح عيادة في هذا التخصص بالمملكة.
إيمان خليل نور الدين، صاحبة أول معهد تعليمي في البحرين يحصل على «أوت ستاندينج»، رئيس مجلس إدارة جمعية «دريم» لتحقيق أحلام مرضى السرطان، عضو مجلس إدارة مركز حماية الطفل، المدير التنفيذي في معهد «كابيتال نولدج»، أحد مؤسسي جمعية «شمسها» لخدمة النساء المعنفات، وجدت ضالتها ومتعتها الكبرى في مجالي علم النفس والعمل التطوعي، فتركت لها بصمة خاصة في كلا الحقلين.
حول هذه التجربة الإنسانية المثالية كان الحوار التالي:
كيف أثرت نشأتك على مسيرتك؟
لقد قضيت طفولتي خارج مملكة البحرين بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وسويسرا، وذلك بحسب ظروف عمل والدي، وكانت هوايتي المفضلة منذ الصغر القراءة والاطلاع والمعرفة، وكنت متفوقة في مادة الرياضيات خاصة، وعند الصف الخامس الابتدائي عدت إلى وطني، ولم أكن أتحدث مطلقا باللغة العربية، والتحقت بمدرسة بيان البحرين النموذجية، وكان تحديا كبيرا أن أبدأ من الصفر لتعلم لغتي الأم وأتعرف على ثقافة وطني وديانته وعاداته وتقاليده، ولكن شيئا فشيئا تأقلمت وتعايشت مع عالمي الجديد وظلت لغتي الأولى هي اللغة الإنجليزية.
وبعد التخرج؟
بعد التخرج ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة تخصص علم الرياضيات وهي مادتي المفضلة بالطبع، وبعد خمس سنوات عدت إلى البحرين وقررت افتتاح معهد تعليمي للأطفال في مختلف المواد الدراسية بالتركيز على الرياضيات والعلوم، وانطلق مشروعي من المنزل بصورة متواضعة، وحين توافر لديّ رأس المال اللازم أنشأت مشروع معهد متخصص في إدارة الأعمال بالشراكة مع والدي، وكان أول معهد يحصل على «اوت ستاندينج» بالمملكة، ومع الوقت بدأت أشعر وبقوة بأن هناك شيئا ما ينقصني، وأدركت هنا أنه العمل التطوعي الذي مثل بالنسبة إلى شغفي الكبير.
بدايتك مع التطوع؟
جاءت انطلاقتي في مجال العمل التطوعي عند مشاركتي في تأسيس جمعية «دريم» لتحقيق أحلام أطفال مرضى السرطان والأمراض المزمنة، وهي الأولى من نوعها في البحرين، وهي تقدم العديد من الأنشطة والبرامج الترفيهية في مختلف المجالات، ووجدت متعة كبيرة في تقديم كافة الخدمات لهؤلاء وفي مساعدة أهاليهم والأخذ بأياديهم.
كيف تأهلت لهذه المهمة؟
كي أتأهل لهذه المهمة وللقيام بها على أكمل وجه قررت الحصول على عدة كورسات في تخصص علم النفس، بهدف اتباع الأسلوب الصحيح في التعامل مع الأطفال وأسرهم وبمهنية عالية، وقد حصلت على دبلوما في هذا المجال من بريطانيا، وأخرى عليا تعادل درجة الماجستير، وبعدها نظمت جلسات لمساعدة البعض من الأطفال والكبار، علما بأنني حصلت على رخصة من بريطانيا كمعالج نفسي، وأصبح المعهد يشمل مجالي إدارة الأعمال والعلاج النفسي.
وماذا عن جمعية «شمسها»؟
حين قررت التوسع في عملي التطوعي بادرت بالشراكة مع فريق نسائي ضم عددا من النساء بتأسيس جمعية «شمسها» للنساء المعنفات اللاتي بحاجة إلى علاج وتأهيل نفسي وتقديم المساعدات لهن، وقد وفرنا خطا ساخنا على مدار 24 ساعة وعددا من الاختصاصيين النفسيين لتقديم مختلف الاحتياجات، وحدث أنني توجهت بعدها إلى المانيا في إجازة، وشاهدت عن قرب اللاجئين السوريين والعراقيين في أحد الملاجئ هناك فأقدمت على تقديم المساعدة لهم، وهنا اقترح على الأمن الخاص بهذا الملجأ تقديم العلاج النفسي لهذه الفئة وتم منحي رخصة للقيام بهذه المهمة، وخاصة أنني أتحدث اللغات العربية والإنجليزية والألمانية، واستمررت في تقديم هذه المساعدات لمختلف الأعمار للرجال والنساء والأطفال لحوالي ثلاث سنوات متقطعة كنت أتنقل خلالها بين البحرين وألمانيا.
متى تم افتتاح عيادتك بالبحرين؟
بعد عودتي إلى البحرين قررت الحصول على رخصة من وطني لممارسة دوري كمعالج نفسي إلى جانب التدريس، ونظمت العديد من الجلسات للأطفال والأهالي، وحصلت على عدة شهادات أهلتني للقيام بذلك، وكنت أول سيكوثيرابيست في البحرين تفتتح عيادة متخصصة في هذا التخصص بالشراكة مع صديقة لي منذ حوالي تسع سنوات، وهي تقدم كافة الخدمات النفسية لكل الأعمار، وتضم 21 اختصاصيا نفسيا لمختلف الاضطرابات والعلاجات النفسية.
أهم الاضطرابات النفسية المنتشرة حاليا؟
لا شك أن هناك العديد من الاضطرابات التي نعاني منها في عصرنا هذا ولعل أهمها او في مقدمتها الشعور بالوحدة، وهو يرتبط بشدة بطبيعة العالم الافتراضي الذي صنعته وسائل التواصل الاجتماعي، التي أسهمت في الابتعاد عن العائلة والناس والمجتمع، وهو شيء يتنافى بالطبع مع فطرة الإنسان الذي خلق ليعيش وسط البشر، علما بأن أكثر الذين يعانون من ذلك هم الأطفال والشباب.
وما نصيحتك هنا؟
هنا انصح الشباب والأطفال بضرورة الاندماج في المجتمع وتكوين علاقات نوعية مع الآخرين، ويبقى دور الآباء في ذلك هو الأهم فمن الضروري أن يتمتعوا بالوعي والآباء بهذه المشكلة التي تؤدي إلى إصابة أبنائهم بأمراض نفسية كثيرة منها الوسواس والاكتئاب وغيرها، بل أحيانا يدفع الشعور بالوحدة إلى الرغبة في الانتحار، حيث يرى المختصون أنها تمثل اليوم مدخلا لكثير من العلل النفسية، لذلك لا يجب التقليل من أهميتها أو الاستهتار بها، ولا بد من التصدي لها وعلاجها بكافة السبل، منعا لتفاقم تلك العلل ووصولها إلى مرحلة يصعب عندها تخطيها، ولذلك أحاول جاهدة وطوال الوقت أن أغرس في نفوس أبنائي الثقة بالنفس والتحدث عما يدور بداخلهم من مشاعر سلبية وعدم الخجل أو الشعور بالهيبة من ذلك، وهنا تأتي أهمية التقارب والترابط الأسري والتي يجب التركيز عليها من قبل أولياء الأمور أولا.
ما مدى الوعي بالعلاج النفسي في مجتمعنا؟
أرى أن درجة الوعي بالعلاج النفسي تطورت كثيرا في السنوات الأخيرة وذلك مقارنة بالسابق، حيث أصبحت هناك رغبة في الاستعانة به للتخلص من كثير من المشاكل التي تواجه أي فرد لتمكينه من العيش حياة طبيعية من دون أي مشاكل أو اضطرابات، ويمكن الجزم بأنه صار هناك نوع من التقبل له من دون الشعور بأي إحراج أو خجل أو خوف من نظرة الناس كما كان ذلك في فترة سابقة، والدليل هذا الكم الكبير من الحالات التي تتردد على المعالجين بالعيادة، والتي تجعلهم مشغولين طوال الوقت، وهنا يجب تأكيد حقيقة واضحة وهي أن الكثير من الأمراض العضوية تحدث نتيجة وجود اضطرابات نفسية لدى المرء، وهذا ما أثبته العلم والمختصون على أرض الواقع.
من الدعم النفسي لك؟
يمكن القول بأن الداعم المعنوي الأول لي بعد الخالق سبحانه وتعالى هو زوجي فهو الظهر والسند لي في كل خطواتي عبر مسيرتي الطويلة، ولا أنسى كذلك دور الأهل الذين احتضنوني ووقفوا بجانبي ولم يبخلوا عليّ بأي مساعدة وخاصة في الأوقات والمواقف الصعبة.
حلمك القادم؟
من أهم الطموحات التي تشغلني حاليا هو العمل على التوسع في أنشطة وخدمات المعهد والعيادة، والخروج بهما من النطاق المحلي إلى الخارج لتقديم مساعداتي وخبراتي لأكبر عدد من الناس من مختلف الدول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك