ضمّت زوجها إليها واحتوته بذراعيها بشدّة، وكأنها تريد حمايته أو منعه من أن يفارقها. كانا واقفين على الشاطئ، متعانقين، زوج وزوجة يجمع بينهما حب عميق. وحدهما تحت سماء تسدل غلالةً محْمرّة على شمس باردة تتّجه بتؤدة نحو المغيب، وبمحاذاة مدّ ينقر بحوافره الدرجات الحجرية صاعداً ليصبح في علو الجسر القريب. مدّ يُسْكره ارتطام الموج بحطام سفينة أغرقتها عاصفة عابرة.
- لا ترحل..
كادت تجهش وهي تطلب منه ألا يتركها ثانيةً ويرحل، لكنها لم تستطع أن تمنع دموعها من الجريان على خدّيها. مدّ أصابعه ومسح دموعها التي لسعته حرارتها..
-كفّي عن البكاء. دموعك ثمينة ليست للهدر.. لا تبدّديها.
كادت أن تخرّ على ركبتيها لو لم يسارع إلى الإمساك بها وضمها إلى صدره. بم تتذرّع هالمرأة المنزوع عنها كل أشكال الحصانة؟ المحرومة من الورد وهبات الفرح؟
- لا ترحل..
موحش الفراغ المتجمهر حولها منذ أن قرر السفر متجاهلاً توسلاتها بألا يفعل. لم يصدّق حلمها الذي فيه رأت نفسها أرملة. قال مطمئناً: «لن أغيب طويلاً». لكنه غاب. وترملت هي.
- لا ترحل..
- ليس بيدي، عليّ أن أذهب..
- ابق معي قليلاً.. حتى يهبط الليل..
- ليتني أستطيع.. يجب أن أعود مع مغيب الشمس.
- متى سأراك؟
- لا أدري.. ربما نلتقي في حلمٍ ما..
عندما ابتعد زوجها، كان الماء يتقطّر من ثيابه المبلّلة. طفقت ترمقه في أسى، كابحة بكاءً مرّاً، فيما هو يبتعد متجهاً نحو البحر، ليغمره المدّ ويعود غريقاً كما كان.
(جزء من رواية سوف تصدر قريبا، بعنوان
«كائنات المرايا الجميلة»)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك