العدد : ١٧١٥٤ - الثلاثاء ١١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٤ - الثلاثاء ١١ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٤٦هـ

الثقافي

شارع المتنبي.. أيقونة الثقافة والتاريخ المعماري في بغداد

بغداد‭: ‬محمد‭ ‬القصاص

السبت ٠٨ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

 

يمثل‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬العراقية‭ ‬ورمزاً‭ ‬لتاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬والفكر‭ ‬الذي‭ ‬توارثته‭ ‬الأجيال‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬أب،‭ ‬حيث‭ ‬يلهم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬رواده‭ ‬نفس‭ ‬المعرفة‭ ‬والحوار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عناوين‭ ‬صفحات‭ ‬الكتب‭ ‬المنبثقة‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة‭.‬

عدسة‭ (‬أخبار‭ ‬الخليج‭) ‬جالت‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬الشارع‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة‭ ‬العراقية‭ ‬بغداد‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الميدان‭ ‬وشارع‭ ‬الرشيد‭ ‬ودخلت‭ ‬أزقته‭ ‬المتفرعة‭ ‬بعد‭ ‬صعودها‭ ‬على‭ ‬جسر‭ ‬النهر‭ ‬المطل‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬والذي‭ ‬يشطر‭ ‬بغداد‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭ ‬وهما‭ ‬الكرخ‭ ‬والرصافة‭ ‬مرورا‭ ‬بسوق‭ ‬الجملة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشورجة‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬البوابة‭ ‬القديمة‭ ‬لدخول‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬المشهور‭ ‬بكتبه‭ ‬والمطبعة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المباني‭ ‬البغدادية‭ ‬القديمة‭ ‬المتاخمة‭ ‬له‭ ‬منها‭ ‬مباني‭ ‬المحاكم‭ ‬المدنية‭ ‬قديماً‭ ‬والمسماة‭ ‬حالياً‭ ‬بمبنى‭ ‬القشلة‭ ‬وهي‭ ‬المدرسة‭ ‬الموفقية‭ ‬التي‭ ‬بناها‭ ‬موفق‭ ‬الخادم،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬مبنى‭ ‬القشلة‭ ‬الحالي‭ ‬‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬موضع‭ ‬مديرية‭ ‬العقاري‭ (‬الطابو‭) ‬ووزارة‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الملكي‭ ‬‭ ‬وانتهينا‭ ‬بمقهى‭ ‬الشابندر‭ ‬الثقافي‭ ‬حتى‭ ‬المنفذ‭ ‬النهري‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬المجسم‭ ‬البرونزي‭ ‬للشاعر‭ ‬المتنبي‭ ‬وعبارته‭ ‬الشهيرة‭ (‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬نظر‭ ‬الأعمى‭ ‬إلى‭ ‬أدبي‭ ‬وأسمعت‭ ‬كلماتي‭ ‬من‭ ‬به‭ ‬صمم‭) ‬المكتوبة‭ ‬بالخط‭ ‬الكوفي‭ ‬نسبة‭ ‬لمولده‭ ‬بالكوفة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ (‬965‭ ‬ميلادية‭) ‬حيث‭ ‬يقف‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬زوار‭ ‬ورواد‭ ‬الشارع‭ ‬لالتقاط‭ ‬الصور‭ ‬التذكارية‭ ‬أمام‭ ‬تمثال‭ ‬المتنبي‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬مرسى‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭.‬

تحول‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬الشهير‭ ‬بتنوع‭ ‬مكتباته‭ ‬منذ‭ ‬إعادة‭ ‬ترميمه‭ ‬الذي‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬تاريخه‭ ‬الممتد‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬العراقية‭ ‬بغداد‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬ثقافي‭ ‬مزدهر‭ ‬يجذب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الزوار‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬المار‭ ‬بهذا‭ ‬الشارع‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬مكاناً‭ ‬يسير‭ ‬فيه‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الذروة‭ ‬لكثرة‭ ‬الكتب‭ ‬المعروضة‭ ‬على‭ ‬الأرصفة‭ ‬وشدة‭ ‬الزحام‭ ‬إذ‭ ‬يعج‭ ‬الشارع‭ ‬منذ‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬إلى‭ ‬أوقات‭ ‬متأخرة‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الجمع‭ ‬والعطل‭ ‬الرسمية‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الرواد‭ ‬بينهم‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬والكتّاب‭ ‬وأصحاب‭ ‬الإبداعات‭ ‬والفنون‭ ‬والطلاب‭ ‬المتفاوتة‭ ‬أعمارهم‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وافدين‭ ‬أجانب‭ ‬وعرب‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بأجواء‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجوال‭ ‬أو‭ ‬مشاهدة‭ ‬الفعاليات‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬التي‭ ‬يبدع‭ ‬فيها‭ ‬العراقيون‭ ‬منها‭ ‬الرسم‭ ‬المباشر‭ ‬بأقلام‭ ‬الرصاص‭ ‬والفحم‭ ‬والألوان‭.‬

ويلاصق‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬سوق‭ ‬السراي‭ ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬بسوق‭ (‬الجبقجية‭) ‬أي‭ ‬أصحاب‭ ‬مهنة‭ (‬صناعة‭ ‬آلة‭ ‬التدخين‭) ‬وأصحاب‭ ‬الحرف‭ ‬والمهن‭ ‬الجلدية‭ ‬والساعجية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬والسراي‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬طوله‭ ‬300‭ ‬متر‭ ‬ولا‭ ‬يزيد‭ ‬عرض‭ ‬ممر‭ ‬المشاة‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمتار‭ ‬ويعتبر‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬الأسواق‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وتزامن‭ ‬بناؤه‭ ‬مع‭ ‬بناء‭ ‬جامع‭ ‬الوزير‭ ‬حسن‭ ‬باشا‭ ‬ابن‭ ‬الوزير‭ ‬محمد‭ ‬باشا‭ ‬في‭ ‬العام1660م‭ ‬واشتهر‭ ‬سابقاً‭ ‬بصناعة‭ ‬وتجارة‭ ‬الجلود‭ ‬الطبيعية‭ ‬فسمي‭ ‬سوق‭ ‬السراجين‭ ‬نسبة‭ ‬لصناعة‭ ‬سروج‭ ‬الخيل‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬حاليا‭ ‬بموقع‭ (‬الوراقون‭) ‬ويختص‭ ‬ببيع‭ ‬الدفاتر‭ ‬والأوراق‭ ‬والكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬ولوازمها‭.‬

وأطلق‭ ‬على‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬مسبقا‭ ‬بشارع‭ (‬جديد‭ ‬حسن‭ ‬باشا‭) ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬المشرف‭ ‬العام‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬بلدية‭ ‬ولاية‭ ‬بغداد‭ ‬آنذاك‭ (‬حسن‭ ‬باشا‭) ‬بعدها‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬شارع‭ ‬‮«‬الأكمك‭ ‬خانة‮»‬‭ ‬أي‭ ‬المخبز‭ ‬العسكري‭ ‬باللغة‭ ‬التركية‭ ‬والتي‭ ‬تقع‭ ‬مكتبة‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬بنايته‭ ‬الآن‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬الحديثة‭ ‬وتحديدا‭ ‬عام‭ ‬1932‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬الأول‭ ‬تمّ‭ ‬إطلاق‭ ‬اسم‭ ‬المتنبي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشارع‭ ‬تخليدا‭ ‬للشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬احمد‭ ‬بن‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬عبدالصمد‭ ‬الجعفي‭ ‬الكوفي‭ ‬الكندي‭ ‬أبو‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‭.‬

أما‭ ‬مقهى‭ ‬الشابندر‭ ‬العريق‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬تأسيسه‭ ‬إلى‭ ‬1917‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬البناية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مطبعة‭ ‬لطبع‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬والذي‭ ‬فقد‭ ‬صاحبه‭ ‬محمد‭ ‬كاظم‭ ‬الخشالي‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬للعام‭ ‬الجاري‭ ‬فيعتبر‭ ‬واحداَ‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬ملتقيات‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬حيث‭ ‬يجتمع‭ ‬رواده‭ ‬حول‭ ‬فناجين‭ ‬القهوة‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬الفكري‭ ‬والإبداعي‭ ‬والنقاش‭ ‬حول‭ ‬أحدث‭ ‬المستجدات‭ ‬الثقافية‭.‬

يكتظ‭ ‬مقهى‭ ‬الشابندر‭ ‬العريق‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬تأسيسه‭ ‬إلى‭ ‬1917‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬البناية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مطبعة‭ ‬لطبع‭ ‬الكتب‭ ‬برواده‭ ‬وزائري‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬حيث‭ ‬يشهد‭ ‬زخماً‭ ‬كبيراً‭.‬

ويرجع‭ ‬اسم‭ ‬هذا‭ ‬المقهى‭ (‬الشابندر‭) ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬أسرة‭ ‬الشابندر‭ ‬العريقة‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬العائلات‭ ‬البغدادية‭ ‬القديمة،‭ ‬حيث‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬والتجاري‭ ‬مهنة‭ ‬لهم‭.‬

ويتميز‭ ‬المقهى‭ ‬بجوّه‭ ‬البغدادي‭ ‬القديم‭ ‬حيث‭ ‬تزين‭ ‬جدرانه‭ ‬صور‭ ‬الملوك‭ ‬والوزراء‭ ‬وكبار‭ ‬المثقفين‭ ‬ليشكل‭ ‬بذلك‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬بغداد‭ ‬الثقافي‭ ‬العريق‭.‬

وعلى‭ ‬مر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬كان‭ ‬المقهى‭ ‬يشهد‭ ‬حضوراً‭ ‬لافتاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المسؤولين‭ ‬العراقيين‭ ‬إذ‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬ارتياده‭ ‬الموظفون‭ ‬وكبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬محطّ‭ ‬أنظار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوفود‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تزور‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬ليبقى‭ ‬المقهى‭ ‬بمثابة‭ ‬منتدى‭ ‬دائم‭ ‬لتبادل‭ ‬الأحاديث‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬والفنية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬مكاناً‭ ‬مكملا‭ ‬لشارع‭ ‬المتنبي‭ ‬ينبض‭ ‬بالحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬المتجددة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا