يمثل شارع المتنبي جزءاً من الهوية الثقافية العراقية ورمزاً لتاريخ طويل من الأدب والفكر الذي توارثته الأجيال جدا عن أب، حيث يلهم العديد من رواده نفس المعرفة والحوار من خلال عناوين صفحات الكتب المنبثقة من أفكار الأجيال المتعاقبة.
عدسة (أخبار الخليج) جالت في ثنايا الشارع الواقع في وسط العاصمة العراقية بغداد بالقرب من منطقة الميدان وشارع الرشيد ودخلت أزقته المتفرعة بعد صعودها على جسر النهر المطل على نهر دجلة والذي يشطر بغداد إلى قسمين وهما الكرخ والرصافة مرورا بسوق الجملة في منطقة الشورجة وصولا إلى البوابة القديمة لدخول شارع المتنبي المشهور بكتبه والمطبعة التي تعود إلى القرن التاسع عشر إضافة إلى بعض المباني البغدادية القديمة المتاخمة له منها مباني المحاكم المدنية قديماً والمسماة حالياً بمبنى القشلة وهي المدرسة الموفقية التي بناها موفق الخادم، حيث كانت هذه المدرسة في موقع مبنى القشلة الحالي – والذي كان موضع مديرية العقاري (الطابو) ووزارة العدل في العهد الملكي – وانتهينا بمقهى الشابندر الثقافي حتى المنفذ النهري الذي يحمل المجسم البرونزي للشاعر المتنبي وعبارته الشهيرة (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم) المكتوبة بالخط الكوفي نسبة لمولده بالكوفة في عهد الدولة العباسية (965 ميلادية) حيث يقف العشرات من زوار ورواد الشارع لالتقاط الصور التذكارية أمام تمثال المتنبي على ضفاف مرسى نهر دجلة.
تحول شارع المتنبي الشهير بتنوع مكتباته منذ إعادة ترميمه الذي حافظ على تاريخه الممتد منذ ثلاثينيات القرن الماضي في العاصمة العراقية بغداد إلى مركز ثقافي مزدهر يجذب الكثير من الزوار ولا يكاد المار بهذا الشارع أن يجد مكاناً يسير فيه وخاصة في أوقات الذروة لكثرة الكتب المعروضة على الأرصفة وشدة الزحام إذ يعج الشارع منذ الساعات الأولى في النهار إلى أوقات متأخرة في الليل وخاصة في أيام الجمع والعطل الرسمية بالعديد من الرواد بينهم الشعراء والأدباء والكتّاب وأصحاب الإبداعات والفنون والطلاب المتفاوتة أعمارهم إلى جانب وافدين أجانب وعرب للاستمتاع بأجواء الثقافة والأدب من خلال التجوال أو مشاهدة الفعاليات الثقافية والفنية التي يبدع فيها العراقيون منها الرسم المباشر بأقلام الرصاص والفحم والألوان.
ويلاصق شارع المتنبي سوق السراي المعروف في القرن الخامس عشر الميلادي بسوق (الجبقجية) أي أصحاب مهنة (صناعة آلة التدخين) وأصحاب الحرف والمهن الجلدية والساعجية وغيرها من المهن والسراي لا يتعدى طوله 300 متر ولا يزيد عرض ممر المشاة فيه عن ثلاثة أمتار ويعتبر من أقدم الأسواق في بغداد وتزامن بناؤه مع بناء جامع الوزير حسن باشا ابن الوزير محمد باشا في العام1660م واشتهر سابقاً بصناعة وتجارة الجلود الطبيعية فسمي سوق السراجين نسبة لصناعة سروج الخيل في عهد الدولة العثمانية فيما يعرف حاليا بموقع (الوراقون) ويختص ببيع الدفاتر والأوراق والكتب المدرسية ولوازمها.
وأطلق على شارع المتنبي مسبقا بشارع (جديد حسن باشا) نسبة إلى المشرف العام عليه وهو رئيس بلدية ولاية بغداد آنذاك (حسن باشا) بعدها أطلق عليه اسم شارع «الأكمك خانة» أي المخبز العسكري باللغة التركية والتي تقع مكتبة النهضة في نفس بنايته الآن وبعد ذلك وفي عهد الدولة العراقية الحديثة وتحديدا عام 1932 إبان فترة حكم الملك فيصل الأول تمّ إطلاق اسم المتنبي على هذا الشارع تخليدا للشاعر الكبير احمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي.
أما مقهى الشابندر العريق الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1917 بعد أن كانت البناية عبارة عن مطبعة لطبع الكتب في شارع المتنبي والذي فقد صاحبه محمد كاظم الخشالي في يناير للعام الجاري فيعتبر واحداَ من أشهر ملتقيات الأدباء والمفكرين في بغداد حيث يجتمع رواده حول فناجين القهوة في أجواء من التفاعل الفكري والإبداعي والنقاش حول أحدث المستجدات الثقافية.
يكتظ مقهى الشابندر العريق الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1917 بعد أن كانت البناية عبارة عن مطبعة لطبع الكتب برواده وزائري شارع المتنبي لا سيما يوم الجمعة حيث يشهد زخماً كبيراً.
ويرجع اسم هذا المقهى (الشابندر) نسبة إلى أسرة الشابندر العريقة وهي إحدى العائلات البغدادية القديمة، حيث تتخذ من العمل السياسي والتجاري مهنة لهم.
ويتميز المقهى بجوّه البغدادي القديم حيث تزين جدرانه صور الملوك والوزراء وكبار المثقفين ليشكل بذلك جزءاً من تاريخ بغداد الثقافي العريق.
وعلى مر أكثر من قرن من الزمن كان المقهى يشهد حضوراً لافتاً من قبل المسؤولين العراقيين إذ اعتاد على ارتياده الموظفون وكبار المسؤولين في الدولة العراقية كما أصبح اليوم محطّ أنظار العديد من الوفود العربية والأجنبية التي تزور شارع المتنبي ليبقى المقهى بمثابة منتدى دائم لتبادل الأحاديث الثقافية والفكرية والفنية إضافة إلى كونه مكاناً مكملا لشارع المتنبي ينبض بالحياة الثقافية المتجددة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك