العدد : ١٧١٤٧ - الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٧ - الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رمضان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دروس من التاريخ.. هل البيئة أسقطت إمبراطورية؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الثلاثاء ٠٤ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

منذ‭ ‬أن‭ ‬نشرتُ‭ ‬كتابي‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1994‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬كوارث‭ ‬وضحايا‭: ‬قصص‭ ‬بيئية‭ ‬واقعية‮»‬،‭ ‬وخصصتُ‭ ‬فصلا‭ ‬واحدا‭ ‬عنوانه‭: ‬‮«‬الحوادث‭ ‬البيئية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بأمن‭ ‬الدول‮»‬،‭ ‬وأنا‭ ‬أُتابع‭ ‬قضية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬تدهور‭ ‬البيئة‭ ‬وتلوث‭ ‬مكوناتها‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬العظمى‭ ‬الغابرة‭ ‬والحديثة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭. ‬

ولذلك‭ ‬قدَّمت‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬مثالاً‭ ‬واحداً‭ ‬لأبين‭ ‬مصداقية‭ ‬وواقعية‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة،‭ ‬والتي‭ ‬مفادها‭ ‬بأن‭ ‬البيئة‭ ‬إذا‭ ‬تلوثت‭ ‬وتدمرت‭ ‬وانعكست‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للإنسان‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬أمراض‭ ‬حادة‭ ‬ومزمنة‭ ‬تنقله‭ ‬إلى‭ ‬مثواه‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬سنٍ‭ ‬مبكرة،‭ ‬فإنها‭ ‬تؤدي‭ ‬مع‭ ‬تراكمها،‭ ‬واستمرارها،‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬واتساع‭ ‬نطاق‭ ‬مشكلة‭ ‬تدهور‭ ‬البيئة‭ ‬ومرض‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وتفكيك‭ ‬أواصر‭ ‬الدول،‭ ‬أو‭ ‬تمزق‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬العظمى‭. ‬والمثال‭ ‬الذي‭ ‬ضربته‭ ‬هو‭ ‬سقوط‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬السوفيتية‭ ‬الشيوعية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ممتدة‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬وتضم‭ ‬دولاً‭ ‬كثيرة،‭ ‬من‭ ‬جمهوريات‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬كألمانيا‭ ‬الشرقية،‭ ‬وبولندا،‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬وهنجاريا،‭ ‬ورومانيا،‭ ‬ويوغسلافيا‭. ‬فهذه‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬سقطت‭ ‬بسبب‭ ‬عوامل‭ ‬متعددة‭ ‬تجذرت‭ ‬في‭ ‬شرايينها،‭ ‬وتفاقمت‭ ‬وتجمعت‭ ‬تأثيراتها‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬منها‭ ‬سياسية،‭ ‬واجتماعية،‭ ‬واقتصادية‭. ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬عاملاً‭ ‬رابعاً‭ ‬جديداً‭ ‬غفل‭ ‬عنه‭ ‬الجميع،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقعه‭ ‬ويفكر‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬كعامل‭ ‬فاعل‭ ‬ومؤثر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬مع‭ ‬العوامل‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬الحكومات،‭ ‬وانهيار‭ ‬الدول،‭ ‬وهذا‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬هذه‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬هو‭ ‬التدهور‭ ‬الشديد‭ ‬والعميق‭ ‬الذي‭ ‬تجذر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬وتداعياتها‭ ‬المرضية‭ ‬المزمنة‭ ‬والقاتلة‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬لعشرات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجمهوريات‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تخضع‭ ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬السوفيتية‭.‬

ومن‭ ‬سقوط‭ ‬هذه‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬السوفيتية‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬وعوامل‭ ‬متعددة‭ ‬منها‭ ‬‮«‬البيئة‮»‬،‭ ‬برزتْ‭ ‬أسئلة‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬تلوث‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬وإسهامه‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬الإمبراطوريات‭ ‬القديمة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬سنة‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬هناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬علاقة‭ ‬أحد‭ ‬الملوثات‭ ‬القديمة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬قِدم‭ ‬وجود‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬بالأمن‭ ‬العام‭ ‬واستقرار‭ ‬الأمم،‭ ‬وهذا‭ ‬الملوث‭ ‬الكيميائي‭ ‬مازال‭ ‬موجوداً‭ ‬اليوم،‭ ‬وسيكون‭ ‬موجوداً‭ ‬معنا‭ ‬غداً‭ ‬أيضاً‭ ‬ولعقود‭ ‬طويلة‭ ‬قادمة،‭ ‬وهو‭ ‬عنصر‭ ‬الرصاص‭ ‬السام‭.‬

فقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬عام‭ ‬تعرض‭ ‬الشعب‭ ‬الروماني‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬لعنصر‭ ‬الرصاص‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬مختلفة‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬استخراج‭ ‬وصهر‭ ‬خام‭ ‬الرصاص‭ ‬لاستخلاص‭ ‬الفضة‭ ‬والذهب،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬الصهر‭ ‬كانت‭ ‬تنبعث‭ ‬منها‭ ‬وإلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬مباشرة‭ ‬الرصاص‭ ‬السام،‭ ‬فيستنشقه‭ ‬العمال‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يسكنون‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المناجم‭ ‬والمصاهر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أواني‭ ‬الطبخ‭ ‬والشرب‭ ‬كانت‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الرصاص،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعرض‭ ‬الرومانيين‭ ‬للرصاص‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شرب‭ ‬المياه‭ ‬الملوثة‭ ‬بالرصاص‭ ‬من‭ ‬مصدرين‭ ‬مختلفين‭. ‬المصدر‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مياه‭ ‬الشرب‭ ‬كانت‭ ‬تُنقل‭ ‬إلى‭ ‬المنازل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنابيب‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬مركبات‭ ‬الرصاص،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الرومان‭ ‬كانوا‭ ‬يُضيفون‭ ‬سُماً‭ ‬إلى‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬لحفظها‭ ‬وإعطائها‭ ‬الطعم‭ ‬والمذاق‭ ‬الحلو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬مركب‭ ‬‮«‬أَسِيتَيت‭ ‬الرصاص‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬المعروف‭ ‬بسكر‭ ‬الرصاص‭. ‬

كذلك‭ ‬تعرض‭ ‬الرومان‭ ‬للرصاص‭ ‬السام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدهان‭ ‬والأصباغ‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مركبات‭ ‬الرصاص،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الرصاص‭ ‬كان‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬منتجات‭ ‬ألعاب‭ ‬الأطفال،‭ ‬ومنتجات‭ ‬الزينة‭ ‬والتبرج،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الكحل‭ ‬المحتوي‭ ‬على‭ ‬الرصاص،‭ ‬والذي‭ ‬مازال‭ ‬يُستخدم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭.‬

وآخر‭ ‬دراسة‭ ‬حاولت‭ ‬سبر‭ ‬غور‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬التلوث‭ ‬وانهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية،‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬تلوث‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬لعموم‭ ‬أوروبا،‭ ‬ومستويات‭ ‬الرصاص‭ ‬المرتفعة‭ ‬في‭ ‬الدم،‭ ‬والتدهور‭ ‬المعرفي‭ ‬للإنسان‭ ‬من‭ ‬التعدين‭ ‬والصهر‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الروماني‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬البحث‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬وقائع‭ ‬الأكاديمية‭ ‬القومية‭ ‬للعلوم‮»‬‭ ( ‬Proceedings‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬National‭ ‬Academy‭ ‬of‭ ‬Sciences‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬بتحليل‭ ‬تركيز‭ ‬الرصاص‭ ‬المحبوس‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬غاز‭ ‬في‭ ‬العينات‭ ‬من‭ ‬أعمدة‭ ‬الجليد‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬والمحفوظة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬جامعات‭ ‬أمريكا،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأعمدة‭ ‬الجليدية‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬جرينلاند‭ ‬وروسيا‭. ‬فمن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الثلج‭ ‬عندما‭ ‬ينزل‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬الغازات‭ ‬والجسيمات‭ ‬الدقيقة‭ ‬العالقة‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬ثم‭ ‬عندما‭ ‬يلمس‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬ينضغط‭ ‬ويبدأ‭ ‬في‭ ‬التراكم‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬يحبس‭ ‬معه‭ ‬هذه‭ ‬الغازات،‭ ‬أو‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬سُجنت‭ ‬بداخله،‭ ‬وكأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬معتقل‭ ‬مغلق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭.‬

ففي‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬الزمنية‭ ‬الرومانية‭ ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬الإنسان‭ ‬الأضرار‭ ‬الصحية‭ ‬الخطيرة‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬التعرض‭ ‬للرصاص‭ ‬السام،‭ ‬سواء‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأنف،‭ ‬أو‭ ‬الفم،‭ ‬أو‭ ‬الجلد،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬بأن‭ ‬لهذا‭ ‬العنصر‭ ‬السام‭ ‬خاصية‭ ‬التراكم‭ ‬والتركيز‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬تأثيراته‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للمجتمع‭ ‬برمته‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬التعرض‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭.‬

ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬ولأكثر‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬ونتيجة‭ ‬للدراسات‭ ‬والأبحاث‭ ‬التي‭ ‬أُجريت‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الصحي‭ ‬للتعرض‭ ‬للرصاص،‭ ‬فقد‭ ‬أجمع‭ ‬الأطباء‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬للرصاص‭ ‬مردودات‭ ‬صحية‭ ‬مدمرة‭ ‬ومهلكة‭ ‬للفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬والشيوخ‭. ‬فبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بخصوبة‭ ‬الإنسان،‭ ‬والإصابة‭ ‬بفقر‭ ‬الدم‭ ‬وفقدان‭ ‬الذاكرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أمراض‭ ‬القلب،‭ ‬والسرطان،‭ ‬وضعف‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأطفال‭ ‬فله‭ ‬تأثير‭ ‬شامل‭ ‬على‭ ‬جسم‭ ‬الطفل،‭ ‬ذهنياً،‭ ‬ونفسياً،‭ ‬وعقلياً،‭ ‬وجسدياً،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬انعكاساً‭ ‬سلبياً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الذكاء‭ ‬والتحصيل‭ ‬العلمي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أي‭ ‬كيو‮»‬‭ (‬IQ‭)‬،‭ ‬كذلك‭ ‬أجمعوا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حد‭ ‬آمن‭ ‬للرصاص‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭.‬

فالدراسة‭ ‬الحالية‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬استنتاجات‭ ‬مهمة‭ ‬تؤكد‭ ‬تعرض‭ ‬الرومان‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬لمصادر‭ ‬مختلفة‭ ‬وكثيرة‭ ‬للرصاص‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬تدهور‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬للرومان‭ ‬نتيجة‭ ‬للتعرض‭ ‬لهذا‭ ‬الرصاص‭ ‬السام،‭ ‬وهذا‭ ‬التدهور‭ ‬الصحي‭ ‬اكتشفه‭ ‬الأطباء‭ ‬الآن،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الروماني‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬أمراض‭ ‬الرصاص‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سقوطه‭ ‬وانهياره‭.‬

فقد‭ ‬أشارت‭ ‬الدراسة‭ ‬بعد‭ ‬تحليل‭ ‬الغازات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محبوسة‭ ‬في‭ ‬العمود‭ ‬الثلجي‭ ‬القديم،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬كان‭ ‬قرابة‭ ‬150‭ ‬نانوجراماً‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬المتر‭ ‬المكعب‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينبعث‭ ‬منها‭ ‬الرصاص‭ ‬مباشرة‭ ‬كعمليات‭ ‬استخراج‭ ‬الرصاص‭ ‬وصهر‭ ‬المعدن‭ ‬الغني‭ ‬بالرصاص‭ (‬galena‭) ‬لاستخلاص‭ ‬الفضة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬لصناعة‭ ‬العملات،‭ ‬وفي‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬قَدرت‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬تركيز‭ ‬الرصاص‭ ‬كان‭ ‬قرابة‭ ‬1‭ ‬نانوجرام‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬المتر‭ ‬المكعب‭ ‬من‭ ‬الهواء‭.‬

وأما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الدم،‭ ‬فإن‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬بالرصاص‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬بنحو‭ ‬2‭.‬4‭ ‬ميكروجرام‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬لكل‭ ‬ديسيلتر‭ ‬من‭ ‬الدم،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬تقدير‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬دم‭ ‬الأطفال‭ ‬قرابة‭ ‬3‭.‬5‭ ‬ميكروجرامات‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬لكل‭ ‬ديسيلتر‭ ‬من‭ ‬الدم،‭ ‬قياساً‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الحالية‭ ‬للرصاص‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬وفي‭ ‬الدم‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬الرصاص‭ ‬في‭ ‬دم‭ ‬أطفال‭ ‬الرومان‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬الذهني‭ ‬والعقلي،‭ ‬حيث‭ ‬خفض‭ ‬من‭ ‬مقياس‭ ‬‮«‬أي‭ ‬كيو‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬2‭.‬5‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬نقاط‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬وعموم‭ ‬الناس،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التأثيرات‭ ‬الصحية‭ ‬الكثيرة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬اكتشفها‭ ‬العلماء‭ ‬الآن‭.‬

وخلاصة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬السوفيتية‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬لعوامل‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬تلوث‭ ‬البيئة‭ ‬وتدهور‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬بسبب‭ ‬أمراض‭ ‬التلوث،‭ ‬فإن‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬أيضاً‭ ‬تمزقت‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬العامل‭ ‬البيئي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬التعرض‭ ‬للرصاص‭ ‬السام‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬كثيرة‭ ‬جدا‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا