العدد : ١٧١٤٢ - الخميس ٢٧ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٢ - الخميس ٢٧ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في مواجهة مخططات التطهير العرقي للشعب الفلسطيني

بقلم: د. مصطفى البرغوثي

الخميس ٢٧ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

يمثل‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬تصعيد‭ ‬للحرب‭ ‬والاحتلال‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬مؤشّراً‭ ‬إلى‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الكبرى‭ ‬للفاشية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تخوض‭ ‬حرب‭ ‬‮«‬حسم‮»‬‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬الصهيوني‭ - ‬الفلسطيني‭ ‬لصالحها‭. ‬وتحولها‭ ‬نحو‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكري‭ ‬الكامل‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وترسيخ‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬فلسطينية‭ ‬بلا‭ ‬سلطة‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الكامل‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬الصهيونية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكتفي‭ ‬بتحوّل‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاستيطاني‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬بل‭ ‬تريد‭ ‬حسم‭ ‬الصراع‭ ‬بالتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬أو‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تخفيض‭ ‬الوجود‭ ‬الديمغرافي‭ ‬بالترحيل،‭ ‬وتعطيل‭ ‬تأثيره‭ ‬بجعل‭ ‬الوجود‭ ‬البشري‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مؤقتاً‭ ‬وخانعاً،‭ ‬عبر‭ ‬كسر‭ ‬مقاومته‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬اضطرّ‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬التراجع‭ ‬الضمني‭ ‬عن‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬بالتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬لسكان‭ ‬غزّة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لقيت‭ ‬دعوته‭ ‬استنكاراً‭ ‬ورفضاً‭ ‬فلسطينياً‭ ‬وعربياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬بتحريض‭ ‬إسرائيلي‭ ‬قاده‭ ‬نتنياهو‭ ‬ووزير‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬دريمر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقنعوه‭ ‬بفكرة‭ ‬استحالة‭ ‬فصل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحركة‭ ‬حماس‭ ‬عن‭ ‬حاضنتها‭ ‬الشعبية،‭ ‬لتبرير‭ ‬تهجير‭ ‬شامل‭ ‬لكل‭ ‬أهل‭ ‬القطاع،‭ ‬بل‭ ‬كرّر،‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة،‭ ‬فكرة‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

لا‭ ‬يجوز‭ ‬تهويل‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬ترامب،‭ ‬ويسعى‭ ‬إليه‭ ‬نتنياهو،‭ ‬أو‭ ‬تصويرهما‭ ‬كِليهما‭ ‬كلّيّي‭ ‬القدرة،‭ ‬وقادريْن‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يطلقانه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خجل‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬لا‭ ‬تجوز‭ ‬الاستهانة‭ ‬أو‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بما‭ ‬يقولانه،‭ ‬أو‭ ‬بمدى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التصدّي‭ ‬لما‭ ‬يطرحانه‭ ‬من‭ ‬ضم‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وترحيل‭ ‬لسكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭.‬

ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬خطوات‭ ‬استراتيجية‭ ‬للتصدّي‭ ‬لهذه‭ ‬الدعوات‭: ‬

أولاً‭: ‬فلسطينياً،‭ ‬تنحية‭ ‬الخلافات‭ ‬الداخلية،‭ ‬وتخلّي‭ ‬الواهمين‭ ‬عن‭ ‬أوهام‭ ‬إمكانية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬عبر‭ ‬استرضاء‭ ‬الجانب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ويكفيهم‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬ترامب‭ ‬بزيلينسكي‭ ‬عبرة‭. ‬والتوجه‭ ‬الصادق‭ ‬نحو‭ ‬تنفيذ‭ ‬اتفاق‭ ‬بكين‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وفاق‭ ‬وطني‭ ‬فوراً‭ ‬وقيادة‭ ‬وطنية‭ ‬موحدة‭ ‬للنضال‭ ‬الوطني‭ ‬تعيد‭ ‬لمنظمّة‭ ‬التحرير‭ ‬دورها‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬الوطني،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬مقومات‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ثانياً‭: ‬عربياً،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُصدر‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬القمة‭ ‬المقبلة‭ ‬موقفاً‭ ‬حاسماً،‭ ‬واضحاً‭ ‬وقوياً،‭ ‬باللغة‭ ‬والمضمون،‭ ‬يرفض‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلاً،‭ ‬بل‭ ‬تسميته‭ ‬باسمه‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬حرب‮»‬‭. ‬وأن‭ ‬يترافق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬سياسي‭ ‬واضح‭ ‬لمواقف‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬والسعودية‭ ‬الرافضة‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬للتطهير‭ ‬العرقي‭. ‬وأن‭ ‬يصاحبه‭ ‬توفير‭ ‬سلة‭ ‬أمان‭ ‬مالية،‭ ‬تدعم‭ ‬الصمود‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬والقطاع،‭ ‬وتدعم‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬إذا‭ ‬تعرّضا‭ ‬للابتزاز‭ ‬المالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬لرفضهما‭ ‬مخطّط‭ ‬ترامب‭ ‬للتطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬وتدعم‭ ‬خطة‭ ‬فورية‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬المطالبة‭ ‬بإجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬تعويضات‭ ‬عن‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وسترتبط‭ ‬جدّية‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬بتأييد‭ ‬عربي‭ ‬صريح‭ ‬لجهود‭ ‬الوحدة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬اتفاق‭ ‬بكين‭.‬

ودولياً،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تصعيد‭ ‬حملة‭ ‬واسعة‭ ‬تعيد‭ ‬استنهاض‭ ‬الحراك‭ ‬التضامني‭ ‬مع‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وتتصدّى‭ ‬لمحاولات‭ ‬نتنياهو‭ ‬استئناف‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزّة،‭ ‬ولمساعي‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬وأن‭ ‬يترافق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬لجذب‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬مهمّة‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬الانشغال‭ ‬عن‭ ‬أكبر‭ ‬خطر‭ ‬يهدّد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬يتجاوز‭ ‬في‭ ‬حجمه‭ ‬ومقاصده‭ ‬نكبة‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬بصراعات‭ ‬داخلية،‭ ‬لا‭ ‬مبرّر‭ ‬لها،‭ ‬ولا‭ ‬طائل‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬عندما‭ ‬تتخذ‭ ‬طابع‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬بسياسة‭ ‬نتنياهو‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬بلا‭ ‬سلطة،‭ ‬تعيش‭ ‬مثل‭ ‬شعبها‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الكامل‮»‬‭.‬

‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬فقدان‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تمثيل‭ ‬نفسه،‭ ‬ومحاولات‭ ‬تهميش‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير،‭ ‬وفرض‭ ‬وصايات‭ ‬خارجية‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬مصدرها،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬التفريط‭ ‬بمصالح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬العرب‭ ‬والعالم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬صفاً‭ ‬واحداً‭ ‬موحداً‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المؤامرات‭ ‬عليهم‭.‬

قدم‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬جنين‭ ‬وطولكرم‭ ‬والفارعة‭ ‬وسائر‭ ‬أنحاء‭ ‬فلسطين‭ ‬نموذجاً‭ ‬رائعاً‭ ‬من‭ ‬التكاتف‭ ‬والالتفاف‭ ‬حول‭ ‬المتضرّرين‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وساندوهم‭ ‬بكل‭ ‬قوة،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬القادة‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬والرسميون،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الرائع‭ ‬الذي‭ ‬يجسّد‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬نضاله‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭. ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬السماح‭ ‬لأحد‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬شيطنة‭ ‬كل‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬بادّعاء‭ ‬أنها‭ ‬مؤامرات‭ ‬ضد‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وما‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬التصدّي‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬يتطلب‭ ‬بذل‭ ‬كل‭ ‬جهد‭ ‬ممكن‭ ‬لإجبار‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬الجدّي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬نهايتها‭ ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬وانسحاب‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭.‬

 

{ الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحركة‭ ‬

المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا