العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٣ - الجمعة ٠٩ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تأثير الذكاء الاصطناعي على الحروب المعاصرة

بقلم: د. ياسر عبد العزيز

الخميس ٢٧ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

تحفل‭ ‬دراسات‭ ‬الحرب‭ ‬وتطوراتها‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المداخل،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تناولها‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬وبعض‭ ‬تلك‭ ‬المداخل‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجغرافيا‭ ‬السياسية،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬يختص‭ ‬بالموارد‭ ‬أو‭ ‬التنظيم،‭ ‬كما‭ ‬يظل‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬تلك‭ ‬المداخل‭ ‬وأكثرها‭ ‬تأثيرا،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬قائدا‭ ‬ومخططا،‭ ‬أو‭ ‬جنديا‭ ‬فردا‭ ‬ضمن‭ ‬الجحافل‭ ‬المقاتلة‭.‬

لكن‭ ‬ثمة‭ ‬مدخلا‭ ‬حيويا‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬مقاربة‭ ‬تاريخ‭ ‬الحرب‭ ‬واستشراف‭ ‬مستقبلها‭.. ‬إنه‭ ‬مدخل‭ ‬العلم،‭ ‬إذ‭ ‬سيمكن‭ ‬ببساطة‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬الحرب‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬انعكاس‭ ‬لتطور‭ ‬العلوم‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تسخيرها‭ ‬لخدمة‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬أهدافها،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬ستبرز‭ ‬خطورة‭ ‬تطور‭ ‬آليات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والأنباء‭ ‬المتواترة‭ ‬عن‭ ‬بدء‭ ‬تفعيل‭ ‬أدوارها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬القتال‭. ‬وللحرب‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬والمكتشفات‭ ‬الحديثة،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬212‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬حين‭ ‬هاجم‭ ‬الجنود‭ ‬الرومان‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬سرقوسة‮»‬،‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬‮«‬صقلية‮»‬،‭ ‬بأسطول‭ ‬ضخم،‭ ‬قام‭ ‬أرشميدس،‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬والرياضيات‭ ‬والفلك‭ ‬الشهير،‭ ‬بتسخير‭ ‬قدراته‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الدفاع،‭ ‬عندما‭ ‬وضع‭ ‬ألواحا‭ ‬عاكسة‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مختارة،‭ ‬بحيث‭ ‬أمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬بكثافة‭ ‬شديدة،‭ ‬مستهدفة‭ ‬نقاطا‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬سفن‭ ‬الأسطول‭ ‬الروماني،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اشتعال‭ ‬الحرائق‭ ‬فيها‭.‬

وكما‭ ‬كان‭ ‬استخدام‭ ‬الخيول‭ ‬المدرعة‭ ‬حدثا‭ ‬مفصليا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحروب،‭ ‬أضحي‭ ‬استخدام‭ ‬العربة‭ ‬الحربية‭ ‬إيذانا‭ ‬بعصر‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬القتال،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعدما‭ ‬حسم‭ ‬معارك‭ ‬مؤثرة‭ ‬غيرت‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1520،‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬اختراع‭ ‬البندقية‭ ‬الإسبانية،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬إيذانا‭ ‬بتغير‭ ‬جوهري‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬القتال،‭ ‬حيث‭ ‬توارت‭ ‬‮«‬شجاعة‭ ‬الفرسان‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬مخاتلات‭ ‬البنادق‮»‬‭. ‬ولعقود‭ ‬طويلة،‭ ‬كانت‭ ‬الخيول‭ ‬المُدّرعة‭ ‬كفيلة‭ ‬بحسم‭ ‬أي‭ ‬معركة‭ ‬من‭ ‬معارك‭ ‬الجيل‭ ‬الأول‭ ‬للحرب،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬اختراع‭ ‬المدفعية،‭ ‬فباتت‭ ‬تلك‭ ‬الخيول‭ ‬وبالا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يستخدمها‭. ‬لقد‭ ‬حدث‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬حين‭ ‬غزا‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1798،‭ ‬ليواجه‭ ‬بمدفعيته‭ ‬فرسان‭ ‬المماليك‭ ‬الشجعان‭ ‬في‭ ‬ملابسهم‭ ‬المزركشة،‭ ‬ودروعهم‭ ‬الثقيلة،‭ ‬وخيولهم‭ ‬الأصيلة‭. ‬وكما‭ ‬نعرف،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬مفجعة،‭ ‬إذ‭ ‬انهزم‭ ‬الفرسان‭ ‬الشجعان‭ ‬ببساطة،‭ ‬ولم‭ ‬يُمنحوا‭ ‬فرصة‭ ‬منازلة‭ ‬العدو‭ ‬بسيوفهم،‭ ‬وخرجوا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭.‬

لم‭ ‬يستفد‭ ‬فرسان‭ ‬المماليك‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الخيول‭ ‬الأصيلة،‭ ‬لأن‭ ‬مدفعية‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرا،‭ ‬لكن‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬كلها‭ ‬مُنيت‭ ‬بهزيمة‭ ‬نكراء‭ ‬لاحقا‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجيش‭ ‬الألماني،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬دبابات‭ ‬مدرعة‭ ‬خفيفة‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬بانتزر‭ ‬مارك‭ ‬الثاني‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬الدبابات‭ ‬التي‭ ‬مكّنته‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الاختراق‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬العدو،‭ ‬والالتفاف‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬‮«‬ماجينو‮»‬‭.‬

فحين‭ ‬شاركت‭ ‬الدبابة‭ ‬في‭ ‬أولى‭ ‬العمليات‭ ‬الميدانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1916،‭ ‬اضطر‭ ‬القادة‭ ‬والمخططون‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬تغييرات‭ ‬جوهرية‭ ‬على‭ ‬خططهم‭ ‬ووسائلهم،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬لهزة‭ ‬كبيرة‭ ‬بمجرد‭ ‬مشاركة‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬1918،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬النهاية‭.‬

وفي‭ ‬6‭ ‬أغسطس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬حُبست‭ ‬أنفاس‭ ‬العالم،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬قصف‭ ‬مدينة‭ ‬هيروشيما‭ ‬اليابانية‭ ‬بالقنبلة‭ ‬الذرية،‭ ‬وهو‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬كثيرون‭ ‬أنه‭ ‬بمنزلة‭ ‬نهاية‭ ‬مبكرة‭ ‬لـ«قصة‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬الحرب‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أن‭ ‬استأثرت‭ ‬باهتمام‭ ‬بحثي‭ ‬كبير،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬بروز‭ ‬دور‭ ‬هجماتها‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬المعاصرة‭.‬

إنها‭ ‬قصة‭ ‬الحرب‭ ‬إذًا‭. ‬الموارد‭ ‬والمعدات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬ووسائل‭ ‬استخدامها‭ ‬تحدد‭ ‬اسم‭ ‬المنتصر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬شجاعة‭ ‬المقاتلين‭ ‬أو‭ ‬الحق‭ ‬الأخلاقي‭.‬

واليوم،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المستقبل‭ ‬بات‭ ‬رهينة‭ ‬لمستجدات‭ ‬وتطورات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬عنصرا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬حسم‭ ‬المعارك،‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ما‭ ‬أضحينا‭ ‬نعرفه‭ ‬بعدما‭ ‬كشفت‭ ‬الأنباء‭ ‬عن‭ ‬استفادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬أبرمتها‭ ‬مع‭ ‬شركتي‭ ‬‮«‬مايكروسوفت‮»‬‭ ‬و«أوبن‭ ‬إيه‭ ‬آي‮»‬‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬قدرات‭ ‬نوعية‭ ‬للتتبع‭ ‬والاستهداف،‭ ‬بشكل‭ ‬مكّنها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬اختراقات‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ولبنان‭. ‬فوفقا‭ ‬لتحقيق‭ ‬استقصائي‭ ‬نشرته‭ ‬وكالة‭ ‬أنباء‭ ‬‮«‬أسوشيتد‭ ‬برس‮»‬،‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬ارتفع‭ ‬معدل‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬بنحو‭ ‬200‭ ‬ضعف،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬مسؤولين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬أقروا‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭ ‬أسهم‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬عملية‭ ‬تحديد‭ ‬الأهداف،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬التتبع‭ ‬والاستهداف‭. ‬وفي‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ - ‬الأوكرانية‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬أيضا‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬ناجحة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي،‭ ‬وتحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬الحيوية،‭ ‬بغرض‭ ‬تسهيل‭ ‬قصفها‭. ‬وبينما‭ ‬سيواصل‭ ‬القادة‭ ‬والمخططون‭ ‬العسكريون‭ ‬تعزيز‭ ‬فرص‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الحربية،‭ ‬سيظل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يتوافق‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬لاستخدام‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يحولها‭ ‬إلى‭ ‬آلات‭ ‬قتل‭ ‬عمياء،‭ ‬بسبب‭ ‬الأخطاء‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬ترتكبها،‭ ‬ودورها‭ ‬المُحتمل‭ ‬في‭ ‬اشتعال‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬رقمي‭ ‬عالمي‭.‬

{ كاتب‭ ‬وباحث‭ ‬إعلامي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا