حمل لقاء جلالة الملك، بمجلس إدارة «جمعية سيدات الأعمال» الجديد، برئاسة السيدة «فاطمة عبدالجبار الكوهجي» في 28 أبريل الماضي، رسائل متعددة المعاني والدلالات. فمن جهة، جدد اللقاء تأكيد الدور الحيوي لمنظمات المجتمع المدني، كطرف ثالث في معادلة الشراكة الوطنية إلى جانب القطاعين الحكومي والخاص في مسيرة البناء والتنمية. ومن جهة أخرى، جاء تتويجًا لمسار دعم المرأة في المجال الاقتصادي، وهو مسار بدأ مبكرًا مع تأسيس «المجلس الأعلى للمرأة» في أغسطس 2001، بهدف تمكينها من نيل حقوقها كاملة في جميع المجالات على قدم المساواة مع الرجل. كما عكس اللقاء ثبات البحرين على نهجها القائم على الاقتصاد الحر، أحد المرتكزات الرئيسية في السياسة الاقتصادية الوطنية، كما أقرّتها رؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي جعلت من القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي، وحصرت دور الدولة في التنظيم والإشراف.
وقد تعددت مظاهر صعود المرأة البحرينية في مجال الأعمال، بدءًا من المشاريع المتناهية الصغر التي تُقيمها في المنزل، متحدّيةً بها الظروف المعيشية، ومعتمدةً على دخلها لتأمين احتياجاتها وإعالة أسرتها، وصولاً إلى المشروعات الصغيرة التي توفّر من خلالها فرص عمل لرجال ونساء، ثم المتوسطة التي تتسع لعدد أكبر من الموظفين، وصولاً إلى تأسيس شركات مساهمة تُتداول أوراقها في سوق المال. فيما تجلى هذا الصعود أيضًا في تبوئها مناصب قيادية بارزة في القطاع المصرفي، والشركات الخاصة والحكومية، وغرفة تجارة وصناعة البحرين.
وتأكيدًا على هذا التقدم، تُدرج مجلة «فوربس» الاقتصادية سنويًا أسماء سيدات بحرينيات ضمن قائمة أقوى 100 سيدة في الشرق الأوسط، لما حققنه من إنجازات في مجال ريادة الأعمال. وتشير الإحصاءات الحالية إلى أن النساء البحرينيات يشكلن 43% من أصحاب السجلات التجارية النشطة، كما تفوق نسبة صاحبات الأعمال العاملات لحساب أنفسهن 47% من الإجمالي.
ومنذ قيامه، دعم «المجلس الأعلى للمرأة»، صعود المرأة في مجال الأعمال، فوفر لها التدريب، وأقام شراكات مع العديد من المؤسسات العامة والخاصة لتمكينها، كما بادر بعدد من الجوائز والمشروعات الداعمة، كالمحفظة المالية لسمو الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة»، لدعم وتمويل النشاط التجاري للمرأة، ومبادرة «امتياز الشرف لرائدة الأعمال البحرينية الشابة»، ومركز تنمية قدرات المرأة «ريادات»، والمحفظة المالية لتنمية المرأة للنشاط التجاري، إضافة إلى البرامج الداعمة لنشاطها من المنزل، كمشروع الأسر المنتجة، ومشروع «خطوة»، والمنزل المنتج، فيما امتد هذا النشاط ليشمل المرأة ذات الإعاقة.
وقد كان ميلاد «جمعية سيدات الأعمال البحرينية» عام 2000، بمبادرة من 16 سيدة أعمال بحرينية، لتعزيز الدور الوطني لسيدة الأعمال، وتنمية مشاركتها الاقتصادية والاستثمارية والتنموية، أي إنها من أولى الجمعيات التي نشأت بعد تولي جلالة الملك المسؤولية عام 1999، وهي ثاني جمعية من نوعها على المستوى الخليجي، وكان لها دور ملموس في تنمية صعود المرأة في مجال الأعمال، ودعمت جهود المجلس الأعلى للمرأة في هذا الشأن.
وفي لقائه أعضاء مجلس إدارة الجمعية الجديد، أشاد جلالة الملك بالدور المهم الذي تضطلع به في خدمة الاقتصاد الوطني وتنميته، من خلال برامجها وأنشطتها المتنوعة لتأهيل وتدريب رائدات الأعمال، وتعزيز دور المرأة في مسيرة التنمية الاقتصادية، كما أشاد بالمشاركات الفعالة والإيجابية للجمعية في مختلف المؤتمرات واللقاءات الإقليمية والدولية؛ لتعزيز مكانة المملكة وريادتها، وإعلاء شأنها، وإبراز النجاحات العديدة التي حققتها المرأة.
وعلى نهج جلالة الملك في دعم صعود المرأة البحرينية في مجال الأعمال؛ وجه سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير «سلمان بن حمد»، بمنح المرأة فرصًا أكبر في مجالس إدارات الشركات، وقد مثّل هذا التوجه هدفًا للجمعية عملت عليه منذ قيامها. وتطبيقًا لهذا التوجه، فعلى الشركات العامة والخاصة ضرورة الإفصاح عن إحصائيات العضوية المصنفة بحسب الجنس في مجلس إدارتها، ضمن تقرير الشركة السنوي، فيما وجه «محافظ البنك المركزي»، بتعزيز وجود المرأة في مجالس إدارات الشركات المدرجة في بورصة البحرين، من خلال إدخال تعديلات على القواعد المنظمة لحوكمة الشركات، كما أصدر وزير الصناعة والتجارة قرارًا بشأن تعديل أحكام ميثاق إدارة وحوكمة الشركات، ينص على مراعاة تمثيل المرأة ضمن تشكيل مجلس إدارة الشركة المساهمة العامة.
وفيما ارتفع الدخل التقديري للمرأة بمعدل 91% على مدى السنوات العشر الماضية، فقد ارتفعت نسبة مشاركتها في الاستثمار في الأسواق المالية، بأصول تبلغ قيمتها نحو نصف مليار دينار بحريني، كما أن نحو 27% من الشركات والمؤسسات البحرينية الصغيرة مملوكة لنساء بحرينيات، فيما بلغت نسبة ملكيتهن للشركات الكبيرة 37%، فيما تمثل المرأة 29% من رواد الأعمال، و17% من عضوية مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين.
ودعمًا لتواجدها في مجالس إدارات الشركات، رعى «المجلس الأعلى للمرأة»، برنامج «المرأة في مجالس الإدارة»، وفيه احتفى «بنك البحرين والكويت»، بالتعاون مع «معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية»، و«صندوق العمل»، «تمكين»؛ بتخريج 20 سيدة في النسخة الثانية لهذا البرنامج في يناير من العام الماضي، فيما غدت المرأة تشكل 45% من المناصب الإدارية والتنفيذية لمصرف البحرين المركزي، و43% من أعضاء مجلس إدارته، و48% من إجمالي عدد الموظفين، وتتولى «آمنة بنت أحمد الرميحي»، رئاسة بنك الإسكان، ومعها في عضوية مجلس الإدارة «نجلاء الشيراوي»، و«ريم عبد القادر العلوي»، و«بلسم علي السلمان»؛ أي 4 من إجمالي 9 أعضاء، وفي «بنك البحرين للتنمية»، 4 من إجمالي 8، وفي يناير الماضي، عين «بنك البحرين الإسلامي»، السيدة «فاطمة العلوي»، في منصب الرئيس التنفيذي، كما تتولى «هالة يتيم»، رئاسة مجلس إدارة «بنك البحرين الوطني».
ومن إجمالي عدد المقاعد في مجالس إدارات الشركات المساهمة البحرينية المدرجة في بورصة البحرين؛ بلغت نسبة النساء 5.5% بنهاية عام 2023، بينما كانت 4.8% في 2021، وجاءت الشركات المصنفة في قطاع المواد الأساسية والعقارات الأكثر التزامًا بتفعيل المرأة في مجالس إدارتها، بنسبة تمثيل تراوحت بين 10–20%، وتعمل «جمعية سيدات الأعمال»، و«المجلس الأعلى للمرأة»، للارتقاء بنسبة تمثيل المرأة في هذه المجالس إلى 30%، فيما جاءت شركة «الإثمار» القابضة الأكثر التزامًا بالتنوع الجندري في مجلس إدارتها، بنسبة تمثيل بلغت 33.3%، تليها شركة «ألومنيوم البحرين»، و«بنك البحرين والكويت»، بنسبة تمثيل بلغت 20%.
وعلى مدى تاريخها الممتد لنحو 25 عاما، استطاعت «جمعية سيدات الأعمال البحرينية»، أن تكون حاضنة للخبرات ورائدات وسيدات الأعمال المتميزات، وخرج من عباءتها، جمعيات أخرى عديدة تساهم في البناء الوطني، كما حققت خلال هذه المسيرة عددًا كبيرًا من الإنجازات التي تصب في تنمية وتعزيز دور المرأة البحرينية، حيث أطلقت مشروع «بوابة المرأة»، كمنصة إلكترونية تعنى باحتياجات المرأة، وتشمل دليلاً لسيدات الأعمال ينطلقن منه إلى الخليج والوطن العربي، وسنة بعد أخرى تتخرج متدربات في الجمعية على ريادة الأعمال، والتجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك، تستهدف «الجمعية»، تدريب 100 ألف سيدة بحلول 2050، وتتولى سمو الشيخة «ناجية بنت سلمان آل خليفة»، منصب الرئيس الفخري للجمعية. وفي ظل هذه الرئاسة سجلت مملكة البحرين، أعلى نسبة تقدم على صعيد «مؤشر المرأة والأعمال التجارية والقانون»، لعام 2024، الصادر عن «البنك الدولي»، خلال الفترة 2022 – 2024، حيث حصلت على نسبة 68.1% على هذا المؤشر.
كما وصلت العديد من سيدات الأعمال، عضوات «الجمعية»، إلى مواقع صنع القرار بمراسيم ملكية في عضوية «مجلس الشورى»، و«مجلس أمانة العاصمة»، و«المجلس الأعلى للمرأة»، و«المجالس البلدية»، إضافة إلى عضويتهن في مجالس إدارة الشركات الحكومية والخاصة والبنوك. كما حصدت بعضهن جوائز دولية مرموقة، من ذلك فوز السيدة «ناهد إسحاق»، رئيسة مجلس إدارة منصة المرأة المبدعة في البحرين، بجائزة التميز للنساء من المنتدى العالمي للنساء المبدعات في السعودية العام الماضي، وذلك عن إسهاماتها في مجالات القيادة والابتكار.
وتوالى وجود القيادات النسائية في مجال الأعمال في قائمة «فوربس»، لأقوى 100 سيدة أعمال في منطقة الشرق الأوسط. ففي قائمة 2020، جاءت «منى المؤيد»، المدير الإداري لمجموعة يوسف خليل المؤيد في المرتبة التاسعة، و«نجلاء الشيراوي»، الرئيس التنفيذي لشركة سيكو في المرتبة 66، و«نرجس جمال»، القيادية في بورصة البحرين في المركز 80، كما حلت تلك السيدات ضمن قائمة أقوى 50 سيدة أعمال في الشرق الأوسط لعام 2021.
وفي سبتمبر 2022، خلال اجتماع «الهيئة العامة لمجلس سيدات الأعمال العرب»، فازت الشيخة «هند بنت سلمان آل خليفة»، بمنصب النائب الثاني لرئيس المجلس، و«خيرية عبد الله الدشني»، بمنصب الأمين العام، وواصلت المرأة البحرينية صعودها على قائمة «فوربس»، لأقوى 100 سيدة أعمال في الشرق الأوسط؛ فجاءت 4 سيدات بحرينيات في هذه القائمة لعام 2025، ما يعكس الدور الريادي لها في قطاع الأعمال، وجاءت في المقدمة «صباح المؤيد»، رئيس مجلس إدارة بنك البركة الإسلامي، و»صفاء عبد الخالق»، الرئيس التنفيذي لصادرات البحرين، والتي قادت نمو المؤسسة بنسبة 26% في الصادرات، وحققت فيها مليار دولار في منتصف 2024، و«نجلاء الشيراوي»، الرئيس التنفيذي لبنك سيكو لدورها في تنمية أصول الشركة إلى 6.8 مليار دولار خلال الأشهر الأولى لعام 2024، ثم جاءت «إيمان مجلي»، الرئيس التنفيذي لشركة البحرين الوطنية للتأمين، والتي تقود الشركة من 2018.
على العموم، يتوالى صعود المرأة البحرينية في مجال الأعمال؛ نتيجة النجاحات التي حققتها، وأكسبتها ثقة مجتمع الأعمال البحريني، وقد كان لحرص جلالة الملك على لقاء قيادات «جمعية سيدات الأعمال البحرينية»، وهو الذي تكرر مرات، والدور الداعم من «المجلس الأعلى للمرأة»؛ أكبر الأثر في تحقيق هذا الصعود عامًا بعد عام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك