يقول السياسي الأرجنتيني الشهير إرنستو تشي جيفارا: «العالم لا يحتاج إلى النصائح بل إلى القدوة.. فكل الحمقى لا يكفون عن الكلام»!
نعم، القدوة الحسنة من أجمل الصفات التي يتحلى بها الإنسان في هذه الحياة، على أن يكون ذلك بالأفعال التي تجعل منه منارة لمن حوله يسعون دوما ليبلغوا ما بلغه وليس بالأقوال.
فما أجمل أن تجد قدوة حسنة تهتدي بها منذ نعومة أظفارك، تقدم لك الخصال الحميدة، والصفات الجيدة، والسلوكيات النافعة التي تصنع منك شخصية ناجحة ومميزة ذات بصمة خاصة، وهذا بالفعل ما حدث على أرض الواقع مع هذه المرأة التي حباها الخالق بأكثر من قدوة في حياتها اهتدت بهم جميعا لتصبح إحدى النساء المتألقات في عالم المرأة البحرينية الحافل بالإنجازات والعطاءات.
هلل خالد يوسف إنجينير، أول بحرينية تتخصص في علوم البيئة وتؤسس شركة استشارات في هذا المجال، وتترأس منظمة رواد الأعمال العالمية بالمملكة، اتخذت من جدها ووالدها ووالدتها البريطانية الجنسية قدوة لها، الامر الذي فتح أمامها أبواب التميز بصورة لافتة حتى تحولت بدورها إلى نموذج يقتدى به.
حول هذه التجربة المتفردة الملهمة كان الحوار التالي:
كيف أثرت القدوة الحسنة في مسيرتك؟
لقد ولدت في بريطانيا حيث كان والدي يدرس هناك، علما بأن والدتي تحمل الجنسية البريطانية، وعشت طفولة سعيدة، وكنت شغوفة بشدة للقراءة وبصوت عالٍ منذ الصغر، ويمكن القول بأنني تربيت في منزل جدي الملقب بيوسف إنجينير نظرا إلى علمه وخبرته في الآبار الارتوازية في البحرين قبل اكتشاف النفط، حيث كلفته العائلة الحاكمة بحفرها ومن هنا جاء لقب «يوسف إنجينير » الذي توارثته عنه، وكان قدوتي في الحياة وتعلمت منه الكثير من المبادئ والقيم الجميلة منها التواضع والجد والاجتهاد هذا فضلا عن اقتدائي بوالدي ووالدتي عبر مسيرتي فقد ساهما في تشكيل وصقل شخصيتي.
ماذا تعلمت منهما؟
من أهم الأشياء التي تعلمتها من والدتي احترام وتقبل الآخر والتعايش معه، فحين أصبحت أحد أفراد العائلة في البيت العود، قررت أن تتعلم اللغة العربية وتتقنها كي تتأقلم مع البيئة من حولها، وكانت دوما تحترم الاختلاف في الثقافات والعادات والتقاليد وبشدة، كذلك ورثت عنها عدم إصدار الاحكام على الناس تحت أي ظروف، أما والدي فقد وهبني صفات عظيمة أهمها حب العمل والتميز والريادة والكفاح والعصامية، وكم أنا محظوظة بوجود أكثر من قدوة في حياتي صنعت مني شخصية مختلفة تتمتع بصفات أفخر بها.
متى بدأت علاقتك بالبيئة؟
يمكن القول بأن علاقتي بالبيئة قد بدأت منذ المرحلة الإعدادية، فأثناء دراستي بمدرسة خولة لفتت والدتي نظري إلى مشكلة ثقب الأوزون بالبيئية العالمية، الأمر الذي أثار فضولي بشدة حتى أنني تساءلت عن الحل لها، ورحت أفكر وأبحث في هذا الأمر، هذا فضلا عن أن تلك المشكلة لفتت انتباهنا جميعا نحو الأشياء التي تضر بالبيئة والابتعاد عنها ومن ثم أسهمت في نشر الوعي بهذا المجال، من هنا قررت دراسة الهندسة البيئية في بريطانيا وفي نفس البقعة من الأرض التي ولدت فيها، حيث كان يقيم هناك جدي وجدتي واستغرق ذلك حوالي ثلاث سنوات.
وبعد التخرج؟
بعد التخرج في الجامعة البريطانية واصلت الدراسة للحصول على رسالة الماجستير في مجال التقويم والتدقيق البيئي، وقد عملت في شركة استشارات بيئية في بريطانيا خمسة أشهر تحت التدريب، وبعد عودتي إلى البحرين التحقت بشركة خاصة وعينت في منصب مديرة للبيئة مدة عام ونصف تقريبا واكتسبت خبرة في هذا المجال أشعرتني بان الوقت قد حان لتحقيق حلمي بتأسيس شركة استشارية بيئية، وهو ما كان يراودني بصفة مستمرة ولم يفارقني مطلقا.
كيف تحقق الحلم؟
لقد عزمت على تأسيس الشركة وهي الاولى من نوعها بالمملكة، وكان ذلك بالتزامن مع زواجي وبالتعاون مع الشركة التي كنت اعمل بها ببريطانيا، وبدأت من الصفر وتم ذلك بمساعدة ودعم من والدي، ثم تطورت الشركة بشكل كبير وأصبحت ذات صيت واسع في مجال دراسة جدوى المشاريع والتقييم البيئي للمشاريع الحكومية وكذلك الخاصة.
إلى أي مدى ينتشر الوعي البيئي في مجتمعنا؟
علينا أن نفرق بين الوعي والاهتمام البيئي، وأنا أرى أن المشكلة ليست في الوعي بل في الاهتمام، ويمكننا أن نجزم بأن هناك اليوم وعيا كبيرا بالبيئة مقارنة بالسابق وهو في تزايد مستمر يوما بعد يوم حتى بين أبناء الجيل الجديد، وهذا ما ألاحظه بعد وجودي في هذا المجال مدة 24 عاما تقريبا خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الجديدة والدراسات التي تعد من قبل المختصين للتأكد من عدم تأثيرها بالسلب على البيئة.
أهم المشاكل البيئية؟
من أهم المشاكل البيئية في رأيي اليوم هي مشاريع الدفان والجرف والتلوث الهوائي الناتج عن المركبات والعوادم الصادرة منها، ومن القضايا الأخرى المهمة التي يجب التركيز عليها تلك التي تتعلق بالنفايات المنزلية والدعوة إلى إعادة تدويرها، وهو أمر يجب أن يبدأ من المنازل، وضرورة التوعية بذلك إعلاميا، وبالتعاون مع الجهات الحكومية والمعنية بهذا الأمر، كما هو حادث في بريطانيا على سبيل المثال، والتي يتم فيها توفير حاويات خاصة لهذا الغرض، إلى جانب ضرورة إدخال كل ما يتعلق بالبيئة ضمن المناهج الدراسية في مراحل مبكرة، نظرا للدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه المدارس في هذا الشأن.
ماذا عن مشروع إعادة تأهيل الحياة؟
لقد اطلقت مشروعا آخر تحت اسم «ريف العربية لإعادة تأهيل الحياة» باستخدام الشعاب المرجانية الاصطناعية وكان ذلك في عام2011، بهدف تصنيع تلك الشعاب بطريقة صديقة للبيئة للمساهمة في إعادة الحياة في بعض المناطق، ولا شك أن عملي مع القطاعين العام والخاص أكسبني خبرات واسعة في هذا المجال وضعت شركتي في مكانة متألقة تنافس فيها الشركات العالمية، وكم أنا فخورة كونها شركة محلية بخبرة عالمية حيث تضم العديد من الخبراء والمستشارين الأجانب، وهي تؤدي دورها في المنطقة إلى جانب جهودها الدولية التي وصلت إلى أمريكا وأستراليا.
أصعب تجربة؟
من أصعب التجارب التي مرت بي كانت محنة وفاة جدي، والتي شعرت حينذاك بانها أحدثت ثغرة في حياتي، فقد كان بالنسبة لي مصدر الإلهام والقوة والحافز نحو مواصلة مشواري العملي في بريطانيا، وأذكر أن والدي قد منحني في البداية حرية العودة إلى الوطن بعد سفري للدراسة، ولكنني تحديت نفسي وعزمت على إكمال المسيرة، وذلك بفضل دعم جدي وكذلك جدتي البريطانية التي كانت تنصحني دوما بأن أؤدي واجبي على أكمل وجه وأترك الباقي على الله سبحانه وتعالى، وبعدها عدت الى وطني كي أنقل له خبراتي وأفيده في مجال تخصصي، كذلك لم أنس قط دور جدتي البحرينية في حياتي، والتي كانت من المعلمات الرائدات بالمملكة، فقد كان لها أبلغ الأثر في صقل شخصيتي.
مبدأ تسيرين عليه؟
مبدئي في الحياة والذي أضعه دوما نصب عيناي عبر مسيرتي هو مقولة «آمن بنفسك وصدقها»، حتى حين أفشل في تحقيق طموح ما أبحث عن فرصة أخرى، ولا أتوقف عند أي آراء محبطة، فأنا أرى المرأة بشكل عام تملك إرادة فولاذية، وأنها إذا أرادت تحقيق أي هدف فسوف تبلغه بالعزيمة والإصرار وبالجهد والمثابرة.
أهم القيم التي غرستها في نفوس أبنائك؟
لقد حرصت دوما على غرس قيمة الاجتهاد في نفوس أبنائي والسعي نحو تحقيق أهدافهم بكل قوة مهما واجهوا من تحديات، وضرورة تحكيم العقل إلى جانب العاطفة عند اتخاذ أي قرار، والأهم أن يعملوا ما يحبون حتى يستطيعوا أن يحققوا التميز والنجاح، فضلا عن الابتعاد قدر الإمكان عن الحساسية المفرطة التي أجدها نقطة ضعفي الوحيدة.
حلمك الحالي؟
يمكن الجزم بأنني ولله الحمد قد حققت الكثير مما تمنيته وخططت له عبر مشواري الطويل، ومع ذلك ينتابني شعور أحيانا بأن سنوات خبرتي الطويلة التي تمتد الى 24 عاما في السوق كانت من الممكن أن تكون سببا في تطور وتوسع مشاريعي بشكل أكبر وخاصة على الصعيد الدولي، ولكني مؤمنة بأن كل شيء يحدث في وقته وبمشيئة الرحمن تعالى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك