لعبة ماكرة تجري وقائعها على وسائل التواصل الاجتماعي. فكلما قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإحدى تصرفاته الشنيعة إلا ويلقى اللوم على الأمريكيين من أصل عربي، والذين يتعرضون لسيل من الرسائل المسيئة لهم.
فالتعليقات الأقل سوءا هي تلك التي يلقي أصحابها ببساطة باللوم على المجتمع العربي الأمريكي ويحملونه مسؤولية فوز ترامب ووصوله إلى سدة الرئاسة، لكن التعليقات الأخرى مليئة بالعبارات البذيئة والتهديدات.
يبدو أن هناك جهودًا متضافرة لتبرئة إدارة الرئيس السابق جو بايدن من سياساتها الفاشلة، وحملة كامالا هاريس الرئاسية من قراراتها السياسية السيئة، وبدلاً من ذلك يتم إلقاء اللوم على الأمريكيين العرب وتحميلهم المسؤولية عن فوز ترامب.
إن التعرض للتهديد أو الاستهداف للوم والتهديد ليس بالأمر الجديد بالنسبة إلى لأمريكيين العرب. ولعقود من الزمن، كان على المجتمع العربي الأمريكي أن يتصدى للتعليقات المسيئة التي تحمله المسؤولية عن كل شيء، بدءًا من حظر النفط عام 1973 وحتى الهجمات الإرهابية، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في منطقة الشرق الأوسط.
لقد واجهت مثل هذه الأمور شخصيا. فخلال العقدين الماضيين، كانت هناك أربع إدانات لهذه الأنواع من التهديدات الموجهة ضدي أو ضد عائلتي أو ضد الموظفين العاملين معي.
خلال فترة عامين، بين سنتي 2015 و2017 على وجه التحديد، تلقينا 772 تهديدًا عبر البريد الإلكتروني تتهمني بالتخطيط والتدريب وتمويل العشرات من أعمال العنف.
بيد أن ما يحدث اليوم من تجاوزات وانتهاكات تستهدف العرب الأمريكيين مختلف من ناحيتين اثنتين.
وبدلاً من اتهامهم بالإرهاب، يُحمل العرب الأمريكيين المسؤولية عن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. بعض أولئك الذين يستهدفون المجتمع العربي الأمريكي بالإساءة ليسوا أفرادًا يحومون في الجناح اليميني للسياسة الأمريكية، بل هم من تيار اليسار.
وفي حين أن بعض أولئك الذين يلقون اللوم على المجتمع العربي الأمريكي في هزيمة السيدة هاريس هم شخصيات غير متوازنة ومليئة بالكراهية، فإن الاتهامات الأخرى تأتي من نشطاء سياسيين ليبراليين متمرسين أو نقاد التيار الرئيسي الذين يجب أن يعرفوا بشكل أفضل.
إن مجرد القول بأن العرب الأمريكيين مسؤولون عن نتائج هذه الانتخابات هو أمر زائف وأحمق وغير مسؤول. في المقام الأول، لم تكن حملة هاريس بحاجة إلى أي مساعدة، بل إنها هي التي خسرت من تلقاء نفسها.
وقد تستمر هاريس في الإصرار على القول إن حملتها كانت «لا تشوبها شائبة»، ولكن إذا كان الأمر كذلك، لماذا خسر الديمقراطيون 45% من أصوات اللاتينيين، أو نسبة كبيرة من الذكور السود، أو تم سحقهم انتخابيا بين الطبقة العاملة البيضاء؟
ولا يمكن إلصاق هذه الإخفاقات بالعرب الأمريكيين. لقد كانت تلك الإخفاقات نتيجة لاستراتيجية حملة فاشلة صممها ونفذها مستشارون، والعديد منهم عديمو المبادئ، وبعيدون عن التواصل مع الناخبين المتغيرين، ويتجنبون المخاطرة، ويفتقرون إلى الخيال.
فبدلاً من فهم الملامح المتغيرة والتنوع المتزايد للمجتمعات ذات الأصول الإسبانية والآسيوية والسود، إما أخذوها كأمر مسلم به أو تعاملوا معهم برسالة عمرها عقود من الزمن مفادها «مقاس واحد يناسب الجميع».
إضافة إلى ذلك، فشل هؤلاء المستشارون والديمقراطيون معهم في معالجة انعدام مسألة الأمن الاقتصادي للطبقة العاملة من جميع الأجناس، والمحاولة المضللة لاستبدال الناخبين الذين كانوا يخسرونهم من خلال الفوز بنساء الضواحي البيض المعتدلات ذوات الميول الجمهورية من خلال الحملات الانتخابية مع عضوة الكونجرس السابقة ليز تشيني (التي لم تكن سياساتها معتدلة ولا جذابة لنساء الضواحي).
عند حساب إخفاقات «الاستراتيجيين»، من المهم إضافة فشل السيدة هاريس نفسها وعزوفها عن مقابلة القادة العرب الأمريكيين، وإظهار أي مسافة بين دعم بايدن الكارثي لإسرائيل.
ورفض الحملة السماح لامرأة فلسطينية، فقدت عائلتها في غزة، بالتحدث في مؤتمر الحزب الديمقراطي. كل هذه الإخفاقات أثرت سلباً في الدعم العربي الأمريكي للبطاقة الديمقراطية.
وبعد أن شهدوا الحرب المؤلمة في غزة والدور الذي لعبته إدارة جو بايدن، وجد العرب الأمريكيون أنفسهم في مأزق حقيقي. وعلى الرغم من أنهم صوتوا على مدى العقدين الماضيين لصالح الديمقراطيين بفارق اثنين إلى واحد، إلا أن الكثير منهم وجدوا صعوبة في دعم الحملات التي تجاهلتهم وتجاهلت آلامهم ومشاكلهم وهواجسهم.
لقد ظلوا يطالبون بأكثر من لفتة تنم عن الاهتمام والدعم ولم يحصلوا على أي شيء. وهكذا، في النهاية، بدلاً من هامش 60-30 الذي فاز به جو بايدن في عام 2020، قام ترامب والسيدة هاريس بتقسيم الأصوات العربية الأمريكية، مع نسبة صغيرة تدعم مرشح طرف ثالث، وعدد أكبر من المتوسط لم يصوتوا على الإطلاق.
ونظراً إلى حقيقة مشاكل العرب الأمريكيين ومخاوفهم لم تحظ بمثل هذا القدر القليل من الاهتمام من قبل حملة هاريس، فمن الخطأ تحميلهم مسؤولية الخسارة في شهر نوفمبر الماضي.
إن هذه الحملة التي تستهدف العرب الأمريكيين لا تخلو من عنصرية. فإذا تم تجاهل اهتمامات أي مجموعة أخرى (عرقية أو دينية أو عنصرية) إلى هذا الحد، فهل سيتم الازدراء بسبب تخليهم عن الطرف الذي أساء إليهم؟
عندما بدأ ترامب عمليات الترحيل الجماعي، لم يتم إلقاء اللوم على الناخبين اللاتينيين أو استهدافهم بالكراهية لمجرد أن 45 في المائة منهم لم يصوتوا لصالح السيدة هاريس.
وبطبيعة الحال، لا ينبغي عليهم ذلك، لأنه بدلاً من إلقاء اللوم على الأشخاص الذين خذلوهم، تحتاج حملة هاريس إلى النظر في المرآة والعثور على الأخطاء في نفسها.وكان ينبغي تقديم نفس المجاملة إلى المجتمع العربي الأمريكي.
في وقت مبكر، قمت بتحذير حملة هاريس من أنها معرضة لخطر خسارة أصوات العرب الأمريكيين. وقد تم تجاهل مخاوفي بالمنطق التالي: «عندما يتعلق الأمر باختيار ثنائي ــ نحن في مواجهة ترامب ــ فسوف يدعموننا». أخبرتهم أن ذلك لا يراعي آلام ومشاكل العرب الأمريكيين كما أنه منطق قصير النظر سياسيا. وفي النهاية ثبت أنهم على خطأ.
وعلى الرغم من كل هذا، كان الأمر مزعجا عندما أيد البعض في المجتمع العربي الأمريكي ترامب، أو عندما بدأ آخرون في قرع الطبول لصالح مرشح طرف ثالث غير جاد.
لقد ذهبت إلى ميشيغان وانضممت إلى عديد من القادة العرب الأمريكيين في حفل تأييد هاريس. وبينما كنت أنا أيضاً غاضباً من بايدن وأشعر بخيبة أمل عميقة من حملة هاريس، شعرت بقوة أن المخاطر التي يتعرض لها المجتمع العربي الأمريكي وحلفاؤه والديمقراطية الأمريكية كانت أكبر من أن تسمح لترامب بالعودة إلى البيت الأبيض.
لقد فهمت الألم والغضب الذي كان يعاني منه العرب الأمريكيون، لكنني شعرت أنه من المهم بالنسبة لهم أن يتجاوزوا آلامهم ويفكروا في مدى الأسوأ الذي سيكون عليه الأمر إذا فاز ترامب - الأسوأ ليس بالنسبة لهم فحسب، بل أيضًا بالنسبة إلى عديد من المجتمعات الضعيفة الأخرى في الداخل والخارج. وكما يتبين من الانتهاكات الجديدة التي يتم ارتكابها يوميا، فإن هذه المخاوف كانت مبررة.
ولكن على الرغم من هذا الجدل داخل المجتمع العربي الأمريكي، وبعد كل ما قيل وفعل، أصر على الآتي: لا تلوموا العرب الأمريكيين، بل ألقوا اللوم على إدارة بايدن وحملة هاريس.
لا تجعلوا من أفراد المجتمع العربي الأمريكي كبش فداء، لأنه، حتى لو حصلت السيدة هاريس على أصوات العرب الأمريكيين في ميشيغان وفازت بتلك الولاية، فإنها كانت ستخسر الولايات الست الأخرى التي تمثل ساحة المعركة والانتخابات برمتها.
وحتى لو أدار كل ناخب عربي أمريكي خده الآخر وأدلى بصوته لصالح السيدة هاريس، فإنها كانت ستخسر التصويت الشعبي.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك