بعد نحو ثلاث سنوات من العزلة المتبادلة، وصفت «ألكسندرا شارب»، في مجلة «فورين بوليسي»، الاجتماع الذي استمر أربع ساعات ونصف في قصر الدرعية بالرياض في 18 فبراير 2025، بين كبار المسؤولين الأمريكيين والروس، بأنه «أوسع اتصال»، بين الجانبين منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022.
ورغم تركيز التغطية الغربية على تداعيات هذه المحادثات على مستقبل أوكرانيا، والسياسة الخارجية الأمريكية، وعلاقات واشنطن بحلفائها الأوروبيين؛ فإن «هولي ويليامز»، من شبكة «سي بي إس نيوز»، وصفتها بأنها «خطوة مهمة أخرى»، في مساعي الرئيس «دونالد ترامب»؛ «لإعادة تشكيل سياسة واشنطن تجاه عزل روسيا». من جانب آخر، لفت «سيباستيان آشر»، من شبكة «بي بي سي»، إلى أن المراقبين الغربيين، ركزوا على دور السعودية في تسهيل هذه المحادثات، معتبرين ذلك دليلًا على «التقدم الكبير الذي أحرزته في ترسيخ دورها الدبلوماسي على الساحة الدولية خلال السنوات الأخيرة».
وفي ظل استبعاد قادة أوروبيين، مثل الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، والمستشار الألماني «أولاف شولتز»، ورئيس الوزراء البريطاني «كير ستارمر»، من المشاركة الفعلية في المحادثات رفيعة المستوى لإنهاء «حرب أوكرانيا»، بقرار من «البيت الأبيض»؛ رأى «ريشي إينجار»، في مجلة «فورين بوليسي»، أن «قمة الناتو» في باريس جاءت كمحاولة متعجلة «للحفاظ على التواصل بين أعضائه وواشنطن»، خاصة بعد أن اعتمد ترامب على «حليف قديم»، هو ولي العهد السعودي سمو الأمير «محمد بن سلمان»، ليكون وسيطًا لمحادثات السلام. وأشار «كيفن ليبتاك»، و«جيف زيليني»، من شبكة «سي إن إن»، إلى أن ولي العهد السعودي، بات في مكانة تتيح له «تعزيز علاقاته القوية بالفعل»، مع الرئيس الأمريكي، مما يرسخ الدور المتنامي للسعودية كمحور رئيسي في مساعي السلام الدولية.
وعند تحليل تصريحات «ترامب»، وكبار المسؤولين الأمريكيين حول مستقبل غزة، رأى المراقبون الغربيون، أن تنامي دور الرياض في تسهيل المسارات الدبلوماسية الدولية، قد يكون «عاملًا حاسمًا»، في تعزيز جهود السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية.
وكما أوضح «فراس مقصد»، من «معهد الشرق الأوسط»، فإنه رغم استمرار الرياض في ترسيخ شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فقد عملت في السنوات الأخيرة على «تنويع خياراتها إقليميًا ودوليًا»، مما منحها قدرة أكبر على «التحلي بالمرونة والبراغماتية وفقًا للظروف والتحديات التي تفرضها الساحة الدولية». ومع كونها الوسيط الرئيسي في محادثات السلام بشأن أوكرانيا، إضافة إلى كونها طرفًا محتملاً في جهود تخفيف التوتر بين إدارة ترامب وإيران؛ أشار «جورجيو كافيرو»، من شركة «غلف ستيت أناليتيكس»، إلى أن النجاح في هذه الجبهات «سيعزز مكانتها على الساحة الدولية».
من جانبه، أشار «أمين طرزي»، من «جامعة جنوب كاليفورنيا»، إلى أن السعودية عملت على توسيع «بصمتها الدبلوماسية»، خلال مسار حرب أوكرانيا، سعيًا لتعزيز دورها كلاعب رئيسي في المشهد الدولي. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، سعت للتوسط في تبادل الأسرى بين «كييف»، و«موسكو»، فضلاً عن استضافتها لقمة دولية تضم 40 دولة في أغسطس 2023، والتي وصفها «دانييل برومبرج»، من «المركز العربي» - في ذلك الوقت - بأنها «فرصة غير مسبوقة» لتنصب نفسها كقوة رائدة لحركة عدم الانحياز، مما يمثل «انتصارًا جيوسياسيًا» في «نظام عالمي متغير».
وأضاف «طرزي»، أن «الرياض»، و«واشنطن»، ترغبان في توسيع العلاقات في ظل إدارة دونالد ترامب الثانية، بالنظر إلى أن مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط «ستيف ويتكوف»، أشاد بالدور «الفعال»، الذي لعبه ولي العهد السعودي في إطلاق سراح المعلم الأمريكي «مارك فوجل»، مؤخرًا من السجون الروسية، ومن ثمّ، فإن «واشنطن»، كانت حريصة على أن يستضيف شريكها الإقليمي أهم اجتماع مباشر بين المسؤولين الأمريكيين والروس منذ ثلاث سنوات.
وأشار «ليبتاك»، و«زيليني»، إلى أنه «على الرغم من أن التاريخ شهد قممًا أمريكية-روسية بارزة في فيينا، وريكيافيك، وجنيف، وهلسنكي، حققت نجاحات دبلوماسية متفاوتة، إلا أن اجتماعًا بهذا المستوى من الأهمية لم يُعقد من قبل في الرياض». ومن المهم ملاحظة أنه، قبل بدء المحادثات مع الجانب الروسي برعاية وزير الخارجية السعودي، الأمير «فيصل بن فرحان»، ومستشار الأمن الوطني، «مساعد العيبان»؛ التقى الوفد الأمريكي -الذي ضم وزير الخارجية «ماركو روبيو»، ومستشار الأمن الوطني «مايك والتز»- أولًا بولي العهد السعودي.
وخلال اجتماع الرياض، اتفق «روبيو»، ووزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف»، على تعيين «فرق رفيعة المستوى»، للبدء في العمل على مسار لإنهاء الحرب الأوكرانية في أقرب وقت ممكن». وأشار متحدث باسم «الخارجية الأمريكية»، إلى أن السعودية ستكون المكان المختار لمزيد من المحادثات المستقبلية، بما في ذلك الاجتماع المباشر المحتمل بين «ترامب»، و«بوتين». وعليه، أشارت تعليقات المراقبين إلى الدور المحوري الذي تؤديه الرياض في جهود السلام، والتي يُرجح أن تكون حاسمة في رسم ملامح الحل طويل الأمد لأوكرانيا. ورغم إبداء «فولوديمير زيلينسكي»، أسفه لعدم مشاركته في الجولة الأولى من المحادثات، فقد أكد اعتزامه زيارة السعودية في مطلع مارس 2025.
وإلى جانب تنامي دورها في الدبلوماسية الدولية، حظيت الجهود السعودية المتزايدة على الصعيد الإقليمي باعتراف واسع. وذكرت شبكة «سي إن إن»، أنها «مستعدة للتوسط بين إدارة ترامب، وإيران للتوصل إلى اتفاق جديد يحد من برنامج الأخيرة النووي»، مستندة في ذلك إلى «رغبتها في تعزيز علاقاتها المتحسنة مع طهران»، بالإضافة إلى إدراكها أن إيران «قد تكون الآن أكثر ميلًا للسعي وراء امتلاك سلاح نووي»، بعد «إضعاف وكلائها الإقليميين»، جراء الضربات الإسرائيلية المتكررة.
ومع ذلك، أشار «كلوي كورنيش»، و«أحمد العمران»، في صحيفة «فاينانشال تايمز»، إلى أن دول الخليج لا تزال تتعامل بحذر مع احتمال عودة إدارة ترامب الثانية، إلى سياسة «الضغوط القصوى»، بعدما خلصت إلى أن هذه الاستراتيجية «لم تحقق أمنًا أكبر» في مواجهة التهديدات الإيرانية. ووفقًا لتقييم «مقصد»، فإن «إبداء السعودية استعدادها للوساطة بين الرئيس ترامب وإيران»، يمنحها فرصة «للنأي بنفسها ضمنيًا» عن نهج الضغوط القصوى، مع الإبقاء على علاقات ودية مع طهران.
ومن القضايا ذات الأولوية في الشرق الأوسط، توظيف الدور الدبلوماسي المتنامي للسعودية لحماية الفلسطينيين من مخططات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لضم الأراضي المحتلة، وتهجير الملايين من ديارهم. وأشارت «فينا خان»، من مؤسسة «سنشري إنترناشيونال»، إلى أن دول الخليج تسعى الآن إلى تخفيف سياسات «ترامب»، غير المستقرة تجاه الشرق الأوسط، ودفعه للاعتراف بالواقع الإقليمي الجديد.
وأثارت تعليقات الرئيس الأمريكي المعلنة بالسيطرة على قطاع غزة، وتحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، وإبعاد أكثر من مليوني فلسطيني قسراً إلى مصر أو الأردن، احتجاجات وإدانة هائلة في المنطقة. وفي حين وصف «كافييرو»، هذه «المؤامرة المجنونة»، بأنها ليست فقط «غير قانونية بموجب القانون الدولي»، بل أيضًا «غير واقعية تمامًا»؛ أشار «فرانشيسكو سكيافي»، من «معهد الدراسات السياسية الدولية»، إلى أن دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، رفضت خطة «ترامب»، باعتبارها «تصعيدًا خطيرًا يقوض أي فرصة لحل الدولتين». ورأت شبكة «سي إن إن»، أن «الهدف المحتمل» من توسط الرياض في المحادثات الأمريكية-الروسية حول أوكرانيا، هو تعزيز نفوذها في «توجيه المفاوضات المستقبلية بشأن مصير غزة بعد الحرب».
وفي إشارة إلى أن وقف إطلاق النار المؤقت بين حماس وإسرائيل في غزة، «مرحب به للغاية»، لكنه «لا يعالج الدوافع الكامنة وراء الصراع في الشرق الأوسط»؛ أشار «مايكل هاريس»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أن السلام الدائم في فلسطين «يعتمد على النفوذ السعودي»، لوقف احتلال إسرائيل وضمها للأراضي الفلسطينية.
ومع عرقلة «نتنياهو»، لتقدم محادثات السلام، ودعوة «ترامب»، علنًا إلى التطهير العرقي للفلسطينيين؛ أوضح «هاريس»، أن «لا أحد أكثر قوة» في تحقيق تقدم جاد في ملف السلام من ولي العهد السعودي، الذي حثه على المطالبة «بالالتزام بعدم توسع إسرائيل إقليميًا»، وهو الأمر الذي يؤكد أنه «سيزيد من احتمالات أن يتحدث الإسرائيليون والفلسطينيون في النهاية بشكل بناء». ورأى «حسن الحسن»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن «السعودية من خلال تحقيقها الهدف المعلن للرئيس ترامب بإنهاء حرب أوكرانيا، فإمكانها استخدام هذا التقدم »للمساعدة في رأب الصدع بين المواقف الأمريكية والعربية بشأن مصير غزة«.
ومع تأكيد «خان»، على أن «السعودية، «واضحة في عزمها»، على أنها «لن تقبل المطالب الأمريكية»، بشأن مستقبل غزة، والتي تأتي عبر حكومة «نتنياهو»، المتطرفة؛ رأى «آشر»، أن الرفض القاطع لخطة ترامب المعلنة حول غزة، «حفز السعودية على التوصل إلى خطة بديلة قابلة للتطبيق مع الدول العربية الأخرى». ولتحقيق ذلك، أشار «عمر كريم»، إلى دعوتها قادة الإمارات والأردن وقطر ومصر للاتفاق على موقف موحد، وتقديم رسالة مشتركة للأمريكيين والإسرائيليين، مع السعي لحشد الدعم العربي لهذه الرؤية قبل طرحها في القمة العربية في القاهرة، المقررة في 4 مارس 2025.
ومع ذلك، ستظل العلاقة مع الولايات المتحدة، وخاصة في ظل إدارة ترامب غير المتوقعة، محور الاهتمام الدولي والإقليمي للسعودية ودول الخليج الأخرى. وأشارت «خان»، إلى أن اختيار ترامب لها كأول محطة خارجية له كرئيس «لا يعكس فقط دعمه لطموحاتها القيادية عالميًا، بل يمهد أيضًا لاجتماع محوري بينه وبين بوتين». لكنها من ناحية أخرى، أقرت بأن «التقلب في السياسة الخارجية الأمريكية»، لا سيما تأييدها لضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، والإبعاد القسري لسكان غزة، يعد أمرًا غير قانوني وفق القانون الدولي ومرفوضًا تمامًا من قبل السعودية، والدول العربية في المنطقة.
على العموم، يؤكد اختيار السعودية، كوسيط مفضل لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا، لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا على دورها المتنامي في الدبلوماسية الدولية، ويعكس نهجها في الحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول، بغض النظر عن اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية. ومع استنتاج «آشر»، أنها «لا تخفي طموحها في أن تصبح لاعبًا أساسيًا في الدبلوماسية العالمية»، فإن مدى قدرتها على ترجمة هذا الطموح إلى نفوذ دبلوماسي فعلي، على الولايات المتحدة وإسرائيل، بشأن مستقبل الفلسطينيين، سيتضح في الفترة المقبلة، مع محاولتها توظيف دورها الدبلوماسي المتنامي لحماية المدنيين الفلسطينيين من مخططات الضم الإسرائيلية، وترحيل السكان من أراضيهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك