العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ثورة الطب الحديث.. البحرين تعتمد تقنيات تغير أساليب العلاج

بقلم: نبيلة رجب

الاثنين ٢٤ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

كان‭ ‬يعتقد‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬أن‭ ‬الأمراض‭ ‬الوراثية‭ ‬المزمنة‭ ‬قدرٌ‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه،‭ ‬يلازم‭ ‬المصاب‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬جذري‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬غيَّر‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تعديل‭ ‬الجينات‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأمراض،‭ ‬مما‭ ‬يمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لعلاجات‭ ‬حديثة‭ ‬تعيد‭ ‬الأمل‭ ‬للمرضى‭.‬

‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬وبفضل‭ ‬الله‭ ‬سجلت‭ ‬البحرين‭ ‬إنجازًا‭ ‬طبيا‭ ‬لافتا‭ ‬بعلاج‭ ‬مريض‭ ‬مصاب‭ ‬بفقر‭ ‬الدم‭ ‬المنجلي‭ ‬باستخدام‭ ‬تقنية‭ ‬التعديل‭ ‬الجيني‭ ‬‮«‬كريسبر‮»‬،‭ ‬ليكون‭ ‬أول‭ ‬شخص‭ ‬خارج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يخضع‭ ‬لهذا‭ ‬العلاج‭ ‬بنجاح‭.‬

لا‭ ‬يمثل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬تقدما‭ ‬طبيا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬أوسع‭ ‬لمستقبل‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬مملكتنا،‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التقنيات‭ ‬المتقدمة‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭. ‬ولعل‭ ‬زيارة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬للمريض‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬علاجه،‭ ‬يعد‭ ‬تأكيدا‭ ‬لالتزام‭ ‬الدولة‭ ‬بتوفير‭ ‬أحدث‭ ‬الخيارات‭ ‬العلاجية،‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬الابتكارات‭ ‬الطبية‭ ‬العالمية‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬العلمي،‭ ‬تعد‭ ‬تقنية‭ ‬‮«‬كريسبر‮»‬‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الاكتشافات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلاج‭ ‬الجيني،‭ ‬إذ‭ ‬تتيح‭ ‬تصحيح‭ ‬الطفرات‭ ‬المسببة‭ ‬للأمراض‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحمض‭ ‬النووي،‭ ‬مما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬علاج‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬حل‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬المراكز‭ ‬البحثية‭ ‬والشركات‭ ‬الطبية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬فعالية‭ ‬هذه‭ ‬العلاجات،‭ ‬وتقليل‭ ‬آثارها‭ ‬الجانبية،‭ ‬وضمان‭ ‬توفيرها‭ ‬بتكاليف‭ ‬مقبولة‭. ‬لذا،‭ ‬فإن‭ ‬تبني‭ ‬بلادنا‭ ‬لهذه‭ ‬التقنية‭ ‬يعكس‭ ‬إدراكا‭ ‬مبكرا‭ ‬لأهمية‭ ‬الأبحاث‭ ‬الجينية‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الطب،‭ ‬وحرصا‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬بما‭ ‬يعود‭ ‬بالفائدة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬وأسرهم،‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بعلاج‭ ‬جديد‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬بتغير‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭. ‬فالأشخاص‭ ‬المصابون‭ ‬بأمراض‭ ‬وراثية‭ ‬مثل‭ ‬فقر‭ ‬الدم‭ ‬المنجلي‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الألم‭ ‬والتعب‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬يومهم،‭ ‬وزيارات‭ ‬المستشفى‭ ‬أمرا‭ ‬متكررًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجنبه‭.  ‬لكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬بإمكانهم‭ ‬الآن‭ ‬العيش‭ ‬بحرية‭ ‬أكبر،‭ ‬دون‭ ‬قيود‭ ‬العلاج‭ ‬المستمر‭ ‬أو‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬المضاعفات،‭ ‬هو‭ ‬تحول‭ ‬حقيقي‭ ‬يفتح‭ ‬لهم‭ ‬أبوابا‭ ‬كانت‭ ‬تبدو‭ ‬مغلقة‭.  ‬يصبح‭ ‬متاحا‭ ‬السفر‭ ‬دون‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬توفر‭ ‬الرعاية‭ ‬الطبية‭ ‬القريبة،‭ ‬ممارسة‭ ‬الرياضة‭ ‬دون‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬النوبات‭ ‬المفاجئة،‭ ‬وحتى‭ ‬التخطيط‭ ‬لمستقبل‭ ‬مهني‭ ‬دون‭ ‬عقبات‭ ‬صحية،‭ ‬كلها‭ ‬أمور‭ ‬تصبح‭ ‬ممكنة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬العلاجات‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬أثرها‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬على‭ ‬المرضى‭ ‬وحدهم،‭ ‬فالعائلات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬مستمر‭ ‬لرعاية‭ ‬أحبائها‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬متنفسا،‭ ‬حيث‭ ‬يتراجع‭ ‬القلق‭ ‬ويصبح‭ ‬التركيز‭ ‬منصبا‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬المستقبل‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬المرض‭. ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها،‭ ‬لكنها‭ ‬بداية‭ ‬لواقع‭ ‬مختلف،‭ ‬إذ‭ ‬تقل‭ ‬معاناة‭ ‬الأفراد،‭ ‬وتصبح‭ ‬المجتمعات‭ ‬أكثر‭ ‬راحة‭ ‬واستقرارا‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭.‬

التوجه‭ ‬نحو‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬العلاجية‭ ‬يتعدى‭ ‬نطاق‭ ‬توفير‭ ‬خيارات‭ ‬جديدة‭ ‬للمرضى،‭ ‬بل‭ ‬يحمل‭ ‬أبعادًا‭ ‬استراتيجية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬الصحي‭. ‬فمع‭ ‬ازدياد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتدخلات‭ ‬الطبية‭ ‬الجينية‭ ‬عالميا،‭ ‬تتاح‭ ‬فرص‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬البحثية‭ ‬والشركات‭ ‬المتخصصة،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الخبرات‭ ‬المحلية،‭ ‬ودعم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬الرعاية‭ ‬الطبية‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الاستثمار‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬جعل‭ ‬البحرين‭ ‬مركزا‭ ‬إقليميا‭ ‬للعلاجات‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وهذا‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬يرسخ‭ ‬موقعها‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الابتكار‭ ‬الطبي‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬العلاجات‭ ‬الجينية،‭ ‬تتجه‭ ‬الأنظار‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬التطبيقات‭ ‬النانوية‭ ‬في‭ ‬الطب،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الواعدة‭ ‬في‭ ‬النهج‭ ‬الطبي‭ ‬الحديث‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تطبيقاتها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قيد‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬إيصال‭ ‬الأدوية‭ ‬للخلايا‭ ‬المستهدفة،‭ ‬وتقليل‭ ‬التأثيرات‭ ‬الجانبية،‭ ‬يمثل‭ ‬تطورًا‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬تحولا‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تبدي‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬اهتماما‭ ‬واضحا‭ ‬بالبحث‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬الآفاق‭ ‬المستقبلية‭ ‬للقطاع‭ ‬الصحي‭.‬

ما‭ ‬تحقق‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بداية‭ ‬لمسار‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬التطورات،‭ ‬لكنه‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬طموحة‭ ‬لمستقبل‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الطب‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الأعراض،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الأمراض‭ ‬من‭ ‬جذورها‭ ‬هدفا‭ ‬واقعيا‭ ‬تدعمه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭. ‬وبينما‭ ‬تتقدم‭ ‬الأبحاث‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة،‭ ‬تظل‭ ‬الفرصة‭ ‬سانحة‭ ‬أمام‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات،‭ ‬يظل‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬هو‭ ‬المفتاح‭ ‬لصياغة‭ ‬مستقبل‭ ‬صحي‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬واستدامة‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا