العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٨ - الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإسلام.. والأبعاد الثلاثة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٣ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

هناك‭ ‬معادلة‭ ‬تضبط‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتحدد‭ ‬مساره‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬غايته‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬وهي‭ ‬الخلود‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬وهذه‭ ‬المعادلة‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬اعمل‭ ‬لدنياك‭ ‬كأنك‭ ‬تعيش‭ ‬أبدًا،‭ ‬واعمل‭ ‬لآخرتك‭ ‬كأنك‭ ‬تموت‭ ‬غدًا‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬العميقة‭ ‬الأبعاد‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬صعبة‭ ‬الالتزام،‭ ‬عسيرة‭ ‬التطبيق‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ممكنة‭ ‬الالتزام‭ ‬والتطبيق،‭ ‬وما‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬فيها،‭ ‬وينعم‭ ‬بظلها‭ ‬الوارف،‭ ‬وألا‭ ‬يشغل‭ ‬نفسه‭ ‬بما‭ ‬مضى‭ ‬لأنه‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬تغييره،‭ ‬والأوْلى‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬نصب‭ ‬عينيه‭ ‬الدعاء‭ ‬الجليل‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: (‬اللهم‭ ‬أصلح‭ ‬لي‭ ‬ديني‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عصمة‭ ‬أمري،‭ ‬وأصلح‭ ‬لي‭ ‬دنياي‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬معاشي،‭ ‬وأصلح‭ ‬لي‭ ‬آخرتي‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬معادي،‭ ‬واجعل‭ ‬الحياة‭ ‬زيادة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خير،‭ ‬واجعل‭ ‬الموت‭ ‬راحة‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‭) ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭.‬

هذا‭ ‬الحديث‭ ‬الجامع‭ ‬المانع‭ ‬يجعلنا‭ ‬أمام‭ ‬حقائق‭ ‬إيمانية‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لردها،‭ ‬أو‭ ‬التغاضي‭ ‬عنها،‭ ‬وهي‭ ‬تشكل‭ ‬أبعادًا‭ ‬ثلاثة،‭ ‬البعد‭ ‬الأول‭: ‬بعد‭ ‬ممدود،‭ ‬وهو‭ ‬إصلاح‭ ‬الدين‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يسيء‭ ‬إليه،‭ ‬أو‭ ‬يشوه‭ ‬نقاءه‭ ‬الذي‭ ‬أراده‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له،‭ ‬وحماه‭ ‬ودافع‭ ‬عنه،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬إنَّا‭ ‬نحن‭ ‬نزلنا‭ ‬الذكر‭ ‬وإنا‭ ‬له‭ ‬لحافظون‭) ‬الحجر‭/ ‬9‭. ‬وقال‭ ‬كذلك‭: (‬وإنه‭ ‬لكتاب‭ ‬عزيز‭ (‬41‭) ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬الباطل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬تنزيل‭ ‬من‭ ‬حكيم‭ ‬حميد‭ (‬42‭)) ‬فصلت‭.‬

والإسلام‭ ‬دين‭ ‬صالح‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬مصلح‭ ‬لغيره،‭ ‬ولقد‭ ‬تولى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬نصره‭ ‬وتأييده،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أرسل‭ ‬رسوله‭ ‬بالهدى‭ ‬ودين‭ ‬الحق‭ ‬ليظهره‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬كله‭ ‬ولو‭ ‬كره‭ ‬المشركون‭) ‬التوبة‭ /‬33‭.‬

إن‭ ‬انتشار‭ ‬الإسلام‭ ‬وبلوغه‭ ‬ما‭ ‬بلغ‭ ‬إنما‭ ‬راجع‭ ‬إلى‭ ‬قوته‭ ‬الذاتية‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬نشاط‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إليه،‭ ‬والخوف‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الإسلام،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬بأن‭ ‬ينالهم‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬وربما‭ ‬القنوط‭ ‬من‭ ‬الدعاية‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭ ‬خصوم‭ ‬الإسلام‭ ‬عنه‭ ‬وهو‭ ‬منها‭ ‬براء،‭ ‬وعلى‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬يحصنوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدعايات‭ ‬المغرضة‭ ‬الحاقدة،‭ ‬أيضًا‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يبذلوا‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يستطيعون‭ ‬ليحققوا‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬ما‭ ‬يرجوه‭ ‬الإسلام‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬تمثل‭ ‬قيم‭ ‬الإسلام‭ ‬ومبادئه‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬فالمسلم‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسلم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬شروره،‭ ‬والمؤمن‭ ‬من‭ ‬يأمنه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬دمائهم‭ ‬وأموالهم،‭ ‬وأما‭ ‬المهاجر‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬هجر‭ ‬المعاصي‭ ‬وأقبل‭ ‬على‭ ‬الطاعات،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬أفمن‭ ‬يمشي‭ ‬مكبًا‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬أهدى‭ ‬أمَّن‭ ‬يمشي‭ ‬سويًا‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬مستقيم‭) ‬الملك‭ / ‬22‭.‬

إذًا،‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬حركة‭ ‬المؤمن‭ ‬مستقيمة‭ ‬وعلى‭ ‬صراط‭ ‬مستقيم،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬البعد‭ ‬الأول،‭ ‬أما‭ ‬البعد‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬البعد‭ ‬المحدود،‭ ‬وهو‭ ‬الدعاء‭ ‬بإصلاح‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬معايش‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وسائله‭ ‬وغاياته،‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬بالتزام‭ ‬حدود‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬كسبه‭ ‬وإنفاقه‭ ‬بتحري‭ ‬الحلال‭ ‬الطيب،‭ ‬وهو‭ ‬الأساس‭ ‬المكين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يحرص‭ ‬عليه‭ ‬الإسلام،‭ ‬ويدعو‭ ‬أتباعه‭ ‬إلى‭ ‬الاستجابة‭ ‬لأوامره‭ ‬ونواهيه،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الدنيا‭ ‬عمرها‭ ‬قصير،‭ ‬وشأنها‭ ‬حقير‭ ‬حين‭ ‬يجعلها‭ ‬المؤمن‭ ‬غايته‭ ‬أما‭ ‬حين‭ ‬يتخذها‭ ‬مطية‭ ‬للآخرة،‭ ‬فهي‭ ‬نعم‭ ‬المطية‭ ‬التي‭ ‬توصله‭ ‬إلى‭ ‬الآخرة‭ ‬ليواجه‭ ‬مصيره‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬عليه،‭ ‬يقول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬أخاف‭ ‬عليكم‭ ‬ما‭ ‬يخرج‭ ‬الله‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬بركات‭ ‬الأرض،‭ ‬قيل‭: ‬وما‭ ‬بركات‭ ‬الأرض؟‭ ‬قال‭: ‬زهرة‭ ‬الدنيا،‭ ‬فقيل‭: ‬هل‭ ‬يأتي‭ ‬الخير‭ ‬بالشر‭ ‬؟‭ ‬فصمت‭ ‬الًنبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬حتى‭ ‬ظننا‭ ‬أنه‭ ‬ينزل‭ ‬عليه،‭ ‬ثم‭ ‬جعل‭ ‬يمسح‭ ‬عن‭ ‬جبينه،‭ ‬فقال‭: ‬أين‭ ‬السائل‭: ‬قال‭ ‬أنا‭ - ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬سعيد‭ - ‬لقد‭ ‬حمدناه‭ ‬حين‭ ‬طلع‭ ‬ذلك‭ - ‬قال‭: ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬الخير‭ ‬إلا‭ ‬بالخير،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬المال‭ ‬خضرة‭ ‬حلوة‭...!‬‮»‬‭. ‬رواه‭ ‬البخاري؟‭.‬

وأما‭ ‬البعد‭ ‬الثالث،‭ ‬فهو‭ ‬البعد‭ ‬الأخروي‭ ‬الذي‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬طرفي‭ ‬المعادلة،‭ ‬وهي‭ ‬الإيمان‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬والذي‭ ‬تكرر‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وبشر‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وعملوا‭ ‬الصالحات‭ ‬أن‭ ‬لهم‭ ‬جنات‭ ‬تجري‭ ‬من‭ ‬تحتها‭ ‬الأنهار‭ ‬كلما‭ ‬رزقوا‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬ثمرة‭ ‬رزقا‭ ‬قالوا‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬رزقنا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وأوتوا‭ ‬به‭ ‬متشابهًا‭ ‬ولهم‭ ‬فيها‭ ‬أزواج‭ ‬مطهرة‭ ‬وهم‭ ‬فيها‭ ‬خالدون‭) ‬البقرة‭ / ‬25‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬ختام‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬إذًا‭ ‬أحسنا‭ ‬فيها‭ ‬الخلافة،‭ ‬وحققنا‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬معالم‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لنا،‭ ‬وبينها‭ ‬في‭ ‬الآيات‭: (‬151،‭ ‬152،‭ ‬153‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الأنعام،‭ ‬كما‭ ‬بَيَّنَ‭ ‬لنا‭ ‬أعلام‭ ‬الصراط‭ ‬في‭ ‬الآية‭ (‬69‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ومن‭ ‬يطع‭ ‬الله‭ ‬والرسول‭ ‬فأولئك‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬النبيين‭ ‬والصِدِّيقين‭ ‬والشهداء‭ ‬والصالحين‭ ‬وحسن‭ ‬أولئك‭ ‬رفيقا‭) ‬النساء‭.‬

إذًا،‭ ‬فالإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬ينشده‭ ‬المؤمن،‭ ‬ويدعو‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يحققه‭ ‬له،‭ ‬وينجز‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬وعده‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بالإخلاص‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬وحسن‭ ‬المعاملة‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬فينجو‭ ‬المؤمن‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬ويدخل‭ ‬الجنة،‭ ‬وهذا‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يتمناه‭ ‬المؤمن‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬وهو‭ ‬يدعو‭ ‬بإصلاح‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬يرجو‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ليله‭ ‬ونهاره،‭ ‬ويجد‭ ‬بعض‭ ‬البشارات‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الطاعات،‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬المعاصي،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وتوفيقه‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الاسلام‭ ‬الذي‭ ‬نرجوه،‭ ‬ونسعى‭ ‬إليه،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يحققه‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬إنه‭ ‬ولي‭ ‬ذلك‭ ‬والقادر‭ ‬عليه‭ ‬سبحانه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا