هناك معادلة تضبط سلوك الإنسان، وتحدد مساره في الدنيا ليصل إلى غايته في الآخرة، وهي الخلود في الجنة، وهذه المعادلة تقول: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».
هذه المعادلة العميقة الأبعاد قد تبدو صعبة الالتزام، عسيرة التطبيق لكنها في الحقيقة ممكنة الالتزام والتطبيق، وما على الإنسان إلا أن يعيش اللحظة التي هو فيها، وينعم بظلها الوارف، وألا يشغل نفسه بما مضى لأنه لن يستطيع تغييره، والأوْلى له أن يضع نصب عينيه الدعاء الجليل الذي يقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر) رواه الإمام مسلم.
هذا الحديث الجامع المانع يجعلنا أمام حقائق إيمانية لا مجال لردها، أو التغاضي عنها، وهي تشكل أبعادًا ثلاثة، البعد الأول: بعد ممدود، وهو إصلاح الدين مما قد يسيء إليه، أو يشوه نقاءه الذي أراده الله تعالى له، وحماه ودافع عنه، قال تعالى: (إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر/ 9. وقال كذلك: (وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)) فصلت.
والإسلام دين صالح في ذاته مصلح لغيره، ولقد تولى الله تعالى نصره وتأييده، قال سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) التوبة /33.
إن انتشار الإسلام وبلوغه ما بلغ إنما راجع إلى قوته الذاتية وليس إلى نشاط المسلمين في الدعوة إليه، والخوف ليس على الإسلام، بل على المسلمين بأن ينالهم شيء من اليأس وربما القنوط من الدعاية التي ينشرها خصوم الإسلام عنه وهو منها براء، وعلى المسلمين أن يحصنوا أنفسهم عن مثل هذه الدعايات المغرضة الحاقدة، أيضًا عليهم أن يبذلوا أقصى ما يستطيعون ليحققوا في أنفسهم ما يرجوه الإسلام لهم من تمثل قيم الإسلام ومبادئه في حياتهم، فالمسلم الذي يريده الإسلام هو الذي يسلم الناس من شروره، والمؤمن من يأمنه الناس على دمائهم وأموالهم، وأما المهاجر فهو الذي هجر المعاصي وأقبل على الطاعات، يقول تعالى: (أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمَّن يمشي سويًا على صراط مستقيم) الملك / 22.
إذًا، فيجب أن تبقى حركة المؤمن مستقيمة وعلى صراط مستقيم، هذا هو البعد الأول، أما البعد الثاني، فهو البعد المحدود، وهو الدعاء بإصلاح الدنيا التي بها معايش الإنسان في وسائله وغاياته، والعمل الصالح يكون في الدنيا بالتزام حدود الله تعالى في كسبه وإنفاقه بتحري الحلال الطيب، وهو الأساس المكين في حياة الإنسان الذي يحرص عليه الإسلام، ويدعو أتباعه إلى الاستجابة لأوامره ونواهيه، ورغم أن الدنيا عمرها قصير، وشأنها حقير حين يجعلها المؤمن غايته أما حين يتخذها مطية للآخرة، فهي نعم المطية التي توصله إلى الآخرة ليواجه مصيره الذي كتبه الله تعالى له أو عليه، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: «إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا، فقيل: هل يأتي الخير بالشر ؟ فصمت الًنبي (صلى الله عليه وسلم) حتى ظننا أنه ينزل عليه، ثم جعل يمسح عن جبينه، فقال: أين السائل: قال أنا - قال أبو سعيد - لقد حمدناه حين طلع ذلك - قال: لا يأتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة...!». رواه البخاري؟.
وأما البعد الثالث، فهو البعد الأخروي الذي يتحقق من خلال اجتماع طرفي المعادلة، وهي الإيمان والعمل الصالح، والذي تكرر ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابهًا ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) البقرة / 25.
هذا هو ختام الحياة الدنيا إذًا أحسنا فيها الخلافة، وحققنا في نفوسنا معالم الطريق التي رسمها الله تعالى لنا، وبينها في الآيات: (151، 152، 153) من سورة الأنعام، كما بَيَّنَ لنا أعلام الصراط في الآية (69) من سورة النساء في قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) النساء.
إذًا، فالإصلاح الذي ينشده المؤمن، ويدعو الله تعالى أن يحققه له، وينجز له ما وعده لن يتحقق إلا بالإخلاص والعمل الصالح في العبادة وحسن المعاملة مع الناس، فينجو المؤمن من النار ويدخل الجنة، وهذا أقصى ما يتمناه المؤمن في حياته وهو يدعو بإصلاح الدين والدنيا والآخرة، يرجو ذلك في ليله ونهاره، ويجد بعض البشارات على ذلك من خلال الرغبة في مزيد من الطاعات، والبعد عن المعاصي، وهذا من فضل الله تعالى وتوفيقه.
هذا هو الاسلام الذي نرجوه، ونسعى إليه، ونسأل الله تعالى أن يحققه لنا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك