العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دبلوماسية المقامرة والمغامرة

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬دخل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بدبلوماسية‭ ‬المقامرة‭ ‬والمغامرة‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭ ‬اثنين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭:‬

الأول‭: ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وتحديدا‭ ‬بعد‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬درج‭ ‬على‭ ‬الإعلاء‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬واعتباره‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬والمرجع‭ ‬عند‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬إنشاء‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وإلى‭ ‬الآن،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬المرجع‭ ‬والمخرج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬يوغسلافيا‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وبعض‭ ‬مناطق‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬كان‭ ‬اللجوء‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬والتفاوض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام،‭ ‬وكان‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬الإرادة‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬يلجا‭ ‬إليها‭ ‬المتصارعون‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬ليكون‭ ‬الفيصل‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬النزاعات‭.‬

ثانيا‭: ‬استطاعت‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬اعتراها‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬وبالرغم‭ ‬مما‭ ‬واجهها‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬معين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جامعة‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬الحلول‭ ‬السلمية‭ ‬بالفصل‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬وإرسال‭ ‬المبعوثين‭ ‬الأمميين‭ ‬للمساعدة‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬القضايا‭ ‬المستعصية‭ ‬مثل‭ ‬مبعوثي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬يوغسلافيا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬صراعات‭ ‬أو‭ ‬حروبا‭ ‬أهلية،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬الموجة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‭ ‬للرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬تحديدا‭ ‬هو‭ ‬تراجع‭ ‬دراماتيكي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬عن‭ ‬المكتسبات‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬البشرية‭ ‬خلال‭ ‬80‭ ‬عاما‭ ‬وأدخلت‭ ‬العالم‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬ويكفي‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نستعرض‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬مؤخرا‭ ‬وقلبت‭ ‬الموازين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأثارت‭ ‬الرعب‭ ‬والقلق‭ ‬وعدم‭ ‬اليقين‭ ‬بالمستقبل،‭ ‬وهذا‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬رئاسة‭ ‬ترامب‭. ‬فقد‭ ‬أثار‭ ‬زوبعة‭ ‬مع‭ ‬الجار‭ ‬والحليف‭ ‬الكبير‭ ‬كندا‭ ‬والجارة‭ ‬الجنوبية‭ ‬المكسيك‭ ‬والحليف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الدنمارك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬الموازين‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بتقديم‭ ‬أطروحات‭ ‬غريبة‭ ‬وغير‭ ‬مستساغة‭ ‬بما‭ ‬ينذر‭ ‬بزوبعة‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أول‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬آخر‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر‭ ‬رسم‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬للمرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬حول‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬واتفاقية‭ ‬المناخ‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتراجع‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬عن‭ ‬منظومة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬والقواعد‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إرساؤها‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬لتكون‭ ‬مرجعا‭ ‬تجاريا‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وجاء‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ليلغي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬المصلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬مثل‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استمر‭ ‬فإنه‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الانعزالية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬الأساسية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬باستخدام‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأساسية‭ ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الإضرار‭ ‬بمصالحها‭.‬

إذن‭ ‬تتميز‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الجديدة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بمنهج‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬المهمة‭ ‬مثل‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬حول‭ ‬المناخ‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬بشأن‭ ‬الهجرة‭ ‬والمهاجرين‭ ‬بل‭ ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬منظمة‭ ‬الأونروا‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬70‭ ‬عاما‭ ‬وتوفر‭ ‬لهم‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬الحياة‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة،‭ ‬وذلك‭ ‬دعما‭ ‬للموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الهجرة‭ ‬والرحيل‭ ‬من‭ ‬أراضيه‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬توقفت‭ ‬الأونروا‭ ‬عن‭ ‬دعمها‭ ‬لملايين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الجديدة‭ ‬الداعمة‭ ‬تشكل‭ ‬قلقا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬ودعما‭ ‬للتوسع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تهدد‭ ‬أغلب‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬مما‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬دخول‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬العلاقات‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬مادة‭ ‬للعقاب‭ ‬والابتزاز‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا