العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٦ - الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي.. خطوة نحو فهم أعمق وتفاهم أوسع

بقلم: نبيلة رجب

الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

حين‭ ‬يجلس‭ ‬اثنان‭ ‬للحوار،‭ ‬فهما‭ ‬لا‭ ‬يتبادلان‭ ‬الكلمات‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يفتحان‭ ‬نوافذ‭ ‬للفهم،‭ ‬ويهدمان‭ ‬جدران‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬استغرق‭ ‬بناؤها‭ ‬سنوات‭. ‬فالحوار،‭ ‬بطبيعته،‭ ‬ليس‭ ‬ساحة‭ ‬لإثبات‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فرصة‭ ‬لرؤية‭ ‬الأمور‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬آخر،‭ ‬واستيعاب‭ ‬أن‭ ‬الاختلاف‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬القطيعة‭.‬

يأتي‭ ‬انعقاد‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحوار‭ ‬الإسلامي‭-‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬برعاية‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ليعيد‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بتجاوز‭ ‬الخلافات‭ ‬التقليدية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬أرضية‭ ‬مشتركة‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الفكرية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬والعالمية‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬حاليا‭. ‬

ومن‭ ‬شأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬لاختبار‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الحوارات‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬واقعية‭ ‬لمشكلات‭ ‬قائمة،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬وتيرة‭ ‬الاستقطاب‭ ‬والتأويلات‭ ‬المتشددة‭ ‬لبعض‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭.‬

الحوار‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬فكرية،‭ ‬لكنه‭ ‬يتطلب‭ ‬مرونة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الآخر،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬بعض‭ ‬المسلمات‭. ‬وتظل‭ ‬إحدى‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الحوارات‭ ‬الإسلامية‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬الإطار‭ ‬التقليدي‭ ‬للوعظ‭ ‬والإرشاد‭ ‬نحو‭ ‬حلول‭ ‬أكثر‭ ‬عملية‭ ‬وملموسة‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬المأمول‭ ‬هو‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬واضحة‭ ‬تضمن‭ ‬أن‭ ‬تترجم‭ ‬مخرجاته‭ ‬إلى‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التواصل‭ ‬الفكري‭ ‬والتفاهم‭ ‬المشترك‭.‬

هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬أن‭ ‬الحوار‭ ‬كان‭ ‬عنصرا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬حضارة‭ ‬متماسكة،‭ ‬رغم‭ ‬تنوع‭ ‬المدارس‭ ‬الفكرية‭. ‬فمنذ‭ ‬عهد‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬قدمت‭ ‬وثيقة‭ ‬المدينة‭ ‬نموذجا‭ ‬متقدما‭ ‬لقبول‭ ‬المختلف‭.‬

وفي‭ ‬بلاد‭ ‬الأندلس،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الاختلافات‭ ‬الفقهية‭ ‬والمذهبية‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬تشكل‭ ‬بيئة‭ ‬علمية‭ ‬متقدمة‭. ‬كان‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬المذاهب‭ ‬المختلفة‭ ‬يجتمعون‭ ‬في‭ ‬حلقات‭ ‬النقاش،‭ ‬لا‭ ‬لإقصاء‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬لإثراء‭ ‬الفكر‭ ‬وتطوير‭ ‬المعرفة‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المجالس‭ ‬العلمية‭ ‬مثالا‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬التنوع‭ ‬الفكري‭ ‬بأسلوب‭ ‬بناء،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬الاختلاف‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬للتقدم‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬للخلاف‭. ‬

لكن‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي‭ ‬يعكس‭ ‬مشهدا‭ ‬مختلفا،‭ ‬حيث‭ ‬بات‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬محصورًا‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬المجاملة‭ ‬أو‭ ‬التردد‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬القضايا‭ ‬الحساسة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مفتاحا‭ ‬لحلول‭ ‬عملية‭. ‬

وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬المؤتمرات‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحا‭ ‬لمناقشة‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬تحديث‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬لمواكبة‭ ‬متغيرات‭ ‬العصر،‭ ‬ودور‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المستجدات‭ ‬الفكرية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬

وعند‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬سبل‭ ‬تعزيز‭ ‬أثر‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المسارات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬فاعلية‭ ‬أكبر،‭ ‬منها‭:‬

إيجاد‭ ‬صيغ‭ ‬عملية‭ ‬لتطبيق‭ ‬نتائج‭ ‬المؤتمر،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬النقاشات‭ ‬ضمن‭ ‬الإطار‭ ‬النظري،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬مبادرات‭ ‬تعليمية‭ ‬وثقافية،‭ ‬وربما‭ ‬منصات‭ ‬حوارية‭ ‬دائمة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬الفكرية‭ ‬لمناقشة‭ ‬القضايا‭ ‬الخلافية‭ ‬بطرح‭ ‬عقلاني‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الاستقطاب‭.‬

‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬المشاركة‭ ‬ليشمل‭ ‬الأكاديميين،‭ ‬والمثقفين،‭ ‬ورواد‭ ‬الفكر‭ ‬المستقلين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشباب،‭ ‬الذين‭ ‬يمثلون‭ ‬الشريحة‭ ‬الأوسع‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ويحملون‭ ‬رؤى‭ ‬قد‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تجديد‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬والاجتماعي‭.‬

‭ ‬توجيه‭ ‬الحوار‭ ‬نحو‭ ‬القضايا‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحا،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬التحديات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬مثل‭ ‬التطرف‭ ‬الفكري،‭ ‬وتراجع‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬والجمود‭ ‬الفقهي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬اجتهاد‭ ‬جديد‭.‬

ومع‭ ‬انعقاد‭ ‬مؤتمر‭ ‬الحوار‭ ‬الإسلامي‭-‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬بلدنا،‭ ‬تتجدد‭ ‬الآمال‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬خطوة‭ ‬أخرى‭ ‬نحو‭ ‬واقع‭ ‬أكثر‭ ‬استعدادا‭ ‬للتفاعل‭ ‬مع‭ ‬التعددية‭ ‬الفكرية،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬أثره‭ ‬على‭ ‬الجلسات‭ ‬والنقاشات،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬أسس‭ ‬عملية‭ ‬تعزز‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬وتستوعب‭ ‬الاختلاف‭. ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭:‬

‮«‬الناس‭ ‬صنفان‭: ‬إما‭ ‬أخ‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬أو‭ ‬نظير‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬الخلق‮»‬‭.‬

إن‭ ‬استمرارية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬الحوارية‭ ‬تعكس‭ ‬إدراكا‭ ‬لأهمية‭ ‬التواصل‭ ‬الفكري‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬أكثر‭ ‬تماسكا‭ ‬وانفتاحا‭. ‬فالوئام‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬بعدد‭ ‬الكلمات‭ ‬المتبادلة،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬ملموس،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬الحوار‭ ‬درعا‭ ‬يحمي‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬الاختراق،‭ ‬وأداة‭ ‬لترسيخ‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل،‭ ‬وتعزيز‭ ‬جسور‭ ‬الثقة،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تحصين‭ ‬أوطاننا‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭.‬

 

rajabnabeela@gmai‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا