عندما نتحدث عن الميثاق الوطني فإننا نتحدث عن نقلة في تاريخنا البحريني السياسي والاجتماعي والاقتصادي، نتحدث عن تدشين مرحلة جديدة من العمل نحو دولة حديثة ومجتمع منفتح وضع بذورها جلالة الملك في مبادرة فريدة من نوعها بنت على ما تقدم منذ السبعينيات لتأخذ الدولة إلى حقبة جديدة من التفاؤل بالمستقبل. ما زلنا نتذكر تلك الفترة بتفاصيلها وبما اكتست به البحرين من تفاؤل وفرح ونشاط حيوي تمثل في عدد من الخطب الأميرية والندوات واللقاءات المجتمعية المعبرة عن الأمل والترقب لمستقبل أفضل. المسار الذي بدأه جلالة الملك مسار طويل مازال الجميع يتفاعل مع نتائجه ليستمر في تطوير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. يُعَد الميثاق الوطني خطوة مهمة نحو العمل الديمقراطي والمشاركة المجتمعية في البلاد من خلال مجلسي النواب والشورى. أطلق الميثاق مرحلة تحول في المجتمع البحريني، وحدد أطرا واضحة للعلاقة بين السلطات والمواطن، وأرسى الكثير من الحقوق المدنية والسياسية، وأكد ضرورة العمل على تحقيق مبادئه.
نحن اليوم نعيش نتاج الميثاق الوطني الذي حدد قواعد التعامل والتفاعل المجتمعي، وأطرا لتوازن بين المجتمع والدولة والسوق، وبذلك بدأ مسيرة لتحقيق هذه الأطر من التوازنات وبناء علاقة منتجة بين مختلف القوى الرسمية والشعبية تسودها مبادئ العدالة والمصلحة العامة واحترام حقوق الإنسان والارتقاء المجتمعي واللحمة الوطنية، التي تشكل الركائز التي يتحقق بها الأمن والاستقرار.
رغم ما تحقق من إنجازات، إلا أن طموحنا والواقع الإقليمي والدولي يفرض علينا مواصلة العمل والاستمرار نحو مزيد من الإصلاحات لاستكمال مسيرة الانفتاح التي بدأها الميثاق. إن السعي في استكمال تحقيق هذه الأهداف سيسهم في بناء مجتمع أكثر تقدمًا واستدامة. التوجه اليوم للدولة والمجتمع في حث الخطى والعمل على تكريس المبادئ التي وردت في الميثاق. من بين هذه المبادئ: تعزيز دور الشباب والمجتمع المدني في الحياة العامة، وتطوير النظام التعليمي وتوفير برامج تدريبية متقدمة لتحسين مهارات المواطنين وزيادة فرصهم في سوق العمل وتمكينهم من خدمة المجتمع؛ كذلك مراجعة سياسات دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتوفير مزيد من فرص العمل؛ وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال وتطوير البيئة المؤسسية والاجتماعية المناسبة لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، كذلك من المبادئ والقضايا التي أكدها الميثاق وتتطلبها التنمية المستدامة ومسيرة الانفتاح تعزيز قيم التسامح، وتشجيع الحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والأديان وضمنها؛ تعزيز دور الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتوفير الفرص لهم للمشاركة الفاعلة في بناء المستقبل.
بالإضافة إلى وضع مبادئ وأسس الدولة الحديثة فقد أسهم الميثاق في انطلاقة جديدة بإنشاء مؤسسات لتطوير الحياة الاقتصادية والتعليمية وخدمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة متمثلة في صندوق العمل (تمكين) وبنك التنمية ومجلس التنمية الاقتصادية وهيئة تنظيم سوق العمل، وهيئة جودة التعليم. تتضافر جهود هذه الجهات لتعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتطوير البنية التحتية الاقتصادية. كما تم تحسين البيئة الاقتصادية لتشجيع الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة. نتطلع اليوم إلى مشروع تقييم نتائج عمل هذه المجالس والهيئات والمنظمات وتطوير رؤيتها للتأكد من استمرار ملاءمتها للمستجدات التي يحتمها التطور الإقليمي والعالمي في المنافسة والتقدم التكنولوجي والمعرفي والفكري، يكون ذلك بمثابة الجرد لتحديد النجاحات والمكتسبات وكيفية البناء عليها في الواقع الجديد.
فيما يتعلق بالحياة الثقافية والفكرية فقد شهدت البحرين خلال خمسة وعشرين عاما تطورا كبيراً في النشاط الثقافي والفكري، حيث تنظم البحرين فعاليات ثقافية سنويا، مثل المهرجانات والمعارض الفنية، التي تعكس تنوع وغنى الثقافة البحرينية؛ استمرارا لهذا الدعم، يتطلع المجتمع إلى زيادة دعم الكتاب والمفكرين والفنانين لتطوير إبداعاتهم ومساهمة في بناء مجتمع مثقف ومبدع متعدد الأفكار ومتقبل للاختلاف ويعلي من مكانة العقلانية والتفكر.
لقد أثر الميثاق الوطني في الحياة العامة بشكل كبير وأسهم في تحسين مستوى الخدمات العامة، وزيادة المشاركة الشعبية في صنع القرار، وفي المجتمع المدني. كما تم تطوير البنية التحتية في مختلف القطاعات، كالقطاع الصحي والتعليمي، ومازال أمامنا بعض التحديات للوصول إلى تطلعات القيادة والمجتمع في هذه الجوانب والتي سينعكس تأثيرها إيجابياً على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم.
يُعد الميثاق الوطني إطارًا مهما لتحقيق التحول الديمقراطي في المجتمع البحريني، حيث أسهم في تحديد أطر العلاقة بين السلطات والمواطن، وحقوقه المدنية والسياسية. إن مسيرة الانفتاح التي بدأها الميثاق الوطني تتطلب منا الاستمرار في العمل الدؤوب ومواصلة مراعاة مبادئه وتحقيق أهدافه. ورغم ما تحقق من إنجازات، فإن العمل على تحقيق مبادئ الميثاق ما زال مستمرًا، وعلينا كدولة ومجتمع أن نواصل العمل في تعزيز قيم التسامح والتشاركية والعيش المشترك، والاستمرار في التحول الديمقراطي، وتطوير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية تماشيا مع تطورات الذكاء الاصطناعي وإمكاناته. إن تحقيق هذه الأهداف سيسهم في استمرارية بناء مجتمع منتج مؤمن بقدراته ودولة على قدر كبير من الكفاءة والفاعلية تقود نحو مستقبل مشرق ومستدام.
mkuwaiti@batelco.com.bh
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك