العدد : ١٧١٣٤ - الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٤ - الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صفحات من أوراق جدي القديمة.. شيخ التجار والعجوز

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٦ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬صندوقه‭ ‬الحديدي‭ ‬وبين‭ ‬أوراقه‭ ‬الصفراء‭ ‬القديمة‭ ‬وجدت‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية؛

كتب‭ ‬جدي‭ ‬يقول‭: ‬

في‭ ‬الزمن‭ ‬الغابر‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬شيخ‭ ‬للتجار‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ظالم،‭ ‬معتد‭ ‬بنفسه‭ ‬وبثروته‭ ‬وقوته،‭ ‬وكان‭ ‬يملك‭ ‬قصرًا‭ ‬عظيمًا،‭ ‬بنى‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬قصره‭ ‬بجانب‭ ‬كوخ‭ ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬والطين‭ ‬لامرأة‭ ‬عجوز،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكوخ‭ ‬كان‭ ‬موجودًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬نفسه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يولد‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭. ‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬ذهبت‭ ‬العجوز‭ ‬إلى‭ ‬شيخ‭ ‬التجار،‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬يعطيها‭ ‬بعض‭ ‬الأطعمة‭ ‬وبعض‭ ‬المساعدات؛‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬بالجوع‭ ‬نظرًا‭ ‬لفقرها‭ ‬الشديد،‭ ‬فنظر‭ ‬إليها‭ ‬بسخرية،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬الحراس‭ ‬أن‭ ‬يطردوها‭ ‬خارج‭ ‬القصر،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الحراس‭ ‬أن‭ ‬يهدموا‭ ‬لها‭ ‬الكوخ‭ ‬الخاص‭ ‬بها،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬منظره‭ ‬غير‭ ‬لائق‭ ‬بجانب‭ ‬القصر‭ ‬الخاص‭ ‬به‭.‬

فوقفت‭ ‬العجوز‭ ‬أمامه‭ ‬وقالت‭: ‬سيمر‭ ‬الزمن،‭ ‬وستأتي‭ ‬لي،‭ ‬وتطلب‭ ‬مني‭ ‬المساعدة‭.‬

سخر‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬من‭ ‬كلامها،‭ ‬وظل‭ ‬يضحك‭ ‬فقال‭: ‬أنا‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬ولدي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬والخيرات‭ ‬وسبائك‭ ‬الذهب،‭ ‬وما‭ ‬أنت‭ ‬إلا‭ ‬عجوز‭ ‬فقيرة‭ ‬لا‭ ‬تمتلكي‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬فماذا‭ ‬تملكين‭ ‬حتى‭ ‬أطلب‭ ‬منك‭ ‬لتساعديني‭ ‬به‭. ‬

ثم‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الحراس‭ ‬أن‭ ‬يغلقوا‭ ‬باب‭ ‬قصره‭ ‬وهو‭ ‬يملأ‭ ‬قلبه‭ ‬الغرور‭. ‬

لجأت‭ ‬العجوز‭ ‬للكهوف‭ ‬والجبال‭ ‬وظلت‭ ‬تأكل‭ ‬من‭ ‬النباتات،‭ ‬وتشرب‭ ‬من‭ ‬الينابيع‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تشعر‭ ‬بالجوع،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تميز‭ ‬وتتعرف‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬النباتات،‭ ‬الصالح‭ ‬منها‭ ‬للأكل‭ ‬والصالح‭ ‬للعلاج‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭.‬

وتمر‭ ‬الأيام‭ ‬والسنون؛‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬دعا‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬حراسه‭ ‬وأعوانه‭ ‬من‭ ‬الأمراء‭ ‬وذبح‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الماعز‭ ‬والخرفان،‭ ‬وتنوعت‭ ‬اللحوم‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬وجميع‭ ‬أنواع‭ ‬الفاكهة‭ ‬وكل‭ ‬أنواع‭ ‬الطعام‭. ‬دعا‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬الجميع‭ ‬لحضور‭ ‬الطعام‭ ‬الجماعي،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬الجميع‭ ‬وهو‭ ‬كذلك‭ ‬يأكلون‭ ‬بشراهة،‭ ‬حتى‭ ‬امتلأ‭ ‬بطن‭ ‬شيخ‭ ‬التجار،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬فالأكل‭ ‬لذيذ‭ ‬الطعم‭ ‬لا‭ ‬يقاوم،‭ ‬فأصابته‭ ‬تخمة‭ ‬وعسر‭ ‬هضم‭ ‬بسبب‭ ‬الأكل‭ ‬الزائد،‭ ‬فمرض‭ ‬وانهارت‭ ‬قواه‭. ‬‮ ‬

طلب‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬الأطباء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬حتى‭ ‬يبدأوا‭ ‬في‭ ‬علاجه،‭ ‬ولكنهم‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬طبيب‭ ‬يأتي‭ ‬إلى‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يشفيه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صلافة‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬جعلت‭ ‬الأطباء‭ ‬يتجنبون‭ ‬تلبية‭ ‬طلبه‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بعلاجه‭. ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬ساءت‭ ‬حالة‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬وكان‭ ‬يشعر‭ ‬بانتهاء‭ ‬حياته،‭ ‬فأمر‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬الحراس‭ ‬والمنادون‭ ‬إلى‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬لينادي‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬شفاء‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬أو‭ ‬مساعدته،‭ ‬فسوف‭ ‬يبني‭ ‬له‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬قصرًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬ويعطيه‭ ‬من‭ ‬سبائك‭ ‬الذهب‭ ‬والأموال‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬الماشية‭ ‬والخيرات،‭ ‬وسيصبح‭ ‬من‭ ‬مقربي‭ ‬وجلساء‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭.‬

عندما‭ ‬سمعت‭ ‬العجوز‭ ‬بمرض‭ ‬شيخ‭ ‬التجار،‭ ‬قررت‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه‭ ‬كي‭ ‬تشفيه،‭ ‬فعندما‭ ‬أبصر‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬العجوز‭ ‬تعجب‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعرفها،‭ ‬فقال‭ ‬لها‭: ‬أنت‭ ‬أيتها‭ ‬العجوز‭ ‬تريدين‭ ‬أن‭ ‬تعالجيني؟‭ ‬‮ ‬فقالت‭ ‬له‭: ‬بإذن‭ ‬الله‭. ‬فوضعت‭ ‬يديها‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬الألم‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يعانيه،‭ ‬وبعد‭ ‬هنيهة،‭ ‬اعتذرت‭ ‬وطلبت‭ ‬الخروج‭ ‬حتى‭ ‬توفر‭ ‬الدواء‭ ‬المناسب،‭ ‬فخرجت،‭ ‬وذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الجبال‭ ‬فقطفت‭ ‬بعض‭ ‬الزهور‭ ‬والنباتات،‭ ‬وقامت‭ ‬بغليها‭ ‬في‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬فأنتجت‭ ‬منها‭ ‬دواء‭. ‬وضعت‭ ‬العجوز‭ ‬الدواء‭ ‬في‭ ‬وعاء‭ ‬صغير،‭ ‬وأخذته‭ ‬لشيخ‭ ‬التجار‭ ‬لكي‭ ‬يشرب‭ ‬منه‭. ‬وفعلاً‭ ‬أطاع‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عجز‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الدواء‭ ‬المناسب،‭ ‬فماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يعانيه؟‭ ‬فشرب‭ ‬من‭ ‬الدواء‭ ‬التي‭ ‬صنعته‭ ‬العجوز‭.‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬بدأ‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬يتعافى‭ ‬بصورة‭ ‬جزئية،‭ ‬وهذا‭ ‬شجعه‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬شرب‭ ‬الدواء‭. ‬

وبعد‭ ‬حوالي‭ ‬شهر‭ ‬تعافى‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬فطلب‭ ‬العجوز‭ ‬وقال‭ ‬لها‭: ‬اطلبي‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬تريدين،‭ ‬الذهب‭ ‬والمال‭ ‬والأنعام‭ ‬وكل‭ ‬الخير‭ ‬بين‭ ‬يديك،‭ ‬فقط‭ ‬اطلبي‭.‬

فقالت‭ ‬العجوز‭: ‬كوخي‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬أمرت‭ ‬حراسك‭ ‬بهدمه،‭ ‬أتذكر؟‭ ‬أتذكر‭ ‬يومًا‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬إنك‭ ‬ستطلب‭ ‬مني‭ ‬المساعدة،‭ ‬ولكنك‭ ‬احتقرتني،‭ ‬وها‭ ‬أنت‭ ‬ذا‭ ‬تقف‭ ‬بين‭ ‬يديّ‭ ‬ذليلاً‭ ‬تطلب‭ ‬المساعدة‭ ‬ومني‭ ‬أنا‭ ‬فقط،‭ ‬ألم‭ ‬تتعلم‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬أن‭ ‬النعم‭ ‬لا‭ ‬تدوم‭ ‬وأن‭ ‬الأيام‭ ‬تدور؟‭ ‬وأنك‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تطرد‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬أرضه‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوتك،‭ ‬فالضعيف‭ ‬يستمد‭ ‬قوته‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه،‭ ‬فهل‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬المظلوم‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬حجاب‭.‬

وقف‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬لحظات‭ ‬مفكرًا‭ ‬ومتألمًا،‭ ‬ومستدركًا‭ ‬خطأه،‭ ‬فنادي‭ ‬بالحراس‭ ‬وطلب‭ ‬منهم‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬كوخ‭ ‬العجوز‭ ‬وطلب‭ ‬منهم‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬الكوخ‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬ببناء‭ ‬منزل‭ ‬يليق‭ ‬بالمرأة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬رفضت‭ ‬وطلبت‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬كوخها‭ ‬المهدم‭ ‬فقط،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬إلا‭ ‬منزلها‭.‬

وانتهت‭ ‬الحكاية،

عندما‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬القصاصة‭ ‬الصفراء‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬جدي‭ ‬تذكرت‭ ‬قصة‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬فإخوة‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬تآمروا‭ ‬عليه‭ ‬وحاولوا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬قتله،‭ ‬ولكنهم‭ ‬تخلصوا‭ ‬منه‭ ‬بالطريقة‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬يوسف،‭ ‬وعندما‭ ‬مرت‭ ‬الأيام‭ ‬والسنون‭ ‬جاؤوا‭ ‬إليه‭ ‬ودخلوا‭ ‬قصره،‭ ‬فأيديهم‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بعمل‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬يوسف‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬توسلت‭ ‬وتسولت‭ ‬منه‭ ‬لقمة‭ ‬العيش،‭ ‬فقالوا‭ (‬تصدق‭ ‬علينا‭).‬

هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬تعيدني‭ ‬إلى‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فأمريكا‭ ‬بكل‭ ‬قوتها‭ ‬وقضهم‭ ‬وقضيضهم‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬مسارا‭ ‬واحدا‭ ‬لا‭ ‬ثاني‭ ‬له‭ ‬للخروج‭ ‬مما‭ ‬يسمى‭ ‬بأزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ولكن‭ ‬بطريقة‭ ‬تنعدم‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬والفكر‭ ‬المنهجي‭ ‬السليم،‭ ‬فهي‭ ‬تريد‭ ‬إخراج‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬الأصليين‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خاطر‭ ‬عيون‭ ‬شعب‭ ‬محتل‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬أحق‭ ‬بامتلاك‭ ‬الأرض،‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬هذا؟

ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نستغرب‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬من‭ ‬أمريكا،‭ ‬فعندما‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المحتل‭ ‬الأوربي‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬الأمريكي‭ ‬اليوم‭ ‬‭ ‬طرد‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬وهم‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض‭ ‬الحقيقيون‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬وأسكنهم‭ ‬في‭ ‬المحميات‭ ‬وبعض‭ ‬المناطق‭ ‬القليلة‭ ‬وفرض‭ ‬عليهم‭ ‬القيود‭ ‬والأنظمة‭ ‬والاشتراطات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬التحرر،‭ ‬وحتى‭ ‬نؤكد‭ ‬هذا؛‭ ‬فكم‭ ‬رئيس‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حكم‭ ‬كان‭ ‬أصله‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين؟‭ ‬لا‭ ‬أحد‭.‬

لا‭ ‬نستغرب‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬أمريكا،‭ ‬فالشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬شيخ‭ ‬التجار‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬للأرض‭ ‬قيمة،‭ ‬فهو‭ ‬مهاجر‭ ‬من‭ ‬شتات‭ ‬الأرض،‭ ‬استوطن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬عليها‭ ‬اليوم،‭ ‬فلا‭ ‬جذور‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬بعكس‭ ‬العجوز‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمتد‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأرض،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬عقله‭ ‬المادي‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬ولا‭ ‬يرتقي‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمفهوم‭ (‬أن‭ ‬هذه‭ ‬أرضي‭ ‬فلن‭ ‬أغادرها‭)‬،‭ ‬فالأرض‭ ‬والبلد‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬تراب‭ ‬يمكن‭ ‬استبدالها‭ ‬مرة‭ ‬ومرات‭ ‬ولا‭ ‬الكوخ‭ ‬خشب‭ ‬وطين،‭ ‬وإنما‭ ‬الأرض‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الإنسان‭ ‬ونفسه‭ ‬وحياته،‭ ‬وجذوره‭ ‬وامتداد‭ ‬أجياله‭ ‬القادمة،‭ ‬لذلك‭ ‬تمسكت‭ ‬بها‭ ‬العجوز‭ ‬أمام‭ ‬شيخ‭ ‬التجار،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭.‬

الفكر‭ ‬الأمريكي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نمثله‭ ‬بثلاثة‭ ‬مفاهيم؛‭ ‬وهي‭ ‬أولاً،‭ ‬الفكر‭ ‬المادي‭ ‬والذي‭ ‬يحكمه‭ ‬أنه‭ ‬ذو‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬وبالكيفية‭ ‬التي‭ ‬يريدها‭ ‬هو،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬وأن‭ ‬يقرر،‭ ‬ولأنه‭ ‬فردي‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬وفي‭ ‬تحقيق‭ ‬رغباته‭ ‬أيًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الرغبات‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تعارض‭ ‬رغبات‭ ‬الآخرين،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬الآخرين،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الآخرين‭ ‬ما‭ ‬هم‭ ‬إلا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المطلوب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬رغباته‭ ‬هو‭ ‬فقط،‭ ‬لذلك‭ ‬فهو‭ ‬مادي‭ ‬بحت،‭ ‬بالمختصر‭: ‬إنك‭ ‬تستطيع‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬بالمبالغ‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬يديك؛‭ ‬فيمكنك‭ ‬شراء‭ ‬حريات‭ ‬البشر،‭ ‬حياتهم،‭ ‬أفكارهم‭ ‬وكل‭ ‬شيء،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قابل‭ ‬للبيع‭ ‬والشراء‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر؛‭ ‬عقلية‭ ‬رعاة‭ ‬البقر‭ (‬الكابوي‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬نشاهد‭ ‬أفلام‭ ‬راعي‭ ‬البقر‭ ‬الأبيض‭ ‬الذي‭ ‬يقتل‭ ‬ويبيد‭ ‬الشعوب‭ ‬والسكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬ويخرجهم‭ ‬من‭ ‬مناطقهم،‭ ‬حتى‭ ‬يقوم‭ ‬هو‭ ‬باحتلال‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يريدها،‭ ‬وهي‭ ‬أصلاً‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬حقه،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬يريدها‭ ‬فإذًا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬حقه،‭ ‬أما‭ ‬الشعوب‭ ‬الأصلية‭ ‬فهي‭ ‬مجرد‭ ‬شعوب‭ ‬همجية‭ ‬كل‭ ‬همها‭ ‬أن‭ ‬ترقص‭ ‬وتغني‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬وتأكل‭ ‬اللحوم‭ ‬المشوية،‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬والحضارة،‭ ‬بينما‭ ‬الرجل‭ ‬الغربي‭ ‬الأبيض‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬بيده‭ ‬اليمنى‭ ‬الحضارة،‭ ‬وبيده‭ ‬اليسرى‭ ‬الحرية‭ ‬والمال،‭ ‬ولكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬تقول‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭.‬

العقلية‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الفكر‭ ‬الأمريكي‭ ‬هي‭ ‬عقلية‭ ‬السوبرمان‭ (‬الرجل‭ ‬الخارق‭) ‬الذي‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬الأرض‭ ‬وأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يريد‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬فهو‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬للكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬شاء‭ ‬من‭ ‬شاء‭ ‬وأبى‭ ‬من‭ ‬أبى،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬قوته،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬ولا‭ ‬قيد‭ ‬أنملة،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬الخالص‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬فأوامره‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تطاع،‭ ‬فلا‭ ‬يجرؤ‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬له‭ ‬لا‭.‬

وهذا‭ ‬بالضبط‭ ‬كان‭ ‬فعل‭ ‬شيخ‭ ‬التجار،‭ ‬الذي‭ ‬اعتقد‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬أنه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬وكيفما‭ ‬يريد،‭ ‬ولكن‭ ‬نسي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قوة‭ ‬موجودة‭ ‬دائمًا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجهه،‭ ‬فبعوضة‭ ‬واحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬قلبه،‭ ‬وفيروس‭ ‬واحد‭ ‬أغلق‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬لحظة،‭ ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬ذلك‭.‬

يقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬إبراهيم‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬42‭ (‬وَلَا‭ ‬تَحْسَبَنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬غَافِلًا‭ ‬عَمَّا‭ ‬يَعْمَلُ‭ ‬الظَّالِمُونَ‭ ‬إنَّمَا‭ ‬يُؤخِّرُهُمْ‭ ‬لِيَوْمٍ‭ ‬تَشْخَصُ‭ ‬فِيهِ‭ ‬الْأبْصَارُ‭)‬،‭ ‬ونقول‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لا‭ ‬يجامل‭ ‬أحدا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أحد،‭ ‬ولكننا‭ ‬نؤمن‭ ‬تمامًا‭ ‬بنواميس‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬وأن‭ ‬النهاية‭ ‬التي‭ ‬ستنسف‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الغاشمة‭ ‬والصهيونية‭ ‬النازية‭ ‬قادمة‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا