العدد : ١٧١٣٠ - السبت ١٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٣٠ - السبت ١٥ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ شعبان ١٤٤٦هـ

مقالات

لماذا تنتصر إسرائيل في الحروب دائما.. وينهزم العرب؟
سؤال العرب في عصر السلاح الروبوتي

بقلم: سميرة بن رجب.

السبت ١٥ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

لماذا‭ ‬تنتصر‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬دائما،‭ ‬وينهزم‭ ‬العرب؟؟؟‭...‬

خلال‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬عقود،‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬فلسطين‭ ‬وتأسيس‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬لم‭ ‬نسمع‭ ‬بهذا‭ ‬السؤال‭ ‬مطروحاً‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المسؤولين‭ ‬العرب‭ ‬للنقاش،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفكرين‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬للبحث؛‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬انشغالنا‭ ‬التام‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إجابة‭ ‬على‭ ‬السؤال‭ ‬العصي‭ ‬الأوّلي،‭ ‬لماذا‭ ‬يتخلف‭ ‬العرب‭ ‬ويتقدم‭ ‬الآخرون؟‭...‬

ورغم‭ ‬مرور‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬على‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وما‭ ‬خلّفه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬جسام‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬عربية‭ ‬مستقبلية‭ ‬أكثر‭ ‬هولاً‭ ‬مما‭ ‬سبق،‭ ‬مازال‭ ‬العرب‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬حرب‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬هزائم‭ ‬العدو،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستوعبوا‭ ‬الهزائم‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تدفع‭ ‬بالمنطقة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬الحضاري‭ ‬والعلمي‭ ‬والسيادي،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حرب‭ ‬تحتل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والعربية،‭ ‬ثم‭ ‬يجلس‭ ‬مفكروها‭ ‬حول‭ ‬الطاولة‭ ‬المستديرة‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬انتصاراتها‭ ‬وإخفاقاتها‭ ‬بواقعية‭ ‬شديدة،‭ ‬لوضع‭ ‬أهداف‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة،‭ ‬ورسم‭ ‬خطة‭ ‬الحرب‭ ‬القادمة‭.‬

حرب‭ ‬غزة‭ ‬نموذجا

واليوم،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬شهراً‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيلية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬غزة‭ (‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭)‬،‭ ‬الأعزل،‭ ‬والتي‭ ‬استخدم‭ ‬فيها‭ ‬العدو‭ ‬أخطر‭ ‬وأحدث‭ ‬الأسلحة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬تدميراً‭ ‬وترهيباً،‭ ‬ودمويةً،‭ ‬ومارس‭ ‬من‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يُسجل‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أقسى‭ ‬حروب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وحشية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يقول‭ ‬قادة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬إنهم‭ ‬حققوا‭ ‬انتصاراً‭ ‬نسبياً،‭ ‬ولم‭ ‬يحققوا‭ ‬النصر‭ ‬الكامل،‭ ‬وهو‭ ‬رأي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واقعي،‭ ‬بل‭ ‬يحمل‭ ‬بطياته‭ ‬منهجية‭ ‬مستقبلية،‭ ‬وإرادة‭ ‬التصميم‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المنتهى،‭ ‬ونحن‭ ‬شهود‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الحرب‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬ومآسيها‭ ‬وتبعاتها،‭ ‬وأحداثها‭... ‬نعم،‭ ‬تؤكد‭ ‬إدارة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬انتصارهم‭ ‬نسبي،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬الحرب،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬جميع‭ ‬أهدافها‭ ‬المرسومة‭ ‬مسبقاً،‭ ‬فلايزال‭ ‬أمامها‭ ‬مهام‭ ‬حربية‭ ‬وسياسية‭ ‬ودبلوماسية‭ ‬جديدة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬المنشود،‭ ‬والنصر‭ ‬الكامل‭. ‬

هذا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬حسمت‭ ‬الرؤية‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬إقليمية‭ ‬كبرى،‭ ‬ودولة‭ ‬متفوقة‭ ‬بالقوة‭ ‬والبطش‭ ‬لتكون‭ ‬فوق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وغير‭ ‬الدولي،‭ ‬وفوق‭ ‬حسابات‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬القائمة‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬الاحتلال‭ ‬وسرقة‭ ‬أرض‭ ‬وإبادة‭ ‬شعب‭... ‬وظهرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقوتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مبالاة‭ ‬بأي‭ ‬أنواع‭ ‬الردع‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لأنها‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬أدوات‭ ‬ضبط‭ ‬أمنها‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬والعالمي،‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والإعلامي‭... ‬وفوق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائها‭ ‬عن‭ ‬بلاده‭ ‬كقوة‭ ‬عظمى‭ ‬نداً،‭ ‬بل‭ ‬تضاهي،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عظمتها،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن،‭ ‬ذاكراً‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يشبه‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬مدينة‭ ‬درسدن‭ ‬الألمانية‭ (‬Bombing‭ ‬of‭ ‬Dresden‭) ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬مَسحت‭ ‬القنابل‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبريطانية‭ ‬معالمها‭ ‬من‭ ‬الخريطة‭ ‬في‭ ‬غارات‭ ‬استمرت‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬متتالية‭ (‬13،‭ ‬14،‭ ‬15‭ ‬فبراير‭ ‬1945‭)‬،‭ ‬فيما‭ ‬تم‭ ‬تسميته‭ ‬لاحقاً‭ ‬بـ‭(‬Carpet‭ ‬Bombing‭).‬

 

الحرب‭ ‬الروبوتية

في‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ظهرت‭ ‬أولى‭ ‬المظاهر‭ ‬الكاملة‭ ‬للحروب‭ ‬الروبوتية‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬غير‭ ‬مشمولة‭ ‬بتفاصيلها‭ ‬في‭ ‬مواثيق‭ ‬ومعاهدات‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراعات،‭ ‬وأهمها‭ ‬مبدأ‭ ‬تكافؤ‭ ‬القوى‭ ‬وحماية‭ ‬المدنيين،‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬عليها‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬طغيان‭ ‬الحروب‭ ‬والمتحاربين‭. ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يدّعي‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أنهم‭ ‬مازالوا‭ ‬لم‭ ‬يحققوا‭ ‬أهدافها‭ ‬كاملة،‭ ‬تصدّرت‭ ‬اسرائيل‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬استخداماً‭ ‬لسلاح‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الروبوتي،‭ ‬والسلاح‭ ‬الرقمي‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاستخبارات‭ ‬والحروب‭ ‬السيبرانية،‭ ‬وفي‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬القتل‭ ‬المستهدف‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬أصابت‭ ‬أهدافها‭ ‬كما‭ ‬أصابت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المائتين‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وجريح‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تفاجئ‭ ‬العالم‭ ‬بمدى‭ ‬تفوقها‭ ‬وتقدمها‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬وصناعة‭ ‬السلاح‭ ‬الرقمي،‭ ‬بقدر‭ ‬مفاجأتها‭ ‬للعرب‭ ‬بحجم‭ ‬قدراتها‭ ‬العلمية‭ ‬وأسطول‭ ‬طائراتها‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ (‬الدرون‭)‬،‭ ‬والمؤهلة‭ ‬بأحدث‭ ‬وأخطر‭ ‬التقنيات‭ ‬التدميرية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬واللوجستية؛‭ ‬والمفاجأة‭ ‬الكبرى‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الوجه‭ ‬الجديد‭ ‬لإسرائيل‭ ‬المتوحشة‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يمس‭ ‬مصالحها‭ ‬بسوء،‭ ‬بموجب‭ ‬النموذج‭ ‬التدميري‭ ‬الذي‭ ‬أعلنته‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

أما‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬استخدامه‭ ‬بمهارة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬فقد‭ ‬توجهت‭ ‬إليه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الهدنة‭ ‬الأولى،‭ ‬بما‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬لتكبح‭ ‬جماح‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬ووسائل‭ ‬الأخبار‭ ‬عالميا،‭ ‬وتكبح‭ ‬حركة‭ ‬الصورة‭ ‬والكلمة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬أنابيب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬حتى‭ ‬ساد‭ ‬الصمت‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وسيكولوجيا‭ ‬التعود‭ ‬الإعلامي،‭ ‬على‭ ‬مشاهد‭ ‬القصف‭ ‬والقتل‭ ‬والدمار،‭ ‬وكسبت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الرهانات‭ ‬الإعلامية‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬دائماً،‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬والسلم‭. ‬

 

قوة‭ ‬التصنيع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحربي‭ ‬والاستخباراتي

للمساهمة‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬الآفاق‭ ‬أمام‭ ‬مناقشة‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬سنحاول‭ ‬هنا‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحديثة،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬‮«‬الطائرات‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بحث‭ ‬صادر‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬الإمارات‭ ‬للدراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬للباحث‭ ‬ربيع‭ ‬محمد‭ ‬يحيى،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬طائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار‭/ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭- ‬الإسرائيلية‭ ‬والقوى‭ ‬الصاعدة»؛‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يعطينا‭ ‬تصورا‭ ‬أكثر‭ ‬دقة‭ ‬عن‭ ‬أبعاد‭ ‬صناعة‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الباطشة،‭ ‬والصالحة‭ ‬للهجوم‭ ‬والدفاع‭ ‬والردع،‭ ‬وللاستخدام‭ ‬الحربي‭ ‬على‭ ‬نطاقات‭ ‬مختلفة،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬سلاح‭ ‬ردع‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬سلاح‭ ‬حرب‭.‬

يذكر‭ ‬البحث‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬استخدمت‭ ‬الطائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬للمراقبة‭ ‬والاستطلاع‭ ‬وجمع‭ ‬المعلومات،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬حصلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬طائرة‭ ‬استطلاعية‭ ‬لتبدأ‭ ‬حينها‭ ‬بتشغيل‭ ‬مختبراتها‭ ‬لتطوير‭ ‬وصناعة‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬لأغراض‭ ‬استخباراتية‭ ‬بهدف‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬خسائرها‭ ‬البشرية،‭ ‬وتم‭ ‬اختبارها‭ ‬في‭ ‬‮«‬طلعات‭ ‬تجسسية‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬لتدخل‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‮»‬،‭ ‬ولتكون‭ ‬ضمن‭ ‬أسطولها‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬وفي‭ ‬غزو‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬1982‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ (‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭) ‬تعمل‭ ‬إسرائيل‭ ‬بجهد‭ ‬دؤوب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التحديث‭ ‬العلمي‭ ‬‮«‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬طائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار،‭ ‬وتستخدمها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬مهماتها‭ ‬الحربية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬بذلك‭ ‬رسمياً‭....‬‮»‬،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬قاتل‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الاغتيالات‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬‮«‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬بحياة‭ ‬مدنيين‭ ‬أبرياء‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.....‬‮»‬‭.‬

ويؤكد‭ ‬البحث‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وخاصة‭ ‬المناطق‭ ‬المأهولة‭ ‬بالسكان،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬المختبر‭ ‬الذي‭ ‬استخدمته‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاختبار‭ ‬تجاربها‭ ‬التصنيعية‭ ‬الحربية‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬مزايا‭ ‬استخدام‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الطائرات‭ ‬غير‭ ‬المأهولة،‭ ‬التي‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬المدن،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬القتل‭ ‬المستهدف‮»‬‭. ‬وطبقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وباكستان‭ ‬وأفغانستان‭ ‬واليمن‭ ‬والصومال،‭ ‬وفي‭ ‬العالم،‭ ‬وتعتمد‭ ‬على‭ ‬البرنامج‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬تحديث‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭.‬

وبحسب‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الدفاعية،‭ ‬تقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بإحلال‭ ‬أحدث‭ ‬نظم‭ ‬الطائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار‭ (‬Unmanned‭ ‬Areal‭ ‬Vehicles‭ ‬UAV’s‭) ‬مكان‭ ‬طائراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬المأهولة‭ ‬‮«‬ودمجها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المهمات‭ ‬العسكرية‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحولت‭ ‬‮«‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬التصنيع‭ ‬المحلي‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬‮«‬وبسبب‭ ‬القيود‭ ‬الأمريكية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬أنواع‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات،‭ ‬نشطت‭ ‬الصادرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭...‬‮»‬‭ ‬لتهيمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أسواق‭ ‬الطائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار‭ ‬وتصدّرها‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬قارات‭ ‬العالم،مما‭ ‬دفع‭ ‬دولاً‭ ‬لديها‭ ‬صناعات‭ ‬عسكرية‭ (‬الصين‭ ‬والهند‭ ‬وفرنسا‭ ‬مثالاً‭) ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بالفئات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬ذات‭ ‬القدرات‭ ‬العالية،‭ ‬مع‭ ‬حفاظ‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬عنصر‭ ‬التفوق‭ ‬الأمريكي‭- ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬حيازتها‭ ‬‮«‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تصديرها‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭....‬‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬سياسة‭ ‬متبعة‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬قطاعات‭ ‬التصنيع‭ ‬الحربي‭ ‬وغير‭ ‬الحربي‭ ‬في‭ ‬الغرب‭.‬

وتعد‭ ‬الطائرات‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬من‭ ‬‮«‬أبرز‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفوذها‭ ‬حول‭ ‬العالم‭....‬‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬تعتبره‭ ‬‮«‬دبلوماسية‭ ‬التسليح‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تتبعه‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الانتاج‭ ‬المتطور‭ ‬لهذه‭ ‬السلعة،‭ ‬واتساع‭ ‬دائرة‭ ‬الصفقات‭ ‬التي‭ ‬أبرمتها‭ ‬لبيع‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬الخطير‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬تعتبره‭ ‬أحد‭ ‬أدواتها‭ ‬لكسر‭ ‬العزلة‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬دور‭ ‬المنتج‭ ‬كمورد‭ ‬اقتصادي‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬

 

استراتيجية‭ ‬التفوق‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬

كما‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية‭ ‬لتحقيق‭ ‬التفوق‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬علميا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬على‭ ‬محيطها‭ ‬العربي‭ ‬والشرق‭ ‬أوسطي،‭ ‬تعد‭ ‬صناعة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والمعلومات‭ ‬والاتصالات‭ ‬اليوم‭ ‬عامل‭ ‬التفوق‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الثاني‭ ‬والقادم،‭ ‬ويشمل‭ ‬هذا‭ ‬التفوق‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬التطوير‭ ‬والإنتاج‭ ‬وبيع‭ ‬الأجهزة‭ ‬والبرمجيات‮»‬،‭ ‬وتسهم‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬‮«‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وغير‭ ‬مباشر،‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الأمني‭ ‬الإسرائيلي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أحدث‭ ‬وأقوى‭ ‬البرمجيات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬التي‭ ‬تمكنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬بيعها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬ومنها‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وشرق‭ ‬أوسطية؛‭ ‬وهذا‭ ‬يأخذنا‭ ‬للتذكير‭ ‬بما‭ ‬يُدعى‭ ‬بعملية‭ ‬‮«‬تفجير‭ ‬البيجرات‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أماكن‭ ‬وجوده،‭ ‬وأيضاً‭ ‬إلى‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬التفوق‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬سيكون‭ ‬سيفاً‭ ‬مسلطاً‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تورطت‭ ‬بشراء‭ ‬منتجاتها‭ ‬من‭ ‬البرمجيات‭ ‬والأجهزة‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭.‬

 

نظام‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭.. ‬ولغة‭ ‬القوة

بحكم‭ ‬القوة‭ ‬والتفوق‭ ‬اللتين‭ ‬باتا‭ ‬سمة‭ ‬نظام‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬الدولي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تمارس‭ ‬اليوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬سياسة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬بفرض‭ ‬إرادتها‭ ‬وقراراتها‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وسياسات‭ ‬الابتزاز‭ ‬على‭ ‬العرب،‭ ‬ولسان‭ ‬حالها‭ ‬يقول‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬مبارز؟؟؟؛‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مبارز‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬إقليمي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬أو‭ ‬الردع،‭ ‬أو‭ ‬الدفاع؟‭!‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬واقع‭ ‬عربي‭ ‬مشتت‭ ‬ومفكك‭ ‬ومنزوع‭ ‬القوة؟؟؟؟‭... ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬اختيار‭ ‬إسرائيل‭ ‬لهذه‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬الفاصلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب‭ ‬والعالم‭ ‬للتكشير‭ ‬عن‭ ‬أنيابها‭ ‬وقوتها‭ ‬وبطشها‭ ‬عملاً‭ ‬عشوائياً،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬اختيار‭ ‬مدروس‭ ‬بمعايير‭ ‬عملية‭ ‬وشديدة‭ ‬الواقعية‭.‬

إقليمياً،‭ ‬ومنذ‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬صارت‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬منزوعة‭ ‬القوة،‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬أمني‭ ‬استراتيجي‭ ‬لم‭ ‬يملأه‭ ‬العرب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬بأن‭ ‬حلفاءهم‭ ‬الدوليين‭ ‬الأقوياء‭ ‬سيسدون‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة‭.‬

وبعد‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬أصبح‭ ‬الفراغ‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعاً‭ ‬وعمقاً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬وأصبح‭ ‬العرب‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬القوة،‭ ‬واكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬حلفاءهم‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬وتفكيك‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬عدم‭ ‬استقرارها،‭ ‬لتمرير‭ ‬مشاريعهم‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بغير‭ ‬لغة‭ ‬القوة،‭ ‬تنافساً‭ ‬على‭ ‬المنصب‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭. ‬

أما‭ ‬دولياً،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تستثمر‭ ‬اليوم‭ ‬قوتها‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬الذروة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تمدد‭ ‬الشعبوية‭ ‬وصعود‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الغرب،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬انشغال‭ ‬روسيا‭ ‬بالحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تفرد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالسطوة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬والسطو‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬المعيار‭ ‬الاستثنائي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬ظروف‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬خروج‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة،‭ ‬وهي‭ ‬ظروف‭ ‬تتسم‭ ‬بتفكك‭ ‬الأقطاب‭ ‬وعدم‭ ‬اتفاقها‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬ستضع‭ ‬شروط‭ ‬إدارة‭ ‬العالم،‭ ‬وأهمها‭ ‬ضمان‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬شؤون‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬موازين‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الفاصل‭ ‬الزمني‭ ‬التاريخي،‭ ‬أعلنت‭ ‬إسرائيل،‭ ‬شفويا‭ ‬وعمليا،‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بأي‭ ‬رادع‭ ‬قانوني‭ ‬أو‭ ‬إنساني‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بأمنها‭ ‬وسيادتها،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬استفادة‭ ‬بالتوسع‭ ‬والامتداد‭ ‬والاحتلال‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬متعدد‭ ‬أو‭ ‬ثنائي‭ ‬الأقطاب‭.‬

ما‭ ‬سبق‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬إجابتنا‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬العنوان،‭ ‬وهو‭ ‬سرد‭ ‬يسير‭ ‬لبعض‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مقومات‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬عدوك،‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬والحرب‮»‬‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الشعارات‭ ‬والفكر‭ ‬المتخيل‭ ‬الذي‭ ‬منهَجَ‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬نحو‭ ‬اللاواقعية‭ ‬واللاعقلانية‭ ‬التي‭ ‬أعاقت‭ ‬تقدم‭ ‬الأمة‭ ‬وجعلتها‭ ‬متخلفة‭ ‬عن‭ ‬الركب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭ ‬والصغرى‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭... ‬وعلى‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬والمعرفة‭ ‬للعدو‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬مشاريعنا‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬طموح‭ ‬لهذا‭ ‬البناء‭. ‬

 

أين‭ ‬المشروع‭ ‬العربي؟؟‭...‬

من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬المحلل‭ ‬العربي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يسهل‭ ‬عليه‭ ‬البحث‭ ‬والاطلاع‭ ‬لتأسيس‭ ‬قراءة‭ ‬ومقاربة‭ ‬حول‭ ‬السياسات‭ ‬الدولية‭ ‬ومتغيراتها،‭ ‬بمستويات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬التعمق‭ ‬حتى‭ ‬التسطيح،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يصعب‭ ‬عليه‭ ‬وضع‭ ‬قراءة‭ ‬بسيطة‭ ‬حول‭ ‬السياسات‭ ‬العربية‭ ‬المواجهة‭ ‬لكل‭ ‬تلك‭ ‬السياسات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تتطور‭ ‬وتتجدد‭ ‬ولا‭ ‬تندثر،‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العصور،‭ ‬ويصعب‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬وضع‭ ‬قراءة‭ ‬بسيطة‭ ‬حول‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الفكر‭ ‬الاستعماري‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬مؤسسيا‭ ‬وتديره‭ ‬وزارات‭ ‬الخارجية‭ ‬بسفاراتها،‭ ‬ووزارات‭ ‬الدفاع‭ ‬والاستخبارات‭ ‬والأمن‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭... ‬بل‭ ‬يتجاهل‭ ‬الرسميون‭ ‬العرب‭ ‬الدور‭ ‬الاستعماري‭ ‬الغربي‭ ‬المتغلغل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

نعم،‭ ‬يصعب‭ ‬علينا‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬عربي‭ ‬معادل،‭ ‬أو‭ ‬مواجه،‭ ‬لزخم‭ ‬التحدي‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬مصالح‭ ‬بلداننا‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬وحتى‭ ‬مستقبل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭... ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الكاتب‭ ‬أو‭ ‬المحلل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬لمسؤولين‭ ‬عرب‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬معيار‭ ‬الواقعية‭ ‬العلمية‭ ‬أمام‭ ‬السيل‭ ‬الجارف‭ ‬من‭ ‬الطغيان‭ ‬الغربي،‭ ‬تصريحات‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للصمود،‭ ‬إذ‭ ‬ننتظر‭ ‬بعدها‭ ‬تصريحات‭ ‬التراجع‭ ‬والخضوع‭ ‬لما‭ ‬يتم‭ ‬فرضه‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬تزيد‭ ‬المستعمر‭ ‬قوة،‭ ‬وتزيد‭ ‬المنطقة‭ ‬ضعفاً‭ ‬وتخلفاً،‭ ‬وفقراً‭...‬

ولربما‭ ‬أقرب‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬شهادتي‭ ‬هذه‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بخصوص‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬الجوار‭ ‬العربي‭ ‬بمنطق‭ ‬حكم‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬الضعيف،‭ ‬إذ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬نسمع،‭ ‬مع‭ ‬التصريحات‭ ‬العربية،‭ ‬أي‭ ‬رؤية‭ ‬حول‭ ‬مشاريع‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬التصدي‭ ‬لهذا‭ ‬القرار‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬قيد‭ ‬التنفيذ‭ ‬بحكم‭ ‬القوة‭ ‬والنار‭... ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬هو‭ ‬تصريحات‭ ‬الرفض،‭ ‬والرفض‭ ‬فقط‭... ‬تصريحات‭ ‬إعلامية‭ ‬لا‭ ‬تسمن‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬عن‭ ‬جوع‭... ‬بالمقابل‭ ‬نضع‭ ‬سؤالنا‭ ‬هنا،‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬مقومات‭ ‬هذا‭ ‬الرفض،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬حتى‭ ‬بالقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأخلاقية؟؟؟‭ ‬ما‭ ‬مقومات‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬العرب‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذا‭ ‬القرار؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬يعلنها‭ ‬أصحاب‭ ‬الشأن‭ (‬إن‭ ‬وجدت‭)‬؟

على‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬العربي‭ ‬المتردي‭ ‬سيستمر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬مادامت‭ ‬المنهجية‭ ‬الفكرية‭ ‬العربية‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬لاواقعيتها،‭ ‬وتشتتها،‭ ‬وتبعيتها،‭ ‬وخروجها‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬واستيعاب‭ ‬الأحداث‭ ‬الجارية،‭ ‬والماضية‭ ‬والمستقبلية‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬قراءتنا‭ ‬للدور‭ ‬العربي‭ ‬اليوم،‭ ‬وعليه‭ ‬يمكن‭ ‬إسقاط‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬مستقبلات‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬و«إِنَّ‭ ‬اللّهَ‭ ‬لاَ‭ ‬يُغَيِّرُ‭ ‬مَا‭ ‬بِقَوْمٍ‭ ‬حَتَّى‭ ‬يُغَيِّرُواْ‭ ‬مَا‭ ‬بِأَنْفُسِهِمْ‮ ‬‭(‬الرعد‭:‬11‭)‬‮»‬‭.‬

sr@sameerarajab‭.‬net‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا