العدد : ١٧١٢٨ - الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٨ - الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

آخر إعلان للمسؤول الأول عن الصحة العامة في أمريكا

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الخميس ١٣ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬صحة‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الجراح‭ ‬العام‮»‬‭ (‬Surgeon‭ ‬General‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬المستشار‭ ‬الصحي‭ ‬الأول‭ ‬للحكومة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬التابع‭ ‬مباشرة‭ ‬لوزارة‭ ‬الصحة‭ ‬والخدمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬يهتم‭ ‬بدرجة‭ ‬أساسية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ويضر‭ ‬بأمنه‭ ‬الصحي‭ ‬العام،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬الصحية‭ ‬الجسدية،‭ ‬أو‭ ‬العقلية،‭ ‬أو‭ ‬النفسية‭. ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬هو‭ ‬استشراف‭ ‬وتقييم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصحية‭ ‬للشعب‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬أو‭ ‬البعيد،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العوامل‭ ‬المستجدة‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬عليه‭. ‬أي‭ ‬واجبه‭ ‬التحذير‭ ‬المبكر‭ ‬والاستباقي‭ ‬والوقائي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تحديات‭ ‬وتهديدات‭ ‬تفسد‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للناس،‭ ‬وتُلقيهم‭ ‬في‭ ‬شبح‭ ‬الإصابة‭ ‬بالأمراض‭ ‬والعلل‭ ‬الحادة‭ ‬والمزمنة،‭ ‬ثم‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬علمية‭ ‬عامة‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬بيان‭ ‬عام‭ ‬للأمة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬استشارة‭ ‬الجراح‭ ‬العام‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬العام‭ ‬يقوم‭ ‬بتشخيص‭ ‬القضية‭ ‬الصحية،‭ ‬وتقديم‭ ‬آخر‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬المنشورة‭ ‬حولها،‭ ‬ويبين‭ ‬خطورتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ثم‭ ‬أخيراً‭ ‬يقدم‭ ‬التوصيات‭ ‬اللازمة‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الصحية،‭ ‬ومواجهتها‭ ‬والتصدي‭ ‬لها،‭ ‬وتعميق‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬وعي‭ ‬واتجاه‭ ‬الشعب‭ ‬والحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بكيفية‭ ‬تجنبها‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭.‬

وآخر‭ ‬التحذيرات‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬الاتحادي‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬في‭ ‬وثيقته‭ ‬الرسمية‭ ‬الدورية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الكحول‭ ‬ومخاطر‭ ‬السرطان‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬علاقة‭ ‬تناول‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬بمخاطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬السرطان‭. ‬وهذا‭ ‬البيان‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬عدة‭ ‬نقاط،‭ ‬منها‭ ‬أولاً‭: ‬ان‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسة‭ ‬للسرطان‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬منعها‭ ‬وتجنبها‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭ ‬كليا‭.‬

وثانياً‭: ‬العلاقة‭ ‬السببية‭ ‬بين‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬والتعرض‭ ‬للسرطان‭ ‬والأدلة‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة،‭ ‬والمحور‭ ‬الثالث‭ ‬فهو‭ ‬آلية‭ ‬وكيفية‭ ‬إصابة‭ ‬شارب‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬بالسرطان،‭ ‬ورابعاً‭: ‬التوصيات‭ ‬بكيفية‭ ‬تجنب‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬السرطان،‭ ‬وخامساً‭ ‬وأخيراً‭ ‬هو‭ ‬تحديث‭ ‬التحذيرات‭ ‬الصحية‭ ‬القديمة‭ ‬المكتوبة‭ ‬على‭ ‬زجاجات‭ ‬وعلب‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭. ‬

فالمشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬الآن‭ ‬تمر‭ ‬بالمراحل‭ ‬التاريخية‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬مرَّ‭ ‬فيها‭ ‬تدخين‭ ‬السجائر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تدخين‭ ‬السجائر‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬ممارسة‭ ‬طبيعية‭ ‬جداً‭ ‬بين‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬المدخن‭ ‬يفتخر‭ ‬والسيجارة‭ ‬بيده،‭ ‬حتى‭ ‬تحول‭ ‬التدخين‭ ‬إلى‭ ‬موضة‭ ‬أمريكية‭ ‬غربية،‭ ‬وسلوك‭ ‬عصري‭ ‬منتشر‭ ‬بين‭ ‬كافة‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬ومن‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الغربي‭.‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬يونيو‭ ‬1957‭ ‬جاء‭ ‬الإعلان‭ ‬التاريخي‭ ‬الأول‭ ‬للجراح‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬أفاد‭ ‬فيه‭ ‬بأن‭ ‬الأدلة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬سببية‭ ‬بين‭ ‬التدخين‭ ‬وسرطان‭ ‬الرئة،‭ ‬ثم‭ ‬تبعه‭ ‬الإعلان‭ ‬الحاسم‭ ‬والقوي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬التدخين‭ ‬والصحة‮»‬‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬يناير‭ ‬1964،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬فيه‭ ‬الجراح‭ ‬العام‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬بين‭ ‬التدخين‭ ‬والإصابة‭ ‬بسرطان‭ ‬الرئة،‭ ‬أي‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬تدخين‭ ‬السجائر‭ ‬يسبب‭ ‬السرطان،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬الإعلان‭ ‬نُشر‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬حتى‭ ‬يقلل‭ ‬هذه‭ ‬الصدمة‭ ‬القوية‭ ‬على‭ ‬تقلبات‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭ ‬وتقع‭ ‬خسائر‭ ‬لا‭ ‬تحمد‭ ‬عواقبها،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تأخذ‭ ‬دائماً‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كأولوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أعمالها‭ ‬وقراراتها‭ ‬لمنع‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬أمريكا‭ ‬وازدهار‭ ‬شركاتها‭ ‬المتنفذة‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والكونجرس‭ ‬معاً‭. ‬

ثم‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الصحية‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬سياسية‭ ‬تدخل‭ ‬فيها‭ ‬الكونجرس،‭ ‬فسن‭ ‬قانوناً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1965‭ ‬يلزم‭ ‬شركات‭ ‬التبغ‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية‭ ‬على‭ ‬علب‭ ‬السجائر،‭ ‬وصيغة‭ ‬هذه‭ ‬التحذيرات‭ ‬تغيرت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ومع‭ ‬ثبوت‭ ‬الأدلة‭ ‬العلمية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأضرار‭ ‬التدخين،‭ ‬فأصبحت‭ ‬العلامات‭ ‬الموجودة‭ ‬اليوم‭ ‬تؤكد‭ ‬وتجزم‭ ‬بأن‭ ‬التدخين‭ ‬قاتل‭ ‬ويسبب‭ ‬أنواعاً‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬السرطان،‭ ‬وأمراض‭ ‬القلب،‭ ‬والجهاز‭ ‬التنفسي‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1988‭ ‬سن‭ ‬الكونجرس‭ ‬تشريعاً‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬وضع‭ ‬العلامات‭ ‬على‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‮»‬،‭ ‬والمتعلق‭ ‬بالموافقة‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬علامات‭ ‬تحذيرية‭ ‬على‭ ‬زجاجات‭ ‬وعبوات‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الملصقات‭ ‬والعلامات‭: ‬‮«‬تحذير‭ ‬حكومي‭: (‬1‭) ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬اعلان‭ ‬الجراح‭ ‬العام،‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬ألا‭ ‬تشرب‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬أثناء‭ ‬الحمل‭ ‬لأنه‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬التشوهات‭ ‬في‭ ‬المولود‭. (‬2‭) ‬شرب‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬قدرتك‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬أو‭ ‬تشغيل‭ ‬الآليات،‭ ‬وقد‭ ‬يسبب‭ ‬لك‭ ‬مشكلات‭ ‬صحية‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬كان‭ ‬خجولاً‭ ‬جداً‭ ‬ومخفياً‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬في‭ ‬عبوات‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية،‭ ‬فصياغته‭ ‬ضعيفة‭ ‬جداً‭ ‬ولا‭ ‬تنفر‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬شرب‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية،‭ ‬كما‭ ‬انها‭ ‬مكتوبة‭ ‬بخطٍ‭ ‬صغير‭ ‬جداً‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يف‭ ‬بالهدف‭ ‬من‭ ‬وضعه،‭ ‬ولم‭ ‬يجعل‭ ‬الأمريكيين‭ ‬يتجنبون،‭ ‬أو‭ ‬يقللون‭ ‬من‭ ‬تعاطي‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭.‬

ونتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬غير‭ ‬الفاعل‭ ‬وغير‭ ‬المؤثر،‭ ‬ونظراً‭ ‬لانكشاف‭ ‬أدلة‭ ‬طبية‭ ‬كثيرة‭ ‬موثقة‭ ‬تثبت‭ ‬أضرار‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬خاصة،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬عامة،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تحديث‭ ‬الملصق‭ ‬القديم،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تحذير‭ ‬الناس،‭ ‬ورفع‭ ‬وعيهم‭ ‬وتغيير‭ ‬اتجاهاتهم‭ ‬وسلوكياتهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتعاطي‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭.‬

ومن‭ ‬البراهين‭ ‬العلمية‭ ‬الميدانية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتراكم‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬يسبب‭ ‬قرابة‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬حالة‭ ‬سرطان‭ ‬سنوياً‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬موت‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬السبب‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬منعه‭ ‬وتجنبه‭ ‬للإصابة‭ ‬بالسرطان،‭ ‬بعد‭ ‬التدخين،‭ ‬والبدانة‭ ‬والوزن‭ ‬الزائد‭. ‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أمراض‭ ‬السرطان‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬يمكن‭ ‬منعها‭ ‬كلياً‭ ‬وبكل‭ ‬بساطة،‭ ‬وبدون‭ ‬بذل‭ ‬أي‭ ‬مجهود‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الحكومي‭ ‬والفردي،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬إنفاق‭ ‬المال‭ ‬على‭ ‬الدواء‭ ‬والعلاج،‭ ‬وهو‭ ‬العزوف‭ ‬عن‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬كلياً‭ ‬ومنع‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭. ‬

كما‭ ‬أكدت‭ ‬الأبحاث‭ ‬الطبية‭ ‬وأثبتت‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬والسرطان،‭ ‬وتم‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم،‭ ‬ومع‭ ‬الزمن‭ ‬تم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬اجماع‭ ‬الأطباء‭ ‬والعلماء‭ ‬على‭ ‬واقعية‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إثبات‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬سبعة‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬السرطان،‭ ‬وهي‭ ‬سرطان‭ ‬الثدي،‭ ‬والقولون‭ ‬والمستقيم،‭ ‬والحنجرة،‭ ‬والكبد،‭ ‬والفم،‭ ‬والمريء،‭ ‬والبلعوم‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬المخاطر‭ ‬تزيد‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬تعاطي‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية،‭ ‬كما‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حد‭ ‬آمن‭ ‬للمشروبات‭ ‬الكحولية،‭ ‬فكل‭ ‬كأس‭ ‬تشربه‭ ‬يؤدي‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬نوعٍ‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬السرطان‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الذراع‭ ‬العلمي‭ ‬المختص‭ ‬بالسرطان‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للأبحاث‭ ‬حول‭ ‬السرطان‮»‬،‭ ‬بتصنيف‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬ضمن‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬المسرطنة‭ ‬للإنسان،‭ ‬مثل‭ ‬التدخين،‭ ‬والأسبستوس،‭ ‬والفورمالدهيد‭.‬

ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬الدليل‭ ‬العلمي‭ ‬والطبي‭ ‬وحده‭ ‬يكفي‭ ‬لمنع‭ ‬مادة‭ ‬قاتلة‭ ‬للشعوب‭ ‬وتسبب‭ ‬لهم‭ ‬السرطان‭ ‬والأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬والتدخين،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬أخرى؟

مع‭ ‬الأسف‭ ‬أن‭ ‬الحقائق‭ ‬والثوابت‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يُجمع‭ ‬عليها‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬قضية‭ ‬تهم‭ ‬الناس‭ ‬صحياً‭ ‬أو‭ ‬بيئياً‭ ‬أو‭ ‬غذائياً‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬وحدها‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬السليم‭ ‬والمستدام‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وبيئته‭. ‬فالعامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬دائماً‭ ‬يدخل‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬وعلى‭ ‬مسار‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬وجماعات‭ ‬الضغط،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬اللوبي‮»‬‭ ‬يلعبون‭ ‬دوراً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭. ‬ولذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لوباء‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬إجماعاً‭ ‬على‭ ‬إفساده‭ ‬لصحة‭ ‬الشعب‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لمنع‭ ‬بيعه،‭ ‬فشركات‭ ‬صناعة‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬ذات‭ ‬النفوذ‭ ‬الواسع‭ ‬والكبير‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬منعه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أرباحهم‭ ‬السنوية،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تنفق‭ ‬سنوياً‭ ‬قرابة‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬لنيل‭ ‬رضاهم،‭ ‬وكسب‭ ‬تأييدهم‭ ‬وأصواتهم‭ ‬وموافقتهم‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭.‬

فقد‭ ‬أصدر‭ ‬مجلس‭ ‬أمريكي‭ ‬معني‭ ‬بالمشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬هو‭ (‬Distilled‭ ‬Spirits‭ ‬Council‭ ‬of‭ ‬the‭ ‬United‭ ‬States‭) ‬ويمثل‭ ‬المنتجين‭ ‬والمسوقين‭ ‬للمشروبات‭ ‬الكحولية‭ ‬بياناً‭ ‬يرفض‭ ‬إعلان‭ ‬الجراح‭ ‬العام‭ ‬المتعلق‭ ‬بوضع‭ ‬علامة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الزجاجات‭ ‬تُحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‭   ‬تسبب‭ ‬السرطان،‭ ‬وجاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭: ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬أنماط‭ ‬الحياة‭ ‬تحمل‭ ‬مخاطر‭ ‬محتملة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أضاف‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬العلامات‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬توضع‭ ‬على‭ ‬الزجاجات‭ ‬تقدم‭ ‬معلومات‭ ‬للمستهلك‭ ‬عن‭ ‬المخاطر‭ ‬المحتملة‭ ‬لشرب‭ ‬المشروبات‭ ‬الكحولية‮»‬‭.‬

فالدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وتتبعها‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تبدو‭ ‬أولويتهم‭ ‬هي‭ ‬الازدهار‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬المتعددة‭ ‬الجنسيات‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬الدول‭ ‬ونواب‭ ‬الشعب،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬للشعوب،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مكونات‭ ‬وعناصر‭ ‬بيئتنا‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا