العدد : ١٧١٢٥ - الاثنين ١٠ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ شعبان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٢٥ - الاثنين ١٠ فبراير ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ شعبان ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ملاحظات حول تحديات سوق العمل في البحرين

بقلم: د. جاسم بونوفل

الاثنين ١٠ فبراير ٢٠٢٥ - 02:00

تُعد‭ ‬البطالة‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬النتائج‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلاتها؛‭ ‬حيث‭ ‬يشير‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬مثل‭ ‬انعكاسات‭ ‬انخفاض‭ ‬مستوى‭ ‬الدخل،‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة،‭ ‬والطلاق‭ ‬وغيرها‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬المجتمعات‭ ‬واستقرارها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬حرمان‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تصنف‭ ‬ضمن‭ ‬الطاقات‭ ‬المهدرة‭. ‬بينما‭ ‬يتطلب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحيوي‭ ‬والنشط‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬لهذه‭ ‬الطاقات‭ ‬الإنتاجية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دفع‭ ‬عجلة‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭.‬

الملاحظ‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬انتشار‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أقطار‭ ‬العالم‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬نتيجة‭ ‬عوامل‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬سيرورة‭ ‬‮«‬العولمة‭ ‬الليبرالية‭ ‬المتوحشة‮»‬،‭ ‬واتساع‭ ‬هوة‭ ‬الاختلالات‭ ‬الهيكلية‭ ‬لاقتصادياتها‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬كافة‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬وحلها‭ ‬أو‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬حدتها‭. ‬

وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬واجه‭ ‬مجتمعنا‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬بعض‭ ‬الخريجين‭ ‬الجامعيين،‭ ‬وباتت‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬تحظى‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭. ‬

وقد‭ ‬سعت‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬إلى‭ ‬احتواء‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬ومواجهتها،‭ ‬ودشنت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬رؤيتها‭ ‬2030‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬التي‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬محاور‭ ‬أهمها‭ ‬إصلاح‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬مبادرات‭ ‬أبرزها‭ ‬إنشاء‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭. ‬وقد‭ ‬أطلقت‭ ‬الهيئة‭ ‬منذ‭ ‬إنشائها‭ ‬عدة‭ ‬مبادرات‭ ‬هدفها‭ ‬النهائي‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬كفاءة‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريب،‭ ‬وإكسابه‭ ‬المهارات‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬السوق‭ ‬بحيث‭ ‬يغدو‭ ‬الخيار‭ ‬الأفضل‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المحلي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬أولاً‭ ‬إلى‭ ‬خصوصية‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وإلى‭ ‬طبيعة‭ ‬التحديات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭.‬

في‭ ‬الواقع‭ ‬إن‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يواجه‭ ‬عدة‭ ‬تحديات‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬المجال‭ ‬التطرق‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬ولكن‭ ‬سنكتفي‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬التركيز‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬وذلك‭ ‬لتأثيرها‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬حيث‭ ‬يتميز‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬البحريني‭ ‬بتركيبة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها؛‭ ‬فهومن‭ ‬جهة‭ ‬يمتلك‭ ‬عمالة‭ ‬وطنية‭ ‬ماهرة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التخصصات‭ ‬المهنية‭ ‬والإدارية‭ ‬والمالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬أثبتت‭ ‬كفاءتها‭ ‬وتفوقها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المهن‭ ‬والحرف‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التفوق‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اليوم،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يضرب‭ ‬بجذوره‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬أتقن‭ ‬البحرينيون‭ ‬معظم‭ ‬المهن‭ ‬والحرف‭ ‬التي‭ ‬تزامن‭ ‬ظهورها‭ ‬مع‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬وسواء‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المهن‭ ‬أو‭ ‬الحرف‭ ‬مرتبطة‭ ‬باستخراج‭ ‬النفط‭ ‬وتصنيعه‭ ‬أو‭ ‬إدارته‭ ‬أو‭ ‬تسويقه‭ ‬وغيرها‭. ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يحتضن‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬البحريني‭ ‬عمالة‭ ‬وافدة‭ ‬بدأت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬وبدأت‭ ‬تنافس‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الفرص‭ ‬المتوفرة‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬مما‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬وجود‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬بهذه‭ ‬الكثافة‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬وجود‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭.‬

اليوم،‭ ‬تبدو‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬المعادلة‭ ‬في‭ ‬تركيبة‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭ (‬الوطنية‭ ‬والوافدة‭) ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬نسبة‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة،‭ ‬وإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬نصوص‭ ‬قانون‭ ‬العمل‭ ‬الحالي‭ ‬وهنا‭ ‬يقفز‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬دور‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيامها‭ ‬بتعديل‭ ‬قانون‭ ‬العمل‭ ‬بسن‭ ‬تشريعات‭ ‬جديدة‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬التركيبة‭ ‬الحالية‭ ‬للقوى‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مقترحات‭ ‬أخرى‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬رفع‭ ‬نسبة‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬المحلي‭.‬

في‭ ‬اعتقادي‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬مخططي‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬التحرك‭ ‬سريعاً‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬المسالة‭ ‬بإرادة‭ ‬وعزيمة‭ ‬ثابتة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬هندسة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وتصحيح‭ ‬معادلة‭ ‬تركيبته،‭ ‬فإذا‭ ‬توفرت‭ ‬لديهم‭ ‬الإرادة،‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬تبقى‭ ‬غير‭ ‬عصية‭ ‬وهنا‭ ‬يتعين‭ ‬عليهم‭ ‬البدء‭ ‬أولا‭ ‬بحسم‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ (‬تركيبة‭ ‬القوى‭ ‬العاملة‭) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حجمها‭ ‬وتقنين‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬تشغلها،‭ ‬وإننا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أن‭ ‬اتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ستكون‭ ‬البداية‭ ‬الصحيحة‭ ‬لمقاربة‭ ‬علاج‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭.‬

نحن‭ ‬نعلم‭ ‬علم‭ ‬اليقين‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬يتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ (‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬والجامعات‭ ‬والسلطة‭ ‬التشريعية‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نُحَمِّل‭ ‬طرفاً‭ ‬بعينه‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬هو‭ ‬الأكبر‭ ‬والأهم؛‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بإدارة‭ ‬دفة‭ ‬الاقتصاد‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا