تُعد البطالة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تهتم بها كل الحكومات في العالم نظراً إلى النتائج السلبية التي يترتب على المجتمع من جراء ارتفاع معدلاتها؛ حيث يشير علماء الاجتماع والاقتصاد إلى عدد من هذه النتائج التي تؤثر سلباً في المجتمع مثل انعكاسات انخفاض مستوى الدخل، وارتفاع معدلات الجريمة، والطلاق وغيرها وقد تكون أحد الأسباب التي تهدد المجتمعات واستقرارها، كما أن لها تأثيرات سلبية في الجانب الاقتصادي تتمثل في حرمان المجتمع من الطاقات البشرية التي تصنف ضمن الطاقات المهدرة. بينما يتطلب الاقتصاد الحيوي والنشط الاستغلال الأمثل لهذه الطاقات الإنتاجية من أجل دفع عجلة التنمية الشاملة إلى الأمام.
الملاحظ في السنوات الأخيرة انتشار البطالة في كثير من أقطار العالم ومن بينها الأقطار العربية نتيجة عوامل عديدة من بينها دخول الاقتصاديات العربية في سيرورة «العولمة الليبرالية المتوحشة»، واتساع هوة الاختلالات الهيكلية لاقتصادياتها. ونتيجة لذلك تسعى الدول كافة إلى مواجهة هذه المشكلة وحلها أو التخفيف من حدتها.
وفي السنوات الأخيرة، واجه مجتمعنا بعض مظاهر هذه المشكلة خاصة بين صفوف بعض الخريجين الجامعيين، وباتت هذه المشكلة تحظى باهتمام كبير من الجهات المسؤولة.
وقد سعت البحرين منذ وقت مبكر إلى احتواء هذه المسألة ومواجهتها، ودشنت من أجل ذلك رؤيتها 2030 التي تم إطلاقها في عام 2008 التي احتوت على عدة محاور أهمها إصلاح سوق العمل من خلال عدة مبادرات أبرزها إنشاء هيئة تنظيم سوق العمل. وقد أطلقت الهيئة منذ إنشائها عدة مبادرات هدفها النهائي رفع مستوى كفاءة المواطن البحريني من خلال التعليم والتدريب، وإكسابه المهارات العالية التي يتطلبها السوق بحيث يغدو الخيار الأفضل في السوق المحلي.
وفي هذا الإطار، علينا أن نتعرف أولاً إلى خصوصية سوق العمل في البحرين، وإلى طبيعة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه هذا السوق في الوقت الراهن.
في الواقع إن سوق العمل في البحرين يواجه عدة تحديات داخلية وخارجية لا يسعنا المجال التطرق إليها في هذا المقال، ولكن سنكتفي بالحديث عن أحد هذه التحديات التي نرى أنه من الضرورة التركيز عليها في الوقت الراهن وذلك لتأثيرها المباشر في سوق العمل حيث يتميز سوق العمل البحريني بتركيبة فريدة من نوعها؛ فهومن جهة يمتلك عمالة وطنية ماهرة في كثير من التخصصات المهنية والإدارية والمالية والاقتصادية أثبتت كفاءتها وتفوقها في جميع المهن والحرف. وكما هو معلوم أن هذا التفوق ليس وليد اليوم، بل إنه يضرب بجذوره في تاريخ البحرين الاقتصادي أي منذ اكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث أتقن البحرينيون معظم المهن والحرف التي تزامن ظهورها مع اكتشاف النفط وسواء كانت هذه المهن أو الحرف مرتبطة باستخراج النفط وتصنيعه أو إدارته أو تسويقه وغيرها. من جهة أخرى، يحتضن سوق العمل البحريني عمالة وافدة بدأت تنتشر في المؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص، وبدأت تنافس العمالة الوطنية في الفرص المتوفرة في السوق مما يدفعنا إلى القول بأن وجود العمالة الوافدة بهذه الكثافة هو أحد أسباب وجود نسبة من البطالة المحلية في بعض القطاعات.
اليوم، تبدو البحرين في حاجة ماسة إلى تصحيح المعادلة في تركيبة القوى العاملة (الوطنية والوافدة) بحيث تكون نسبة العمالة الوطنية أكثر من نسبة العمالة الوافدة، وإن مثل هذا الإجراء يحتاج إلى إعادة النظر في بعض نصوص قانون العمل الحالي وهنا يقفز إلى الذهن دور السلطة التشريعية وذلك من خلال قيامها بتعديل قانون العمل بسن تشريعات جديدة تفضي إلى تغيير التركيبة الحالية للقوى العاملة في البحرين، إضافة إلى البحث عن مقترحات أخرى تصب في تحقيق هدف رفع نسبة العمالة الوطنية في السوق المحلي.
في اعتقادي أنه ليس أمام مخططي سوق العمل من خيار سوى التحرك سريعاً لمواجهة هذه المسالة بإرادة وعزيمة ثابتة من خلال إعادة هندسة سوق العمل وتصحيح معادلة تركيبته، فإذا توفرت لديهم الإرادة، فإن عملية مواجهة هذا التحدي تبقى غير عصية وهنا يتعين عليهم البدء أولا بحسم هذه القضية (تركيبة القوى العاملة) من خلال إعادة النظر في حجمها وتقنين الوظائف التي تشغلها، وإننا على يقين أن اتخاذ مثل هذه الخطوة ستكون البداية الصحيحة لمقاربة علاج هذه المسألة.
نحن نعلم علم اليقين أن مثل هذا الإجراء يتطلب تضافر جهود كل الأطراف المؤثرة في التعامل مع هذه القضية (القطاعين العام والخاص والجامعات والسلطة التشريعية)، وفي هذا السياق فإننا لا نُحَمِّل طرفاً بعينه المسؤولية عن هذه الظاهرة، لكن يبقى دور الدولة هو الأكبر والأهم؛ لأنها هي التي تمسك بإدارة دفة الاقتصاد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك